Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 31-36)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ } يقال : فَرَغت من الشغل أفرغُ فُروغاً وفَرَاغاً وتفرّغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته . والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه ، إنما المعنى سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم ، وهذا وعيد وتهديد لهم كما يقول القائل لمن يريد تهديده : إذاً أتفرغ لك أي أقصدك . وفرغ بمعنى قصد وأنشد ٱبن الأنباري في مثل هذا لجرير : @ ألاَن وقَدْ فَرَغْتُ إلى نُمَيْرٍ فهذا حينَ كُنْتُ لها عَذابَا @@ يريد وقد قصدت . وقال أيضاً وأنشده النحاس : @ * فَرَغْـتُ إلـى العَبْـدِ المقَيَّدِ فـي الحِجْـلِ @@ وفي الحديث : " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما بايع الأنصار ليلة العقبة ، صاح الشيطان : يا أهل الجُبَاجب ! هذا مُذَمَّم يبايع بني قَيْلة على حربكم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « هذا إِزْبُ العَقَبة أَمَا والله يا عدوّ الله لأتفرغن لك » " أي أقصد إلى إبطال أمرك . وهذا ٱختيار القتبي والكسائي وغيرهما . وقيل : إن الله تعالى وعد على التقوى وأوعد على الفجور ، ثم قال : « سَنَفْرُغُ لَكُمْ » مما وعدناكم ونوصل كُلاًّ إلى ما وعدناه أي أقسم ذلك وأتفرغ منه . قاله الحسن ومقاتل وٱبن زيد . وقرأ عبد الله وأبيّ « سَنَفْرُغُ إِلَيْكُمْ » وقرأ الأعمش وإبراهيم « سَيُفْرَغُ لَكُمْ » بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله . وقرأ ٱبن شهاب والأعرج « سَنَفْرَغُ لَكُمْ » بفتح النون والراء قال الكسائي : هي لغة تميم يقولون فَرِغَ يَفرَغ ، وحكي أيضاً فَرَغَ يَفرَغ ورواهما هُبيرة عن حفص عن عاصم . وروى الجُعْفي عن أبي عمرو « سَيَفْرَغُ » بفتح الياء والراء ، ورويت عن ٱبن هُرْمز . وروي عن عيسى الثّقفي « سَنِفْرَغُ لَكُمْ » بكسر النون وفتح الراء ، وقرأ حمزة والكسائي « سَيَفْرُغُ لَكُمْ » بالياء . الباقون بالنون وهي لغة تهامة . والثَّقلان الجنّ والإنس سُمّيا بذلك لعظم شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من غيرهما بسبب التكليف . وقيل : سمّوا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياءً وأمواتاً قال الله تعالى : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] ومنه قولهم : أعطه ثقله أي وزنه . وقال بعض أهل المعاني : كل شيء له قدر ووزن يُنافَسُ فيه فهو ثقل . ومنه قيل لبيض النعام ثقل لأن واجده وصائده يفرح به إذا ظفر به . وقال جعفر الصادق : سمّيا ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب . وقال : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ } فجمع ، ثم قال : { أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ } لأنهما فريقان وكل فريق جمع ، وكذا قوله تعالى : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } ولم يقل إن ٱستطعتما لأنهما فريقان في حال الجمع ، كقوله تعالى : { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } [ النمل : 45 ] و { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } [ الحج : 19 ] ولو قال : سنفرغ لكما ، وقال إن ٱستطعتما لجاز . وقرأ أهل الشام « أَيُّهُ الثَّقَلانِ » بضم الهاء . الباقون بفتحها وقد تقدّم . مسألة : هذه السورة و « الأَحْقَاف » و { قُلْ أُوحِيَ } دليل على أنّ الجنّ مخاطبون مكلَّفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء ، مؤمنُهم كمؤمنهم ، وكافرُهم ككافرهم ، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك . قوله تعالى : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } الآية . ذكر ٱبن المبارك : وأخبرنا جويبر عن الضحاك قال : إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها ، فتكون الملائكة على حافاتها حتى يأمرهم الربّ ، فينزلون إلى الأرض فيحيطون بالأرض ومن فيها ، ثم يأمر الله السماء التي تليها كذلك فينزلون فيكونون صفًّا من خلف ذلك الصف ، ثم السماء الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فينزل الملَك الأعلى في بهائه وملكه ومجنّبته اليسرى جهنم ، فيسمعون زفيرها وشهيقها ، فلا يأتون قُطْراً من أقطارها إلا وجدوا صفوفاً من الملائكة ، فذلك قوله تعالى : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } والسلطان العذر . وقال الضحاك أيضاً : بينما الناس في أسواقهم ٱنفتحت السماء ، ونزلت الملائكة ، فتهرب الجنّ والإنس ، فتحدق بهم الملائكة ، فذلك قوله تعالى : { لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } ذكره النحاس . قلت : فعلى هذا يكون في الدنيا ، وعلى ما ذكر ٱبن المبارك يكون في الآخرة . وعن الضحاك أيضاً : إن ٱستطعتم أن تهربوا من الموت فٱهربوا . وقال ٱبن عباس : إن ٱستطعتم أن تعلموا ما في السموات وما في الأرض فٱعلموه ، ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله