Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 62-65)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } أي وله من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان . قال ٱبن عباس : ومن دونهما في الدَّرَج . ٱبن زيد : ومن دونهما في الفضل . ٱبن عباس : والجنات لمن خاف مقام ربه فيكون في الأوليين النخل والشجر ، وفي الأخريين الزرع والنبات وما ٱنبسط . الماورديّ : ويحتمل أن يكون { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } لأتباعه لقصور منزلتهم عن منزلته ، إحداهما للحور العين ، والأخرى للولدان المخلّدين ليتميّز بهما الذكور عن الإناث . وقال ٱبن جريج : هي أربع : جنتان منها للسابقين المقرَّبين { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } و { عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } ، وجنتان لأصحاب اليمين { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } و { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } . وقال ٱبن زيد : إن الأُوليين من ذهب للمقرّبين ، والأُخريين من ورِقٍ لأصحاب اليمين . قلت : إلى هذا ذهب الحَلِيميّ أبو عبد الله الحسن بن الحسين في كتاب منهاج الدين له وٱحتج بما رواه سعيد بن جُبير عن ٱبن عباس { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } إلى قوله : { مُدْهَآمَّتَانِ } قال : تانك للمقرَّبين ، وهاتان لأصحاب اليمين . وعن أبي موسى الأشعري نحوه . ولما وصف الله الجنتين أشار إلى الفرق بينهما فقال في الأُوليين : { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } ، وفي الأُخريين : { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } أي فوّارتان ولكنهما ليستا كالجاريتين لأن النضخ ذون الجري . وقال في الأوليين : { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } فعمّ ولم يخصّ . وفي الأخريين : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } ولم يقل من كل فاكهة ، وقال في الأوليين : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } وهو الديباج ، وفي الأخريين { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } والعبقرِيّ الوَشْي ، ولا شك أن الديباج أعلى من الوشي ، والرفرف كِسَر الخِباء ، ولا شك أن الفرش المعدّة للاتكاء عليها أفضل من فضل الخِباء . وقال في الأوليين في صفة الحور : { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } ، وفي الأخريين { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان . وقال في الأوليين : { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } وفي الأخريين { مُدْهَآمَّتَانِ } أي خضراوان كأنهما من شدّة خضرتهما سوداوان ، ووصف الأوليين بكثرة الأغصان ، والأخريين بالخضرة وحدها ، وفي هذا كله تحقيق للمعنى الذي قصدنا بقوله : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } ولعل ما لم يذكر من تفاوت ما بينهما أكثر مما ذكر . فإن قيل : كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين ؟ قيل : الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب ، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى ، والجنتان الأخريان لمن قصرت حاله في الخوف من الله تعالى . ومذهب الضحاك أن الجنتين الأوليين من ذهب وفضّة ، والأخريين من ياقوت وزمرد وهما أفضل من الأوليين ، وقوله : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } أي ومن أمامهما ومن قِبلهما وإلى هذا القول ذهب أبو عبد الله الترمذي الحكيم في نوادر الأصول فقال : ومعنى « وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ » أي دون هذا إلى العرش أي أقرب وأدنى إلى العرش ، وأخذ يفضلهما على الأوليين بما سنذكره عنه . وقال مقاتل : الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم ، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى . قوله تعالى : { مُدْهَآمَّتَانِ } أي خضراوان من الريّ قاله ٱبن عباس وغيره . وقال مجاهد : مسودتان . والدُّهْمة في اللغة السواد يقال : فرس أدهم وبعير أدهم وناقة دهماء أي ٱشتدت زرقته حتى ذهب البياض الذي فيه فإن زاد على ذلك حتى ٱشتد السواد فهو جَوْن . وادْهَمَّ الفرس ٱدهمَاماً أي صار أدهم . وٱدهامَّ الشيءُ ٱدهِيماماً أي ٱسوادّ قال الله تعالى : { مُدْهَآمَّتَانِ } أي سوداوان من شدة الخضرة من الرِّيّ والعرب تقول لكل أخضر أسود . وقال لَبيد يرثي قتلى هَوازِن : @ وجاؤوا به في هَوْدَجٍ وَوَراءهُ كَتَائِبُ خُضْرٌ في نَسِيجِ السَّنَوَّرِ @@ السَّنَوَّر لَبُوسٌ من قِدٍّ كالدِّرْع . وسميت قُرَى العراق سواداً لكثرة خضرتها . ويقال لليل المظلم : أخضر . ويقال : أباد الله خضراءهم أي سوادهم .