Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 76-78)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ } الرفرف المحابس . وقال ٱبن عباس : الرفرف فضول الفرش والبسط . وعنه أيضاً : الرفرف المحابس يتكئون على فضولها وقاله قتادة . وقال الحسن والقرظي : هي البسط . وقال ٱبن عيينة : هي الزرابي . وقال ٱبن كيسان : هي المرافق وقاله الحسن أيضاً . وقال أبو عبيدة : هي حاشية الثوب . وقال الليث : ضرب من الثياب الخضر تبسط . وقيل : الفُرُش المرتفعة . وقيل : كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف . قال ٱبن مقبل : @ وإنّا لنَزَّالونَ تَغْشَى نِعَالُنَا سَوَاقِطَ من أصناف رَيْطٍ ورفرفِ @@ وهذه أقوال متقاربة . وفي الصحاح : والرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس ، الواحدة رَفْرَفة . وقال سعيد بن جبير وٱبن عباس أيضاً : الرفرف رياض الجنة وٱشتقاق الرفرف من رَفَّ يَرف إذا ٱرتفع ومنه رَفْرَفة الطائر لتحريكه جناحيه في الهواء . وربما سموا الظَّلِيم رَفْرافاً بذلك لأنه يرفرف بجناحيه ثم يعدو . ورفرف الطائر أيضاً إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه . والرفرف أيضاً كِسَر الخباء وجوانب الدِّرْع وما تدلى منها الواحدة رَفْرَفة . وفي الخبر في وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم : فرفَع الرفرفَ فرأينا وجهه كأنه وَرَقةً تُخَشْخِش أي رفع طرف الفسطاط . وقيل : أصل الرفرف من رَفَّ النبتُ يَرِفّ إذا صار غضًّا نضيراً حكاه الثعلبي . وقال القتبي : يقال للشيء إذا كثر ماؤه من النَّعمة والغَضَاضة حتى كاد يهتز : رَفّ يرِفّ رفيفاً حكاه الهروي . وقد قيل : إن الرفرف شيء إذا ٱستوى عليه صاحبه رفرف به وأهوى به كالمِرْجاح يميناً وشمالاً ورفعاً وخفضاً يتلذذ به مع أنيسته قاله الترمذيّ الحكيم في نوادر الأصول وقد ذكرناه في « التذكرة » . قال الترمذي : فالرفرف أعظم خطراً من الفرش فذكره في الأوليين { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } وقال هنا : { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ } فالرفرف هو شيء إذا ٱستوى عليه الوليّ رفرف به أي طار به هكذا وهكذا حيث ما يريد كالْمِرجاح وأصله من رفرف بين يدي الله عز وجل ، روي لنا في حديث المعراج " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ سِدْرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به إلى مَسْنَد العرش ، فذكر أنه قال : « طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي بين يدي ربّي » ثم لما حان الانصراف تناوله فطار به خفضاً ورفعاً يهوي به حتى أداه إلى جبريل صلوات الله وسلامه عليه وجبريل يبكي ويرفع صوته بالتحميد " فالرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى له خواص الأمور في محل الدنو والقرب ، كما أن البُرَاق دابة يركبها الأنبياء مخصوصة بذلك في أرضه ، فهذا الرفرف الذي سخره الله لأهل الجنتين الدانيتين هو متكأهما وفرشهما ، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار وشطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان . ثم قال : { وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } فالعبقري ثياب منقوشة تبسط ، فإذا قال خالق النقوش إنها حسان فما ظنك بتلك العباقر ! . وقرأ عثمان رضي الله عنه والجحدري والحسن وغيرهم « مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِفَ » بالجمع غير مصروف كذلك « وَعَبَاقِرِيٍّ حِسَانٍ » جمع رَفْرَف وعَبْقريّ . و « رَفْرَف » ٱسم للجمع و « عَبْقَرِيّ » واحد يدل على الجمع المنسوب إلى