Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 17-19)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأولى قوله تعالى : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } معنى « يَهْجَعُونَ » ينامون والهجوع النوم ليلاً ، والتَّهْجاع النومة الخفيفة قال أبو قيس بن الأَسْلَت : @ قد حصَّتِ البيضةُ رأسي فَمَا أَطْعَمُ نَوْماً غيرَ تَهْجاعِ @@ وقال عمرو بن مَعْدي كرِب يتشوّق أخته وكان أسرها الصِّمَّة أبو دُرَيد بن الصِّمَّة : @ أَمِنْ رَيْحَانة الدَّاعِي السَّميعُ يُؤَرِّقُنِي وأَصحابي هُجوعُ @@ يقال : هَجَعَ يَهْجَع هُجوعاً ، وهَبَغَ يَهْبَغُ هُبوغاً بالغين المعجمة إذا نام قاله الجوهري . وٱختلف في « ما » فقيل : صلة زائدة قاله إبراهيم النخعي والتقدير كانوا قليلاً من الليل يهجعون أي ينامون قليلاً من الليل ويصلّون أكثره . قال عطاء : وهذا لما أمروا بقيام الليل . وكان أبو ذرّ يحتجِز ويأخذ العصا فيعتمد عليها حتى نزلت الرخصة { قُمِ ٱلْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } الآية . وقيل : ليس « ما » صلة بل الوقف عند قوله : « قَلِيلاً » ثم يبتدىء { مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } فـ « ـما » للنفي وهو نفي النوم عنهم البَتّةَ . قال الحسن : كانوا لا ينامون من الليل إلا أقله وربما نَشِطوا فجدّوا إلى السحر . روي عن يعقوب الحضرمي أنه قال : ٱختلفوا في تفسير هذه الآية فقال بعضهم : « كَانُوا قَلِيلاً » معناه كان عددهم يسيراً ثم ٱبتدأ فقال : { مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } على معنى من الليل يهجعون قال ٱبن الأنباري : وهذا فاسد لأن الآية إنما تدل على قلة نومهم لا على قلة عددهم ، وبعد فلوا ٱبتدأنا « مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ » على معنى من الليل يهجعون لم يكن في هذا مدح لهم لأن الناس كلهم يهجعون من الليل إلا أن تكون « ما » جَحْداً . قلت : وعلى ما تأوّله بعض الناس وهو قول الضحاك من أن عددهم كان يسيراً يكون الكلام متصلاً بما قبل من قوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي كان المحسنون قليلاً ، ثم ٱستأنف فقال : { مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } وعلى التأويل الأوّل والثاني يكون « كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ » خطاباً مستأنفاً بعد تمام ما تقدّمه ويكون الوقف على « مَا يَهْجَعُونَ » ، وكذلك إن جعلت « قَلِيلاً » خبر كان وترفع « ما » بقليل كأنه قال : كانوا قليلاً من الليل هجوعهم . فـ « ـما » يجوز أن تكون نافية ، ويجوز أن تكون مع الفعل مصدراً ، ويجوز أن تكون رفعاً على البدل من ٱسم كان ، التقدير كان هجوعهم قليلاً من الليل ، وٱنتصاب قوله : « قَلِيلاً » إن قدرت « ما » زائدة مؤكدة بـ « ـيَهْجَعُونَ » على تقدير كانوا وقتاً قليلاً أو هجوعاً قليلاً يهجعون ، وإن لم تقدر « ما » زائدة كان قوله : « قَلِيلاً » خبر كان ولم يجز نصبه بـ « ـيَهْجَعُونَ » لأنه إذا قدر نصبه بـ « ـيَهْجَعُونَ » مع تقدير « ما » مصدراً قدمت الصلة على الموصول . وقال أنس وقتادة في تأويل الآية : أي كانوا يصلّون بين العشاين : المغرب والعشاء . أبو العالية : كانوا لا ينامون بين العشاءين . وقاله ٱبن وهب . وقال مجاهد : نزلت في الأنصار كانوا يصلون العشاءين في مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم يمضون إلى قُباء . وقال محمد بن علي بن الحسين : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العَتَمة . قال الحسن : كأنه عَدَّ هجوعهم قليلاً في جنب يقظتهم للصلاة . وقال ٱبن عباس ومُطرِّف : قَلّ ليلة لا تأتي عليهم إلا يصلّون لله فيها إما من أوّلها وإما من وسطها . الثانية : روي عن بعض المتهجدين أنه أتاه آتٍ في منامه فأنشده : @ وكيف تنامُ الليلَ عينٌ قريرةٌ ولم تَدرِ في أيّ المجالِسِ تنزِلُ @@ وروي عن رجل من الأزد أنه قال : كنت لا أنام الليل فنمت في آخر الليل ، فإذا أنا بشابين أحسن ما رأيت ومعهما حُلَل ، فوقفا على كل مصلّ وكسواه حلّة ، ثم ٱنتهيا إلى النيام فلم يكسوهم ، فقلت لهما : ٱكسواني من حُللكما هذه فقالا لي : إنها ليست حُلّة لباس إنما هي رضوان الله يحلّ على كل مصلّ . ويروى عن أبي خَلاّد أنه قال : حدّثني صاحب لي قال : فبينا أنا نائم ذات ليلة إذ مُثِّلت لي القيامة ، فنظرت إلى أقوام من إخواني قد أضاءت وجوههم ، وأشرقت ألوانهم ، وعليهم الحلل من دون الخلائق ، فقلت : ما بال هؤلاء مكتسون والناس عُراة ، ووجوههم مشرقة ووجوه الناس مغبرة ! فقال لي قائل : الذين رأيتهم مكتسون فهم المصلّون بين الأذان والإقامة ، والذين وجوههم مشرقة فأصحاب السهر والتهجد ، قال : ورأيت أقواماً على نجائب فقلت : ما بال هؤلاء ركباناً والناس مشاة حفاة ؟ فقال لي : هؤلاء الذين قاموا على أقدامهم تقرّبا لله تعالى فأعطاهم الله بذلك خير الثواب قال : فصِحت في منامي : واهاً للعابدين ، ما أشرف مقامهم ! ثم ٱستيقظت من منامي وأنا خائف . الثالثة قوله تعالى : { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } مدح ثان أي يستغفرون من ذنوبهم ، قاله الحسن . والسَّحَر وقت يرجى فيه إجابة الدعاء . وقد مضى في « آل عمران » القول فيه . وقال ٱبن عمر ومجاهد : أي يصلّون وقت السَّحَر فسمّوا الصلاة ٱستغفاراً . وقال الحسن في قوله تعالى : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } مدّوا الصلاة من أوّل الليل إلى السحر ثم استغفروا في السحر . ٱبن وهب : هي في الأنصار يعني أنهم كانوا يغدون من قُباء فيصلون في مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم . ٱبن وهب عن ٱبن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قالوا : كانوا يَنْضَحون لِنَاسٍ من الأنصار بالدلاء على الثمار ثم يهجعون قليلاً ، ثم يصلّون آخر الليل . الضحاك : صلاة الفجر . قال الأحنف بن قيس : عرضت عملي على أعمال أهل الجنة فإذا قوم قد باينونا بَوْناً بعيداً لا نبلغ أعمالهم « كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ » وعرضت عملي على أعمال أهل النار فإذا قوم لا خير فيهم ، يكذبون بكتاب الله وبرسوله وبالبعث بعد الموت ، فوجدنا خيرنا منزلة قوماً خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً . الرابعة قوله تعالى : { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } مدح ثالث . قال محمد بن سيرين وقتادة : الحق هنا الزكاة المفروضة . وقيل : إنه حقّ سوى الزكاة يصل به رَحِماً ، أو يَقري به ضيفاً ، أو يحمل به كَلاًّ ، أو يغني محروماً . وقاله ٱبن عباس لأن السورة مكية وفرضت الزكاة بالمدينة . ٱبن العربي : والأقوى في هذه الآية أنها الزكاة لقوله تعالى في سورة « سأل سائل » : { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } والحق المعلوم هو الزكاة التي بيّن الشرع قدرها وجنسها ووقتها ، فأما غيرها لمن يقول به فليس بمعلوم لأنه غير مقدّر ولا مجنّس ولا موقّت . الخامسة قوله تعالى : { لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } السائل الذي يسأل الناس لفاقته قاله ٱبن عباس وسعيد بن المسيّب وغيرهما . « وَالْمَحْرُومِ » الذي حُرم المالَ . وٱختلف في تعيينه فقال ٱبن عباس وسعيد بن المسيّب وغيرهما : المحروم المُحارَف الذي ليس له في الإسلام سهم . وقالت عائشة رضي الله عنها : المحروم المُحارَف الذي لا يتيسر له مكسبه يقال : رجل مُحارَف بفتح الراء أي محدود محروم ، وهو خلاف قولك مُبارَك . وقد حورف كسبُ فلان إذا شُدِّد عليه في معاشه كأنه مِيلَ برزقه عنه . وقال قتادة والزهري : المحروم المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئاً ولا يُعلِم بحاجته . وقال الحسن ومحمد بن الحنفية : المحروم الذي يجيء بعد الغنيمة وليس له فيها سهم . روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث سَرِيّة فأصابوا وغنموا فجاء قوم بعدما فرغوا فنزلت هذه الآية { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ } . وقال عِكرمة : المحروم الذي لا يبقى له مال . وقال زيد بن أسلم : هو الذي أصيب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته . وقال القُرَظيّ : المحروم الذي أصابته الجائحة ثم قرأ { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } نظيره في قصة أصحاب الجنة حيث قالوا : { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } وقال أبو قِلابة : كان رجل من أهل اليمامة له مال فجاء سيل فذهب بماله ، فقال رجل من أصحابه : هذا المحروم فأقسموا له . وقيل : إنه الذي يطلب الدنيا وتُدبِر عنه . وهو يروى عن ٱبن عباس أيضاً . وقال عبد الرحمن بن حميد : المحروم المملوك . وقيل : إنه الكلب روي أن عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة ، فجاء كلب فانتزع عمر رحمه الله كتف شاة فرمى بها إليه وقال : يقولون إنه المحروم . وقيل : إنه من وجبت نفقته بالفقر من ذوي الأنساب لأنه قد حُرِم كسب نفسه حتى وجبت نفقته في مال غيره . وروى ٱبن وهب عن مالك : أنه الذي يحرم الرزق ، وهذا قول حسن لأنه يعم جميع الأقوال . وقال الشعبي : لي اليوم سبعون سنة منذ ٱحتلمت أسأل عن المحروم فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ . رواه شعبة عن عاصم الأحول عن الشعبي . وأصله في اللغة الممنوع من الحرمان وهو المنع . قال علقمة : @ ومُطْعَمُ الغُنْمِ يومَ الغُنْم مُطْعَمُهُ أَنَّى تَوَجَّه والمحرومُ محرومُ @@ وعن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " « ويلٌ للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم فيقول الله تعالى وعزتي وجلالي لأقربنكم ولأبعدنهم » ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } " ذكره الثعلبي .