Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 88-96)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } ذكر طبقات الخلق عند الموت وعند البعث ، وبيّن درجاتهم فقال : { فَأَمَّآ إِن كَانَ } هذا المتوفَّى { مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } وهم السابقون . { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ } وقراءة العامة « فَرَوْحٌ » بفتح الراء ومعناه عند ٱبن عباس وغيره : فراحة من الدنيا . وقال الحسن : الرَّوْح الرحمة . الضحاك : الرَّوْح الاستراحة . القُتَبِيّ : المعنى له في القبر طيب نسيم . وقال أبو العباس بن عطاء : الرّوح النظر إلى وجه الله ، والريحان الاستماع لكلامه ووحيه ، { وَجَنَّاتُ نَعِيمٍ } هو ألا يُحجب فيها عن الله عز وجل . وقرأ الحسن وقتادة ونصر بن عاصم والجَحْدريّ ورُوَيس وزيد عن يعقوب « فَرُوحٌ » بضم الراء ، ورويت عن ابن عباس . قال الحسن : الرُّوح الرحمة لأنها كالحياة للمرحوم . وقالت عائشة رضي الله عنها : قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم « فَرُوحٌ » بضم الراء ومعناه فبقاء له وحياة في الجنة وهذا هو الرحمة . « وَرَيْحَانٌ » قال مجاهد وسعيد بن جبير : أي رزق . قال مقاتل : هو الرزق بلغة حمير يقال : خرجت أطلب ريحان الله أي رزقه قال النَّمِر بن تَوْلَب : @ سَلاَمُ الإلٰهِ ورَيْحَانُ ورحمتُه وسَمَاءٌ دِرَرْ @@ وقال قتادة : إنه الجنة . الضحاك : الرحمة . وقيل هو الريحان المعروف الذي يشم . قاله الحسن وقتادة أيضاً . الربيع بن خَيْثم : هذا عند الموت والجنة مخبوءة له إلى أن يبعث . أبو الجوزاء : هذا عند قبض روحه يتلقَّى بضَبَائر الرَّيْحَان . أبو العالية : لا يفارق أحد رُوحه من المقرّبين في الدنيا حتى يؤتى بغصنين من ريحان فيشمهما ثم يقبض روحه فيهما ، وأصل ريحان وٱشتقاقه تقدم في أوّل سورة « الرحمن » فتأمله . وقد سرد الثعلبي في الرَّوْحِ والريَّحْان أقوالاً كثيرةً سوى ما ذكرنا من أرادها وجدها هناك . قوله تعالى : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي « إِنْ كَانَ » هذا المتوفَّى { مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } أي لست ترى منهم إلا ما تحبّ من السلامة فلا تهتم لهم ، فإنهم يسلمون من عذاب الله . وقيل : المعنى سلام لك منهم أي أنت سالم من الاغتمام لهم . والمعنى واحد . وقيل : أي إن أصحاب اليمين يدعون لك يا محمد بأن يصلّي الله عليك ويسلم . وقيل : المعنى إنهم يسلمون عليك يا محمد . وقيل : معناه سلمت أيها العبد مما تكره فإنك من أصحاب اليمين فحذف إنك . وقيل : إنه يُحيَّا بالسلام إكراماً فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل : أحدها عند قبض روحه في الدنيا يسلّم عليه مَلَك الموت قاله الضحاك . وقال ٱبن مسعود : إذا جاء مَلَك الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام . وقد مضى هذا في سورة « النحل » عند قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ } [ النحل : 32 ] . الثاني عند مساءلته في القبر يسلّم عليه منكر ونكير . الثالث عند بعثه في القيامة تسلّم عليه الملائكة قبل وصوله إليها . قلت : وقد يحتمل أن تسلّم عليه في المواطن الثلاثة ويكون ذلك إكراماً بعد إكرام . والله أعلم . وجواب « إِنّ » عند المبرِّد محذوف التقدير مهما يكن من شيء { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } إن كان من أصحاب اليمين { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } فحذف جواب الشرط لدلالة ما تقدّم عليه ، كما حذف الجواب في نحو قولك أنت ظالم إن فعلت لدلالة ما تقدّم عليه . ومذهب الأخفش أن الفاء جواب « أَمَّا » و « إِنْ » ، ومعنى ذلك أن الفاء جواب « أَمَّا » وقد سدّت مسدّ جواب « إِنْ » على التقدير المتقدّم ، والفاء جواب لهما على هذا الحد . ومعنى « أَمَّا » عند الزجاج : الخروج من شيء إلى شيء أي دع ما كنا فيه وخذ في غيره . قوله تعالى : { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ } بالبعث { ٱلضَّآلِّينَ } عن الهدى وطريق الحقّ { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } أي فلهم رزق من حميم ، كما قال : { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ . لآكِلُونَ } وكما قال : { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } [ الصافات : 67 ] { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } إدخال في النار . وقيل : إقامة في الجحيم ومقاساة لأنواع عذابها يقال : أصلاه النار وصلاه أي جعله يصلاها والمصدر ههنا أضيف إلى المفعول كما يقال : لفلان إعطاء مالٍ أي يُعطَى المال . وقرىء : « وَتَصْلِيَةِ » بكسر التاء أي ونزلٌ من تصلية جحيم . ثم أدغم أبو عمرو التاء في الجيم وهو بعيد . { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } أي هذا الذي قصصناه محض اليقين وخالصه . وجاز إضافة الحقّ إلى اليقين وهما واحد لاختلاف لفظهما . قال المبرِّد : هو كقولك عين اليقين ومحض اليقين فهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه عند الكوفيين . وعند البصريين حقّ الأمر اليقين أو الخبر اليقين . وقيل : هو توكيد . وقيل : أصل اليقين أن يكون نعتاً للحقّ فأضيف المنعوت إلى النعت على الاتساع والمجاز كقوله : { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } [ يوسف : 109 ] وقال قتادة في هذه الآية : إن الله ليس بتاركٍ أحداً من الناس حتى يَقِفه على اليقين من هذا القرآن ، فأمَّا المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة ، وأما الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه اليقين . { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } أي نَزِّه الله تعالى عن السوء . والباء زائدة أي سبّح ٱسم ربك ، والاسمُ المسمَّى . وقيل : { فَسَبِّحْ } أي فصلّ بذكر ربك وبأمره . وقيل : فاذكر ٱسم ربك العظيم وسبّحه . وعن عقبة بن عامر قال : " لما نزلت { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « ٱجعلوها في ركوعكم » ولما نزلت { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [ الأعلى : 1 ] قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « ٱجعلوها في سجودكم » " خرجه أبو داود . والله أعلم .