Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-6)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } أي قامت القيامة ، والمراد النفخة الأخيرة . وسميت واقعة لأنها تقع عن قرب . وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد . وفيه إضمار ، أي ٱذكروا إذا وقعت الواقعة . وقال الجرجاني : « إِذا » صلة أي وقعت الواقعة كقوله : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [ القمر : 1 ] و { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] وهو كما يقال : قد جاء الصوم أي دنا وٱقترب . وعلى الأوّل « إِذَا » للوقت ، والجواب قوله : { فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ } . { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } الكاذبة مصدر بمعنى الكذب ، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر كقوله تعالى : { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [ الغاشية : 11 ] أي لغو ، والمعنى لا يسمع لها كذب قاله الكسائي . ومنه قول العامة : عائذاً بالله أي معاذ الله ، وقم قائماً أي قم قياماً . ولبعض نساء العرب ترقِّصُ ٱبنها : @ قُمْ قائماً قُمْ قَائمَا أصبت عبداً نائمَا @@ وقيل : الكاذبة صفة والموصوف محذوف ، أي ليس لوقعتها حال كاذبة أو نفس كاذبة أي كل من يخبر عن وقعتها صادق . وقال الزجاج : « لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ » أي لا يردها شيء . ونحوه قول الحسن وقتادة . وقال الثوريّ : ليس لوقعتها أحد يكذّب بها . وقال الكسائيّ أيضاً : ليس لها تكذيب أي ينبغي ألا يكذّب بها أحد . وقيل : إن قيامها جِدٌّ لا هزْلَ فيه . قوله تعالى : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } قال عِكرمة ومقاتل والسُّدِّي : خفضت الصوت فأسمعتْ من دنا ورفعتْ من نأى يعني أسمعت القريب والبعيد . وقال السُّدِّي : خفضت المتكبرّين ورفعت المستضعفين . وقال قتادة : خفضت أقواماً في عذاب الله ، ورفعت أقواماً إلى طاعة الله . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : خفضت أعداء الله في النار ، ورفعت أولياء الله في الجنة . وقال محمد بن كعب : خفضت أقواماً كانوا في الدنيا مرفوعين ، ورفعت أقواماً كانوا في الدنيا مخفوضين . وقال ٱبن عطاء : خفضت أقواماً بالعدل ، ورفعت آخرين بالفضل . والخفض والرفع يستعملان عند العرب في المكان والمكانة ، والعز والمهانة . ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة توسُّعاً ومجازاً على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يكن منه الفعل يقولون : ليلٌ نائمٌ ونهار صائم . وفي التنزيل : { بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [ سبأ : 33 ] والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو الله وحده فرفع أولياءه في أعلى الدرجات ، وخفض أعداءه في أسفل الدركات . وقرأ الحسن وعيسى الثقفي { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } بالنصب . الباقون بالرفع على إضمار مبتدإ ، ومن نصب فعلى الحال . وهو عند الفراء على إضمار فعل والمعنى : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } وقعت : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } . والقيامة لا شك في وقوعها ، وأنها ترفع أقواماً وتضع آخرين على ما بيّناه . قوله تعالى : { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } أي زُلزلت وحُركت عن مجاهد وغيره يقال : رَجّه يَرُجّه رجًّا أي حركه وزلزله . وناقة رجّاءُ أي عظيمة السَّنَام . وفي الحديث : " مَنْ ركب البحرَ حين يَرْتَجُّ فلا ذِمَّةَ له " يعني إذا ٱضطربت أمواجه . قال الكلبيّ : وذلك أن الله تعالى إذا أوحى إليها ٱضطربت فَرَقاً من الله تعالى . قال المفسرون : تَرْتجُّ كما يَرتج الصبيّ في المهد حتى ينهدم كل ما عليها ، وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها . وعن ٱبن عباس الرَّجَّة الحركة الشديدة يسمع لها صوت . وموضع « إِذَا » نصب على البدل من { إِذَا وَقَعَتِ } . ويجوز أن ينتصب بـ { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أي تخفض وترفع وقت رجِّ الأرض وبسِّ الجبال لأن عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ، ويرتفع ما هو منخفض . وقيل : أي وقعت الواقعة إذا رجّت الأرض قاله الزجاج والجرجاني . وقيل : أي ٱذكر { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } مصدر وهو دليل على تكرار الزلزلة . قوله تعالى : { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } أي فتتت عن ٱبن عباس . مجاهد : كما يُبَسُّ الدقيق أي يُلَتّ . والبسيسة السَّوِيق أو الدقيق يُلَتُّ بالسَّمن أو بالزيت ثم يؤكل ولا يطبخ وقد يتخذ زاداً . قال الراجز : @ لا تَخْبِزَا خُبْزاً وبُسَّا بَسًّا ولا تُطِيلاَ بُمُنَاخٍ حَبْسَا @@ وذكر أبو عبيدة : أنه لصٌّ من غَطَفان أراد أن يخبز فخاف أن يُعجَل عن ذلك فأكله عجيناً . والمعنى أنها خُلِطت فصارت كالدقيق الملتوت بشيء من الماء . أي تصير الجبال تراباً فيختلط البعض بالبعض . وقال الحسن : وبُسَّت قلعت من أصلها فذهبت نظيره : { يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } وقال عطية : بُسطت كالرمل والتراب . وقيل : البسُّ السّوق أي سيقت الجبال . قال أبو زيد : البسّ السّوق وقد بسستُ الإبل أبُسُّها بالضم بسًّا . وقال أبو عبيد : بسست الإبل وأبسست لغتان إذا زجرتها وقلت لها بَسْ بَسْ . وفي الحديث : " يخرج قوم من المدينة إلى اليمن والشام والعراق يَبُسُّون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " ومنه الحديث الآخر : " جاءكم أهل اليمن يَبُسُّون عِيالهم " والعرب تقول : جِيءْ به من حَسِّك وبَسِّك . ورواهما أبو زيد بالكسر فمعنى من حَسّك من حيث أحسسته ، وبَسّك من حيث بلغه مسيرك . وقال مجاهد : سالت سيلاً . عكرمة : هُدَّت هدّاً . محمد بن كعب : سُيِّرت سيراً ومنه قول الأغلب العجْليّ : وقال الحسن : قطعت قطعاً . والمعنى متقارب . قوله تعالى : { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } قال عليّ رضي الله عنه : الهباء المنبث الرّهج الذي يسطع من حوافر الدواب ثم يذهب ، فجعل الله أعمالهم كذلك . وقال مجاهد : الهباء هو الشعاع الذي يكون في الكوّة كهيئة الغبار . وروي نحوه عن ٱبن عباس . وعنه أيضاً : هو ما تطاير من النار إذا ٱضطربت يطير منها شرر فإذا وقع لم يكن شيئاً . وقاله عطية . وقد مضى في « الفرقان » عند قوله تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } وقراءة العامة « مُنْبَثًّا » بالثاء المثلثة أي متفرقاً من قوله تعالى : { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } أي فرّق ونشر . وقرأ مسروق والنَّخَعيّ وأبو حَيْوة « مُنْبَتًّا » بالتاء المثناة أي منقطعاً من قولهم : بتّه الله أي قطعه ومنه البتات .