Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 47-55)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } أي إعادة الأرواح في الأشباح للبعث . وقرأ ٱبن كثير وأبو عمرو « ٱلنَّشَأَةَ » بفتح الشين والمدّ أي وعد ذلك ووعده صدق . { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } قال ابن زيد : أغنى من شاء وأفقر من شاء ثم قرأ { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } [ العنكبوت : 62 ] وقرأ { يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } [ البقرة : 245 ] وٱختاره الطبري . وعن ٱبن زيد أيضاً ومجاهد وقتادة والحسن : « أَغْنَى » مَوَّلَ « وأَقْنَى » أَخْدم . وقيل : « أَقْنَى » جعل لكم قِنْية تقتنونها ، وهو معنى أخدم أيضاً . وقيل : معناه أرضى بما أعطى أي أغناه ثم رضّاه بما أعطاه قاله ٱبن عباس . وقال الجوهري : قَنِيَ الرجل يَقْنَى قِنًى مثل غَنِي يَغْنَى غِنًى ، وأقناه الله أي أعطاه الله ما يُقتنى من القِنْية والنَّشَب . وأقناه الله أيضاً أي رضّاه . والقِنَى الرضا ، عن أبي زيد قال وتقول العرب : من أُعِطي مائةً من المعز فقد أعطِي القِنَى ، ومن أُعِطي مائةً من الضأن فقد أُعِطَي الغِنى ، ومن أُعِطيَ مائة من الإبل فقد أعطِي المُنى . ويقال : أغناه الله وأقناه أي أعطاه ما يسكن إليه . وقيل : { أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } أي أغْنَى نفسه وأفقر خلقه إليه قاله سليمان التيمي . وقال سفيان : أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا . وقال الأخفش : أقنى أفقر . قال ٱبن كيسان : أولد . وهذا راجع لما تقدّم . { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } « الشِّعْرَى » الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء ، وطلوعه في شدّة الحرّ ، وهما الشّعريان العَبُور التي في الجوزاء والشِّعرى الغُمَيْصَاءُ التي في الذراع وتزعم العرب أنهما أختا سُهَيل . وإنما ذكر أنه رَبُّ الشِّعْرى وإن كان ربًّا لغيره لأن العرب كانت تعبده فأعلمهم الله جل وعز أنّ الشِّعْرى مربوب وليس بربّ . وٱختلف فيمن كان يعبده فقال السدي : كانت تعبده حِمْير وخُزَاعة . وقال غيره : أول من عبده أبو كبشة أحد أجداد النبيّ صلى الله عليه وسلم من قبل أمهاته ، ولذلك كان مشركو قريش يسمون النبيّ صلى الله عليه وسلم ٱبن أبي كبشة حين دعا إلى الله وخالف أديانهم وقالوا : ما لقيناً من ٱبن أبي كبشة ! وقال أبو سفيان يوم الفتح وقد وقف في بعض المضايق وعساكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرّ عليه : لقد أَمِرَ أَمْرُ ٱبنِ أبي كبشة . وقد كان من لا يعبد الشِّعْرى من العرب يعظّمها ويعتقد تأثيرها في العالم ، قال الشاعر : @ مضَى أَيْلُولُ وٱرتفعَ الحَرُورُ وأخْبَتْ نارَها الشِّعرى العَبُورُ @@ وقيل : إن العرب تقول في خرافاتها : إن سُهيْلاً والشِّعرى كانا زوجين ، فانحدر سُهَيل فصار يمانياً ، فاتبعته الشِّعرى العَبُور فعبرت المجرة فسميت العبور ، وأقامت الغُمَيْصاء فبكت لفقد سُهَيل حتى غَمِصت عيناه فسمِّيت غميصاء لأنها أخفى من الأخرى . { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } سماها الأولى لأنهم كانوا مِن قبل ثمود . وقيل : إن ثمود مِن قبل عاد . وقال ٱبن زيد : قيل لها عاد الأولى لأنها أوّل أمة أهلكت بعد نوح عليه السلام . وقال ٱبن إسحاق : هما عادان فالأولى أهلكت بالريح الصّرصر ، ثم كانت الأخرى فأهلكت بالصيحة . وقيل : عاد الأولى هو عاد بن إِرم بن عوص بن سام بن نوح ، وعاد الثانية من ولد عاد الأولى والمعنى متقارب . وقيل : إن عاد الآخرة الجبارون وهم قوم هود . وقراءة العامة « عَاداً الأُولَى » ببيان التنوين والهمز . وقرأ نافع وٱبن مُحَيِصن وأبو عمرو « عَاداً الأُولَى » بنقل حركة الهمزة إلى اللام وإدغام التنوين فيها ، إلا أنّ قالون والسوسي يظهران الهمزة الساكنة . وقلبها الباقون واواً على أصلها والعرب تقلب هذا القلب فتقول : قُم الاَّن عنًّا وضُمَّ لِثْنَينِ أي قم الآن وضم الاثنين { وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } ثمود هم قوم صالح أهلكوا بالصيحة . قرىء « ثُموداً » « وَثَمُود » وقد تقدّم . وٱنتصب على العطف على عاد . { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ } أي وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود { إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } وذلك لطول مدّة نوح فيهم ، حتى كان الرجل فيهم يأخذ بيد ٱبنه فينطلق إلى نوح عليه السلام فيقول : ٱحذر هذا فإنه كدّاب ، وإن أبي قد مشى بي إلى هذا وقال لي مثل ما قلت لك فيموت الكبير على الكفر ، وينشأ الصغير على وصية أبيه . وقيل : إن الكناية ترجع إلى كلّ مَن ذُكر من عاد وثمود وقوم نوح أي كانوا أكفر من مشركي العرب وأطغى . فيكون فيه تسلية وتعزية للنبيّ صلى الله عليه وسلم فكأنه يقول له : فٱصبر أنت أيضاً فالعاقبة الحميدة لك . { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } يعني مدائن قوم لوط عليه السلام ٱئتفكت بهم ، أي انقلبت وصار عاليها سافلها . يقال : أَفَكْته أي قلبته وصرفته . « أَهْوَى » أي خسف بهم بعد رفعها إلى السماء رفعها جبريل ثم أهوى بها إلى الأرض . وقال المبرّد : جعلها تهوِي . ويقال : هَوَى بالفتح يَهْوِي هُوِّيًّا أي سقط و « أَهْوَى » أي أسقط . { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } أي ألبسها ما ألبسها من الحجارة قال الله تعالى : { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } [ الحجر : 74 ] وقيل : إن الكناية ترجع إلى جميع هذه الأمم أي غَشَّاها من العذاب ما غشاهم ، وأبهم لأن كلاًّ منهم أهلِك بضرب غير ما أُهْلِك به الآخر . وقيل : هذا تعظيم الأمر . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ } أي فبأي نِعَم ربّك تشكّ . والمخاطبة للإنسان المكذب . والآلاء النعم واحدها أَلىً وإِلىً وإِلْيٌ . وقرأ يعقوب « تَمَّارَى » بإدغام إحدى التاءين في الأخرى والتشديد .