Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 33-35)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } الآيات لما بيّن جهل المشركين في عبادة الأصنام ذكر واحداً منهم معيناً بسوء فعله . قال مجاهد وٱبن زيد ومقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكان قد ٱتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيّره بعض المشركين ، وقال : لِمَ تركتَ دين الأشياخ وضَلَّلتهم وزعمت أنهم في النار ؟ ! قال : إني خشيت عذاب الله فضمن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله ، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل ومنعه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مقاتل : كال الوليد مدح القرآن ثم أمسك عنه فنزل : { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً } أي من الخير بلسانه « وَأَكْدَى » أي قطع ذلك وأمسك عنه . وعنه أنه أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد الإيمان ثم تولى فنزلت : { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } الآية . وقال ٱبن عباس والسُّدي والكلبي والمسيّب بن شريك : نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يتصدّق وينفق في الخير ، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن أبي سَرْح : ما هذا الذي تصنع ؟ يوشك ألاّ يبقى لك شيء . فقال عثمان : إن لي ذنوباً وخطايَا ، وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوهٰ فقال له عبد الله : أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها . فأعطاه وأشهد عليه ، وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة فأنزل الله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله . ذكر ذلك الواحديّ والثعلبيّ . وقال السّديّ أيضاً : نزلت في العاص بن وائل السَّهْميّ ، وذلك أنه كان ربما يوافق النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال محمد بن كعب القرظيّ : نزلت في أبي جهل بن هشام ، قال : واللَّهِ ما يأمر محمدٌ إلا بمكارم الأخلاق فذلك قوله تعالى : { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } . وقال الضحاك : هو النَّضْر بن الحرث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ٱرتد عن دينه ، وضمن له أن يتحمل عنه مأثم رجوعه . وأصل « أَكْدَى » من الكُدْية يقال لمن حَفَر بئراً ثم بلغ إلى حجر لا يتهيّأ له فيه حَفْر : قد أَكْدَى ، ثم ٱستعملته العرب لمن أعطى ولم يُتمِّم ، ولمن طلب شيئاً ولم يبلغ آخره . وقال الحُطَيْئة : @ فأعطى قليلاً ثم أَكْدَى عطاءَه ومن يَبْذُلِ المعروفَ في الناسِ يُحَمِد @@ قال الكسائيّ وغيره : أَكْدَى الحافُر وأَجبْل إذا بلغ في حَفْره كُدْية أو جبلاً فلا يمكنه أن يَحفِر . وحفر فأَكْدَى إذا بلغ إلى الصُّلْب . ويقال : كدِيت أصابعه إذا كَلَّتْ من الحفر . وكَدِيت يدهُ إذا كَلَّتْ فلم تعمل شيئاً . وأَكْدَى النَّبتُ إذا قلّ رَيْعه ، وكَدَتِ الأرض تَكْدُو كَدْواً وكُدُوًّا فهي كَادِيَةٌ إذا أبطأ نباتها عن أبي زيد . وأَكْدَيْتُ الرجلَ عن الشيء رددته عنه . وأَكْدَى الرجلُ إذا قلّ خيره . وقوله : { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } أي قطع القليل . قوله تعالى : { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } أي أعند هذا المكدِي علمُ ما غاب عنه من أمر العذاب ؟ . { فَهُوَ يَرَىٰ } أي يعلم ما غاب عنه من أمر الآخرة ، وما يكون من أمره حتى يضمن حمل العذاب عن غيره ، وكفى بهذا جهلاً وحمقاً . وهذه الرؤية هي المتعدية إلى مفعولين والمفعولان محذوفان كأنه قال : فهو يرى الغيبَ مثلَ الشهادة .