تعالى . وعنه أيضاً أن معنى : { لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } لا تخرجون من سلطاني وقدرتي عليكم . قتادة : لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك . وقيل : لا تنفذون إلا إلى سلطان ، الباء بمعنى إلى كقوله تعالى : { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ } [ يوسف : 100 ] أي إليّ . قال الشاعر : @ أَسِيئي بِنا أو أحسِنِي لا ملولةٌ لدَيْنا ولا مَقْلِيَّةٌ إِن تَقَلَّتِ @@ وقوله : « فَٱنْفُذُوا » أمر تعجيز . قوله تعالى : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ } أي لو خرجتم أرسل عليكم شواظ من نار ، وأخذكم العذاب المانع من النفوذ . وقيل : ليس هذا متعلقاً بالنفوذ بل أخبر أنه يعاقب العصاة عذاباً بالنار . وقيل : أي بآلاءِ ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس عقوبة على ذلك التكذيب . وقيل : يحاط على الخلائق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } ، فتلك النار قوله : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ } والشواظ في قول ٱبن عباس وغيره اللهب الذي لا دخان له . والنُّحاس : الدخان الذي لا لهب فيه ومنه قول أمية بن أبي الصَّلْت يهجو حسان بن ثابت رضي الله عنه ، كذا وقع في تفسير الثعلبيّ والماورديّ بن أبي الصَّلْت ، وفي « الصحاح » و « الوقف والابتداء » لابن الأنباري : أمية بن خلف قال : @ أَلاَ مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عنِّي مُغَلْغَلَةً تَدُبُّ إلى عُكَاظِ أَلَيْسَ أبوكَ فينا كان قَيْناً لَدَى الْقَيْنَاتِ فَسْلاً في الحِفَاظَ يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشُدُّ كِيراً وينْفُخُ دَائباً لَهَبَ الشُّواظِ @@ فأجابه حسان رضي الله عنه فقال : @ هَجَوْتُكَ فَٱخْتَضَعْتَ لها بِذُلٍّ بِقافِيةٍ تَأَجَّجُ كالشُّواظِ @@ وقال رُؤبة : @ إنّ لهم من وَقْعِنَا أَقْيَاظاً ونارَ حربٍ تُسْعِرُ الشُّوَاظَا @@ وقال مجاهد : الشّواظ اللهب الأخضر المنقطع من النار . الضحاك : هو الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب . وقاله سعيد بن جبير . وقد قيل : إن الشواظ النار والدخان جميعاً قاله أبو عمرو وحكاه الأخفش عن بعض العرب . وقرأ ٱبن كَثير « شِواظ » بكسر الشين . الباقون بالضم وهما لغتان مثل صُوَار وصِوار لقطيع البقر . { وَنُحَاسٌ } قراءة العامة « وَنُحَاسٌ » بالرفع عطف على « شُوَاظ » . وقرأ ٱبن كثير وٱبن محيصن ومجاهد وأبو عمرو « ونُحَاسٍ » بالخفض عطفاً على النار . قال المهدوي : من قال إن الشّواظ النارُ والدخان جميعاً فالجر في « نُحَاس » على هذا بيّن . فأما الجر على قول من جعل الشواظ اللهب الذي لا دخان فيه فبعيد لا يسوغ إلا على تقدير حذف موصوف كأنه قال : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ } وشيء من نحاس فشيء معطوف على شواظ ، ومن نحاس جملة هي صفة لشيء ، وحذف شيء ، وحذفت مِن لتقدم ذكرها في « مِنْ نَارٍ » كما حذفت على من قولهم : على من تنزل أنزل أي عليه . فيكون « نُحَاس » على هذا مجروراً بمن المحذوفة . وعن مجاهد وحُميد وعكرمة وأبي العالية « ونِحاسٍ » بكسر النون لغتان كالشِّواظ والشُّواظ . والنِّحاس بالكسر أيضاً الطبيعة والأصل يقال : فلان كريم النِّحاس والنُّحاس أيضاً بالضم أي كريم النِّجار . وعن مسلم بن جُنْدَب « ونَحْسٌ » بالرفع . وعن حنظلة بن مرّة بن النعمان الأنصاري « ونَحْسٍ » بالجر عطف على نار . ويجوز أن يكون « ونِحاسٍ » بالكسر جمع نَحْسٍ كصَعْب وصِعاب « ونَحْسٌ » بالرفع عطف على « شواظ » وعن الحسن « ونُحُسٍ » بالضم فيها جمع نَحْس . ويجوز أن يكون أصله ونُحُوس فقصر بحذف واوه حسب ما تقدّم عند قوله : { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ النحل : 16 ] . وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة « وَنَحُسُّ » بفتح النون وضم الحاء وتشديد السين من حَسَّ يَحُسّ حَسًّا إذا ٱستأصل ومنه قوله تعالى : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [ آل عمران : 152 ] والمعنى ونقتل بالعذاب . وعلى القراءة الأولى « ونُحَاسٌ » فهو الصُّفْر المذاب يُصَبُّ على رؤوسهم قاله مجاهد وقتادة ، وروي عن ٱبن عباس . وعن ٱبن عباس أيضاً وسعيد بن جُبير أن النحاس الدخان الذي لا لهب فيه وهو معنى قول الخليل وهو معروف في كلام العرب بهذا المعنى قال نابغة بني جَعْدة : @ يُضِيءُ كضَوْءِ سِرَاج السَّلِيـ ـطِ لم يَجْعَلِ اللَّهُ فيه نُحَاسَا @@ قال الأصمعي : سمعت أعرابياً يقول السَّليط دهن السّمسم بالشام ولا دخان فيه . وقال مقاتل : هي خمسة أنهار من صُفْر مُذَاب ، تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار . وقال ٱبن مسعود : النُّحَاس المُهْل . وقال الضحاك : هو دُرْديّ الزَّيت المغليّ . وقال الكسائي : هو النار التي لها ريح شديدة . { فَلاَ تَنتَصِرَانِ } أي لا ينصر بعضكم بعضاً يعني الجن والإنس .