عَبْقَر . وقد قيل : إن واحد رَفْرف وعَبْقريّ رَفْرَفة وعَبْقريّة ، والرفارف والعَبَاقِر جمع الجمع . والعبقريّ الطَّنَافس الثخان منها قاله الفراء . وقيل : الزَّرَابي عن ٱبن عباس وغيره . الحسن : هي البُسُط . مجاهد : الدِّيباج . القتبيّ : كل ثوب وشي عند العرب عبقريّ . قال أبو عبيد : هو منسوب إلى أرض يعمل فيها الوشي فينسب إليها كل وَشْي حُبِك . قال ذو الرُّمَّة : @ حتى كأنّ رِياضَ الْقُفِّ أَلْبَسها مِن وَشْيِ عَبْقَرَ تَجْلِيلٌ وتَنْجِيدُ @@ ويقال : عَبْقر قرية بناحية اليمن تنسج فيها بُسُط منقوشة . وقال ٱبن الأنباري : إن الأصل فيه أن عَبْقر قرية يسكنها الجنّ ينسب إليها كل فائق جليل . وقال الخليل : كل جليل نافس فاضل وفاخر من الرجال والنساء وغيرهم عند العرب عبقريّ . ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه : " فلم أر عبقرياً من الناس يَفْرِي فَرِيَّه " وقال أبو عمرو بن العلاء وقد سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم " فلم أر عَبْقريًّا يَفْرِي فَرِيَّه " فقال : رئيس قوم وجليلهم . وقال زُهَير : @ بِخَيْلٍ عليها جِنَّةٌ عَبْقَرِيَّةٌ جَديرون يوماً أَنْ يَنَالُوا فَيَسْتَعلُوا @@ وقال الجوهري : العبقريّ موضع تزعم العرب أنه من أرض الجنّ . قال لبِيد : @ كُهُولٌ وشُبَّان كجِنَّةِ عَبْقَرِ @@ ثم نسبوا إليه كل شيء يعجبون من حذقه وجودة صنعته وقوّته فقالوا : عَبْقريّ وهو واحد وجمع . وفي الحديث : " إنه كان يسجد على عبقريّ " وهو هذه البسط التي فيها الأصباغ والنقوش حتى قالوا : ظُلْم عبقريّ وهذا عبقريُّ قومٍ للرجل القويّ . وفي الحديث : " فلم أر عبقريًّا يَفْرِي فَرِيَّه " ثم خاطبهم الله بما تعارفوه فقال : { وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } وقرأه بعضهم « عَبَاقِريٌّ » وهو خطأ لأن المنسوب لا يجمع على نسبته . وقال قُطْرُب : ليس بمنسوب وهو مثل كُرْسيّ وكَراسِيّ وبُخْتيّ وبَخَاتيّ . وروى أبو بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ « مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفَارِفَ خُضرٍ وَعَبَاقِرَ حِسَانٍ » ذكره الثعلبي . وضمّ الضاد من « خضر » قليل . قوله تعالى : { تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } { تَبَارَكَ } تفاعل من البركة وقد تقدّم . { ذِي ٱلْجَلاَلِ } أي العظمة . وقد تقدّم { وَٱلإِكْرَامِ } . وقرأ عامر « ذُو الْجَلاَلِ » بالواو وجعله وصفاً للاسم ، وذلك تقوية لكون الاسم هو المسمى . الباقون { ذِي ٱلْجَلاَلِ } جعلوا « ذِي » صفة لـ { رَبِّكَ } . وكأنه يريد به الاسم الذي ٱفتتح به السورة فقال : « الرَّحْمَنُ » فافتتح بهذا الاسم ، فوصف خلق الإنسان والجنّ ، وخلق السموات والأرض وصنعه ، وأنه « كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ » ووصف تدبيره فيهم ، ثم وصف يوم القيامة وأهوالها ، وصفة النار ثم ختمها بصفة الجنان . ثم قال في آخر السورة : { تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } أي هذا الاسم الذي ٱفتتح به هذه السورة كأنه يعلمهم أن هذا كله خرج لكم من رحمتي ، فمن رحمتي خلقتكم وخلقت لكم السماء والأرض والخلق والخليقة والجنة والنار فهذا كله لكم من ٱسم الرحمن فمدح ٱسمه ثم قال : { ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } جليل في ذاته ، كريم في أفعاله . ولم يختلف القراء في إجراء النعت على الوجه بالرفع في أوّل السورة ، وهو يدل على أن المراد به وجه الله الذي يلقى المؤمنون عندما ينظرون إليه ، فيستبشرون بحسن الجزاء ، وجميل اللقاء ، وحسن العطاء . والله أعلم .