Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 143-144)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } « ثمانِيةَ » منصوب بفعل مضمر ، أي وأنشأ « ثمانية أزواج » عن الكسائي . وقال الأخفش سعيد : هو منصوب على البدل من « حَمُولَةً وَفَرْشاً » . وقال الأخفش عليّ بن سليمان : يكون منصوباً بـ « كُلُوا » أي كلوا لَحم ثمانية أزواج . ويجوز أن يكون منصوباً على البدل من « ما » على الموضع . ويجوز أن يكون منصوباً بمعنى كلوا المباح « ثمانية أزواج من الضأن ٱثنين » . ونزلت الآية في مالك بن عوف وأصحابه حيث قالوا : « مَا فِي بطون هذهِ الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا » فنبّه الله عز وجل نبيّه والمؤمنين بهذه الآية على ما أحلّه لهم لئلا يكونوا بمنزلة من حرّم ما أحله الله تعالى . والزوج خلاف الفَرْد يقال : زَوْج أو فَرْد . كما يقال : خَساً أو زَكاً ، شفع أو وتر . فقوله : « ثمانية أزواج » يعني ثمانية أفراد . وكل فَرْد عند العرب يحتاج إلى آخر يُسَمَّى زوجاً ، فيقال للذكر زوج وللأنثى زوج . ويقع لفظ الزوج للواحد وللاثنين يقال هما زوجان ، وهما زوج ، كما يقال : هما سيّان وهما سواء . وتقول : ٱشتريت زَوْجي حمام . وأنت تعني ذكراً وأنثى . الثانية : قوله تعالى : { مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ } أي الذكر والأنثى . والضأن : ذوات الصوف من الغنم ، وهي جمع ضائن . والأنثى ضائنة ، والجمع ضوائن . وقيل : هو جمعٌ لا واحد له . وقيل في جمعه : ضئين كعَبْد وعَبِيد . ويقال فيه : ضِئين . كما يقال في شَعير : شِعير ، كسرت الضاد ٱتباعاً . وقرأ طلحة ابن مُصَرِّف « من الضَّأَنِ ٱثنينِ » بفتح الهمزة ، وهي لغة مَسموعة عند البصريين . وهو مطّرد عند الكوفيين في كل ما ثانيه حرفُ حلق . وكذلك الفتح والإسكان في المعز . وقرأ أبَان بن عثمان « مِن الضَّأْن ٱثْنَانِ ومِن المعز ٱثنان » رفعاً بالابتداء . وفي حرف أُبَيّ . « وَمِنَ الَمْعز ٱثنان » وهي قراءة الأكثر . وقرأ ابن عامر وأبو عمرو بالفتح . قال النحاس : الأكثر في كلام العرب المعْز والضّأْن بالإسكان . ويدل على هذا قولهم في الجمع : معيز فهذا جمع معْز . كما يقال : عبد وعبيد . قال ٱمرؤ القيس : @ ويَمْنَحُها بنو شَمَجَى بن جَرْم مَعِيزَهُم حَنانَكَ ذا الحنَانِ @@ ومثله ضأن وضئين . والمعز من الغنم خلاف الضأن ، وهي ذوات الأشعار والأذناب القصار ، وهو ٱسم جنس ، وكذلك المَعَز والمِعيزُ والأُمعُوز والمِعزى . وواحد المَعْز ماعز مثل صاحب وصَحْب وتاجر وتَجْر . والأنثى ماعزة وهي العَنز ، والجمع مواعز . وأمعز القومُ كثرت معزاهم . والمعّاز صاحب المعزى . قال أبو محمد الفَقْعَسِيّ يصف إبلاً بكثرة اللبن ويفضلها على الغنم في شدة الزمان : @ يَكِلْنَ كَيْلاً ليس بالْمَمحُوقِ إذْ رَضِيَ المعَّاز باللعُوقِ @@ والمَعَز الصلابة من الأرض . والأمْعَز : المكان الصُّلب الكثير الحصى والمعْزَاء أيضاً . واستمعز الرجل في أمره : جَدّ . { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ } منصوب بـ « حرّم » . { أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ } عطف عليه . وكذا { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ } . وزيدت مع ألف الوصل مَدّة للفرق بين الاستفهام والخبر . ويجوز حذف الهمزة لأن « أم » تدل على الاستفهام . كما قال : @ تَرُوحُ مـن الحَيِّ أم تَبْتَكِـرْ @@ الثالثة : قال العلماء : الآية ٱحتجاج على المشركين في أمر البَحيرة وما ذُكر معها . وقولهم : « مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا » . فدلّت على إثبات المناظرة في العلم لأن الله تعالى أمر نبيّه عليه السلام بأن يناظرهم ، ويبيّن لهم فساد قولهم . وفيها إثبات القول بالنظر والقياس . وفيها دليل بأن القياس إذا ورد عليه النص بطل القول به . ويروى : « إذا ورد عليه النقض » لأن الله تعالى أمرهم بالمقايسة الصحيحة ، وأمرهم بطرد علتهم . والمعنى : قل لهم إن كان حرّم الذكور فكل ذكر حرام . وإن كان حرم الإناث فكل أنثى حرام . وإن كان حرّم ما ٱشتملت عليه أرحام الأنثيين ، يعني من الضأن والمعز ، فكل مولود حرام ، ذكراً كان أو أنثى . وكلها مولود فكلها إذاً حرام لوجود العلة فيها ، فبيّن ٱنتقاض علّتهم وفساد قولهم فأعلم الله سبحانه أن ما فعلوه من ذلك ٱفتراء عليه { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ } أي بعلم إن كان عندكم ، مِن أين هذا التحريم الذي افتعلتموه ؟ ولا علم عندهم لأنهم لا يقرءون الكتب . والقول في : { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ } وما بعده كما سبق { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ } أي هل شاهدتم الله قد حرّم هذا . ولمّا لزمتهم الحجة أخذوا في الافتراء فقالوا : كذا أمر الله . فقال الله تعالى : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } بيّن أنهم كذبوا إذ قالوا ما لم يقم عليه دليل .