Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } « ٱقْتَرَبَتِ » أي قربت مثل { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [ النجم : 57 ] على ما بيناه . فهي بالإضافة إلى ما مضى قريبة لأنه قد مضى أكثر الدنيا كما روى قتادة عن أنس قال : " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال : « ما بقي من دنياكم فيما مضى إلاّ مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى » " وما نرى من الشمس إلا يسيراً . وقال كعب ووهب : الدنيا ستة ٱلاف سنة . قال وهب : قد مضى منها خمسة آلاف سنة وستمائة سنة . ذكره النحاس . ثم قول تعالى : { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أي وقد ٱنشق القمر . وكذا قرأ حُذيفة « ٱقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَقَدِ ٱنْشَقَّ الْقَمَرُ » بزيادة « قد » وعلى هذا الجمهور من العلماء ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره من حديث ٱبن مسعود وابن عمر وأنس وجبير بن مُطْعِم وابن عباس رضي الله عنهم . وعن أنس قال : سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وسلم آية ، فٱنشقَّ القمر بمكة مرتين فنزلت : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } إلى قوله : { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } يقول ذاهب قال أبو عيسى الترمذيّ : هذا حديث حسن صحيح . ولفظ البخاريّ عن أنس قال : ٱنشق القمر فرقتين . وقال قوم : لم يقع ٱنشقاق القمر بعدُ وهو منتظر أي ٱقترب قيام الساعة وٱنشقاق القمر وأن الساعة إذا قامت ٱنشقت السماء بما فيها من القمر وغيره . وكذا قال القشيري . وذكر الماورديّ : أن هذا قول الجمهور ، وقال : لأنه إذا ٱنشق ما بقي أحد إلا رآه لأنه آية والناس في الآيات سواء . وقال الحسن : ٱقتربت الساعة فإذا جاءت ٱنشق القمر بعد النفخة الثانية . وقيل : { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أي وضح الأمر وظهر والعرب تضرب بالقمر مثلاً فيما وضَحَ قال : @ أقيمُوا بَني أميِّ صُدُورَ مَطِيّكُمْ فإنِّي إلى حَيٍّ سواكم لأَمْيَلُ فقد حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌ وشُدَّت لِطيَّاتٍ مَطايا وأَرْحُلُ @@ وقيل : ٱنشقاق القمر هو ٱنشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها ، كما يسمى الصبح فلقاً لآنفلاق الظلمة عنه . وقد يعبر عن ٱنفلاقه بٱنشقاقه كما قال النابغة : @ فلمَّا أدْبَرُوا ولَهُمْ دَوِيٌّ دعانا عِند شَقِّ الصُّبحِ داعِ @@ قلت : وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر ٱنشق بمكة ، وهو ظاهر التنزيل ، ولا يلزم أن يستوي الناس فيها لأنها كانت آية ليلية وأنها كانت باستدعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم من الله تعالى عند التحدّي . فروي أنّ حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضباً من سبّ أبي جهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلب أن يريه آية يزداد بها يقيناً في إيمانه . وقد تقدّم في الصحيح أن أهل مكة هم الذين سألوا وطلبوا أن يريهم آية ، فأراهم ٱنشقاق القمر فلقتين كما في حديث ٱبن مسعود وغيره . وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال : ألا إن الساعة قد ٱقتربت ، وأن القمر قد ٱنشق على عهد نبيكم صلى الله عليه وسلم . وقد قيل : هو على التقديم والتأخير ، وتقديره ٱنشق القمر وٱقتربت الساعة قاله ٱبن كيسان . وقد مرّ عن الفرّاء أن الفعلين إذا كانا متقاربي المعنى فلك أن تقدّم وتؤخر عند قوله تعالى : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } [ النجم : 8 ] قوله تعالى : { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ } هذا يدل على أنهم رأوا ٱنشقاق القمر . قال ٱبن عباس : " ٱجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن كنت صادقاً فٱشقق لنا القمر فرقتين ، نصف على أبي قُبَيس ونصف على قُعَيْقَعَان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن فعلت تؤمنون » قالوا : نعم ؟ وكانت ليلة بدر ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربّه أن يعطيه ما قالوا فانشق القمر فرقتين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي المشركين : « يا فلان يا فلان ٱشهدوا » " وفي حديث ٱبن مسعود : ٱنشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : هذا من سحر ٱبن أبي كبشة سَحَرَكم فٱسألوا السُّفَّار فسألوهم فقالوا : قد رأينا القمر ٱنشق فنزلت : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ . وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ } أي إن يروا آية تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم أعرضوا عن الإيمان { وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } أي ذاهب من قولهم : مَرَّ الشيءُ وٱستمر إذا ذهب قاله أنس وقتادة ومجاهد والفراء والكسائي وأبو عبيدة ، وٱختاره النحاس . وقال أبو العالية والضحاك : محكَم قويّ شديد ، وهو من المِرَّة وهي القوّة كما قال لقيط : @ حتى ٱستمرّتْ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتهُ مُرُّ العَزِيمَةِ لاَ قحما ولا ضَرَعاً @@ وقال الأخفش : هو مأخوذ من إمرار الحبل وهو شدّة فتله . وقيل : معناه مُرٌّ من المرارة . يقال : أَمَرَّ الشيء صار مُرًّا ، وكذلك مَرَّ الشيءُ يَمَرُّ بالفتح مرارة فهو مُرٌّ ، وأمَرَّه غيره ومَرَّهُ . وقال الربيع : مستمر نافذ . يمان : ماضٍ . أبو عبيدة : باطل . وقيل : دائم . قال : @ وليس علـى شـيء قوِيـم بمَسْتمـرْ @@ أي بدائم . وقيل : يشبه بعضه بعضاً أي قد ٱستمرت أفعال محمد على هذا الوجه فلا يأتي بشيء له حقيقة بل الجميع تخييلات . وقيل : معناه قد مر من الأرض إلى السماء . { وَكَذَّبُواْ } نبيّنا { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } أي ضلالاتهم وٱختياراتهم . { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } أي يستقر بكل عامل عمله ، فالخير مستقرّ بأهله في الجنة ، والشر مستقر بأهله في النار . وقرأ شيبة « مُسْتَقَر » بفتح القاف أي لكل شيء وقت يقع فيه من غير تقدّم وتأخر . وقد روي عن أبي جعفر بن القَعْقَاع « وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٍّ » بكسر القاف والراء جعله نعتاً لأمر و « كُلُّ » على هذا يجوز أن يرتفع بالابتداء والخبر محذوف ، كأنه قال : وكل أمر مستقر في أمّ الكتاب كائن . ويجوز أن يرتفع بالعطف على الساعة المعنى : ٱقتربت الساعة وكل أمرٍ مستقر أي ٱقترب ٱستقرار الأمور يوم القيامة . ومن رفعه جعله خبراً عن « كلّ » . قوله تعالى : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } أي من بعض الأنباء فذكر سبحانه من ذلك ما علم أنهم يحتاجون إليه ، وأن لهم فيه شفاء . وقد كان هناك أمور أكثر من ذلك ، وإنما ٱقتص علينا ما علم أن بنا إليه حاجة وسكت عما سوى ذلك وذلك قوله تعالى : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } أي جاء هؤلاء الكفار من أنباء الأمم الخالية { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي ما يزجرهم عن الكفر لو قبلوه ، وأصله مُزْتَجَر فقلبت التاء دالاً لأن التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور ، فأبدل من التاء دالاً توافقها في المخرج وتوافق الزاي في الجهر . و « مُزْدجَر » من الزجر وهو الانتهاء ، يقال : زجره وٱزدجره فٱنزجر وٱزدجر ، وزجرته أنا فانزجر أي كففته فكف ، كما قال : @ فأصبحَ ما يطلبُ الغانيا تُ مُزْدَجَراً عن هواه ٱزدجاراً @@ وقرىء « مُزّجَرٌ » بقلب تاء الأفتعال زايا وإدغام الزاي فيها حكاه الزمخشري . { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } يعني القرآن وهو بدل من « ما » من قوله : { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } . ويجوز أن يكون خبر ٱبتداء محذوف أي هو حكمة . { فَمَا تُغْنِـي ٱلنُّذُرُ } إذا كذّبوا وخالفوا كما قال الله تعالى : { وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] فـ « ـمَا » نفي أي ليست تغني عنهم النذر . ويجوز أن يكون ٱستفهاماً بمعنى التوبيخ أي فأي شيء تغني النذر عنهم وهم معرضون عنها . و { وَٱلنُّذُرُ } يجوز أن تكون بمعنى الإنذار ، ويجوز أن تكون جمع نذير . قوله تعالى : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي أعرض عنهم . قيل : هذا منسوخ بآية السيف . وقيل : هو تمام الكلام . ثم قال : { يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ } العامل في « يَوْمَ » { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } أو { خُشَّعاً } أو فعل مضمر تقديره وٱذكر يوم . وقيل : على حذف حرف الفاء وما عملت فيه من جواب الأمر ، تقديره : فتولّ عنهم فإن لهم يوم يدعو الداعي . وقيل : تَوَلَّ عنهم يا محمد فقد أقمت الحجة وأبصرهم يوم يدعو الداعي . وقيل : أي أعرض عنهم يوم القيامة ولا تسأل عنهم وعن أحوالهم ، فإنهم يدعون { إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } وينالهم عذاب شديد . وهو كما تقول : لا تسأل عما جرى على فلان إذا أخبرته بأمر عظيم . وقيل : أي وكلّ أمر مستقرّ يوم يدعو الداعي . وقرأ ٱبن كثير « نُكْرٍ » بإسكان الكاف ، وضمها الباقون وهما لغتان كعُسْر وعُسُر وشُغْل وشُغُل ، ومعناه الأمر الفظيع العظيم وهو يوم القيامة . والداعي هو إسرافيل عليه السلام . وقد روي عن مجاهد وقتادة أنهما قرأا « إِلَى شَيْءٍ نُكِرَ » بكسر الكاف وفتح الراء على الفعل المجهول . { خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ } الخشوع في البصر الخضوع والذلة ، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن أثر العزّ والذّل يتبين في ناظر الإنسان قال الله تعالى : { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } [ النازعات : 9 ] وقال تعالى : { خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } [ الشورى : 45 ] ويقال : خَشَع وٱختَشَع إذا ذلَّ . وخَشَع ببصره أي غضّه . وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو « خَاشِعاً » بالألف ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد ، نحو : « خَاشِعاً أَبْصَارُهُمْ » والتأنيث نحو : { خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ } [ القلم : 43 ] ويجوز الجمع نحو : { خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ } قال : @ وَشَبَابٍ حَسَنٍ أَوْجُهُهمْ مِنْ إيادِ بنِ نِزارِ بنِ مَعَد @@ و « خُشَّعاً » جمع خاشع والنصب فيه على الحال من الهاء والميم في « عَنْهُمْ » فيقبح الوقف على هذا التقدير على « عَنْهُمْ » . ويجوز أن يكون حالاً من المضمر في « يَخْرُجُونَ » فيوقف على « عَنْهُمْ » . وقرىء « خُشَّعٌ أَبْصَارُهُمْ » على الابتداء والخبر ، ومحل الجملة النصب على الحال ، كقوله : @ وجدتـه حَاضِـرَاه الجـودُ والْكَـرَمُ @@ { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } أي القبور واحدها جدث . { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ . مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } . وقال في موضع آخر : { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [ القلرعة : 4 ] فهما صفتان في وقتين مختلفين أحدهما عند الخروج من القبور ، يخرجون فزِعين لا يهتدون أين يتوجهون ، فيدخل بعضهم في بعض فهم حينئذ كالفراش المبثوث بعضه في بعض لا جهة له يقصدها الثاني فإذا سمعوا المنادي قصدوه فصاروا كالجراد المنتشر لأن الجراد له جهة يقصدها . و « مُهْطِعِينَ » معناه مسرعين قاله أبو عبيدة . ومنه قول الشاعر : @ بدِجْلَةَ دَارُهمْ ولقد أراهم بدِجْلَةَ مُهْطِعِينَ إلى السَّماعِ @@ الضحاك : مقبلين . قتادة : عامدين . ٱبن عباس : ناظرين . عكرمة : فاتحين آذانهم إلى الصوت . والمعنى متقارب . يقال : هَطَع الرجلُ يَهْطَعُ هُطُوعاً إذا أقبل على الشيء ببصره لا يقلع عنه وأهطع إذا مدّ عنقه وصوّب رأسه . قال الشاعر : @ تَعَبَّدَنِي نِمْرُ بنُ سَعْدٍ وقد أَرى ونِمْرُ بنُ سَعْدٍ لي مُطِيعٌ ومُهْطِعُ @@ وبعير مُهْطِع : في عنقه تصويبٌ خِلْقةً . وأهطع في عَدْوه أي أسرع . { يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } يعني يوم القيامة لما ينالهم فيه من الشدّة .