Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 94-94)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثمان مسائل : الأُولى قوله تعالى : { لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ } أي ليختبرنكم ، والابتلاء الاختبار . وكان الصيد أحد معايش العرب العاربة ، وشائعاً عند الجميع منهم ، مستعملاً جداً ، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم ، كما ابتلى بني إسرائيل في ألاّ يعتدوا في السبت . وقيل : إنها نزلت عام الحديبية أحرم بعض الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم بعضهم ، فكان إذا عرض صيدٌ اختلف فيه أحوالهم وأفعالهم ، وٱشتبهت أحكامه عليهم ، فأنزل الله هذه الآية بياناً لأحكام أحوالهم وأفعالهم ، ومحظورات حجّهم وعُمرتهم . الثانية اختلف العلماء من المخاطب بهذه الآية على قولين : أحدهما أنهم المُحِلّون قاله مالك . الثاني أنهم المحرمون قاله ابن عباس وتعلق بقوله تعالى : { لَيَبْلُوَنَّكُمُ } فإن تكليف الامتناع الذي يتحقق به الابتلاء هو مع الإحرام . قال ابن العربي : وهذا لا يلزم فإن التكليف يتحقق في المُحِّل بما شُرط له من أُمور الصيد ، وما شُرع له من وصفه في كيفية الاصطياد . والصحيح أن الخطاب في الآية لجميع الناس مُحلّهم ومُحرمهم لقوله تعالى : { لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ } أي ليكلفنكم ، والتكليف كله ابتلاء وإن تفاضل في الكثرة والقلة ، وتباين في الضّعف والشدّة . الثالثة قوله تعالى : { بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } يريد ببعض الصيد ، فمِن للتبعيض ، وهو صيد البر خاصّة ولم يعمّ الصيد كله لأن للبحر صيدا ، قاله الطَّبَريّ وغيره . وأراد بالصيد المصيد لقوله : { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } . الرابعة قوله تعالى : { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } بيان لحكم صغار الصيد وكباره . وقرأ ٱبن وثّاب والنَّخَعيّ : « يناله » بالياء منقوطة من تحت . قال مجاهد : الأيدي تنال الفِراخ والبيض وما لا يستطيع أن يفِر ، والرّماح تنال كبار الصيد . وقال ٱبن وهب قال مالك قال الله تعالى : { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } وكل شيء يناله الإنسان بيده أو برمحه أو بشيء من سلاحه فقتله فهو صيد كما قال الله تعالى . الخامسة خص الله تعالى الأيدي بالذكر لأنها عُظْم التصرف في الاصطياد وفيها تدخل الجوارح والحِبالات ، وما عمل باليد من فِخاخ وشِباك وخص الرّماح بالذكر لأنها عُظْم ما يجرح به الصيد ، وفيها يدخل السهم ونحوه وقد مضى القول فيما يصاد به من الجوارح والسهام في أوّل السورة بما فيه الكفاية والحمد لله . السادسة ما وقع في الفخّ والحِبالة فلربّها ، فإن ألجا الصيد إليها أحد ولولاها لم يتهيأ له أخذه فربها فيه شريكه . وما وقع في الجُبَحْ المنصوب في الجبل من ذباب النّحل فهو كالحِبالة والفخّ ، وحمام الأبرجة تُردّ على أربابها إن ٱستطِيع ذلك ، وكذلك نحل الجِباح وقد روي عن مالك . وقال بعض أصحابه : إنه ليس على من حصل الحمام أو النحل عنده أن يردّه . ولو ألجأت الكلاب صيداً فدخل في بيت أحد أو داره فهو للصائد مرسِل الكلاب دون صاحب البيت ، ولو دخل في البيت من غير ٱضطرار الكلاب له فهو لرب البيت . السابعة ٱحتج بعض الناس على أن الصيد للآخذ لا للمثير بهذه الآية لأن المثير لم تنل يده ولا رمحه بعدُ شيئاً ، وهو قول أبي حنيفة . الثامنة كره مالك صيد أهل الكتاب ولم يحرمه ، لقوله تعالى : { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } يعني أهل الإيمان ، لقوله تعالى في صدر الآية : { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فخرج عنهم أهل الكتاب . وخالفه جمهور أهل العلم ، لقوله تعالى : { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } وهو عندهم مثل ذبائحهم . وأجاب علماؤنا بأن الآية إنما تضمنت أكل طعامهم ، والصيد باب آخر فلا يدخل في عموم الطعام ، ولا يتناوله مطلق لفظه . قلت : هذا بناء على أن الصيد ليس مشروعاً عندهم فلا يكون من طعامهم ، فيسقط عنا هذا الإلزام فأما إن كان مشروعاً عندهم في دينهم فيلزمنا أكله لتناول اللفظ له ، فإنه من طعامهم . والله أعلم .