Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 158-158)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالىٰ : { هَلْ يَنظُرُونَ } معناه أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا ، فماذا ينتظرون . { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } أي عند الموت لقبض أرواحهم . { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } قال ابن عباس والضحاك : أمْرُ ربّك فيهم بالقتل أو غيره ، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف كقوله تعالىٰ : { وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] يعني أهل القرية . وقوله : { وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } [ البقرة : 93 ] أي حُبّ العجل . كذلك هنا : يأتي أمر ربك ، أي عقوبة ربّك وعذاب ربّك . ويُقال : هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلاَّ الله . وقد تقدّم القول في مثله في « البقرة » وغيرها . { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } قيل : هو طلوع الشمس من مغربها ، بيّن بهذا أنهم يُمْهَلون في الدنيا فإذا ظهرت الساعة فلا إمهال . وقيل : إتيانُ الله تعالىٰ مجيئُه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة كما قال تعالىٰ : { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] . وليس مجيئه تعالىٰ حركة ولا انتقالا ولا زوالا لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسماً أو جوهراً . والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون : يجيء وينزل ويأتي . ولا يُكَيِّفون لأنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورىٰ : 11 ] . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث إذا خرجْنَ لا ينفع نفساً أيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في أيمانها خيراً : طلوع الشمس من مغربها والدّجالُ ودابَّةُ الأرض " وعن صَفْوان بن عَسّال المُرَادِيّ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يُغْلَق حتى تطلع الشمس من نحوه " أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ والدارميّ والتّرمذيّ وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقال سفيان : قِبل الشام ، خلقه الله يوم خلق السَّمٰوات والأرض . « مفتوحاً » يعني للتوبة لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه . قال : حديث حسن صحيح . قلت : وكذّب بهذا كله الخوارجُ والمعتزلة كما تقدم . وروى ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب فقال : أيها الناس ، إن الرَّجْم حق فلا تُخْدَعُنّ عنه ، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رَجم ، وأن أبا بكر قد رَجَم ، وأنّا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأُمة يكذّبون بالرَّجْم ، ويكذّبون بالدّجال ، ويكذّبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكّذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما ٱمْتَحَشُوا . ذكره أبو عمر . وذكر الثعلبيّ في حديث فيه طول عن أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه : أن الشمس تُحبس عن الناس حين تكثر المعاصي في الأرض ، ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا يُنْهى عنه مقدار ليلة تحت العرش ، كلما سجدتْ واستأذنت ربها تعالىٰ من أين تطلع لم يجىء لها جواب حتى يوافيها القمر فيسجد معها ، ويستأذن من أين يطلع فلا يُجاء إليهما جواب حتى يُحبسا مقدارَ ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر فلا يعرف طول تلك الليلة إلاَّ المتهجدون في الأرض ، وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين . فإذا تمّ لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالىٰ إليهما جبريل عليه السَّلام فيقول : « إن الربّ سبحانه وتعالىٰ يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور » فيطلعان من مغاربهما أسودين ، لا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك " فذلك قوله تعالىٰ : { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [ القيامة : 9 ] وقوله : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [ التكوير : 1 ] فيرتفعان كذلك مثل البعيرين المقرونين فإذا ما بلغ الشمس والقمر سُرَّةَ السماء وهي منصفها جاءهما جبريل عليه السَّلام فأخذ بقرونهما وردّهما إلى المغرب ، فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة ثم يردّ المصراعين ، ثم يلتئم ما بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صَدْع . فإذا أغلق باب التوبة لم تقبل لعبْدٍ بعد ذلك توبة ، ولم تنفعه بعد ذلك حسنة يعملها إلاَّ من كان قبل ذلك محسناً فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم فذلك قوله تعالىٰ : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَانِهَا خَيْراً } . ثم إن الشمس والقمر يُكسيان بعد ذلك الضوء والنور ، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان . قال العلماء : وإنما لا ينفع نفساً إيمانُها عند طلوعها من مغربها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تُخْمَدُ معه كلّ شهوة من شهوات النفس ، وتَفْتُر كلّ قوّة من قوى البدن فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدُنُو القيامة في حال من حضره الموت في ٱنقطاع الدّواعي إلى أنواع المعاصي عنهم ، وبطلانها من أبدانهم فمن تاب في مثل هذه الحال لم تُقبل توبته ، كما لا تُقبل توبة من حضره الموت . قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغر " أي تبلغ روحه رأس حلقه ، وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة أو مقعده من النار فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله . وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش لأن علمه بالله تعالىٰ وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة . فإن ٱمتدّت أيام الدنيا إلى أن ينسىٰ الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ، ولا يتحدّثوا عنه إلاَّ قليلاً ، فيصير الخبر عنه خاصّاً وينقطع التواتر عنه فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قُبل منه . والله أعلم . وفي صحيح مسلم عن عبد الله قال : حفِظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنْسَه بعدُ ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات خروجاً طلوعُ الشمس من مغربها وخروجُ الدابة على الناس ضُحًى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأُخرىٰ على إثرها قريباً " وفيه " عن حذيفة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفلَ منه ، فٱطلع إلينا فقال : « ما تذكرون » ؟ قلنا : الساعة . قال : « إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات . خَسْفٌ بالمشرق وخَسْفٌ بالمغرب وخَسْفٌ في جزيرة العرب والدّخَان والدّجّال ودابّةُ الأرض ويأجوجُ ومأجوج وطلوعُ الشمس من مغربها ونارٌ تخرج من قعر عَدَنٍ تُرَحِّل الناس » " قال شعبة : وحدّثني عبد العزيز بن رُفَيع عن أبي الطّفيل عن أبي سَرِيحَة مثلَ ذلك ، لا يذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال أحدهما في العاشرة : ونزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : وريحٌ تُلْقِي الناسَ في البحر . قلت : وهذا حديث متقن في ترتيب العلامات . وقد وقع بعضها وهي الخسوفات على ما ذكر أبو الفرج الجَوْزِي من وقوعها بعراق العجم والمغرب ، وهلك بسببها خلق كثير ذكره في كتاب فهوم الآثار وغيره . ويأتي ذكر الدابة في « النمل » . ويأجوج ومأجوج في « الكهف » . ويُقال : إن الآيات تتتابع كالنّظْم في الخيط عاماً فعاماً . وقيل : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السَّلام قال لنمروذ : { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ } [ البقرة : 258 ] وأن المُلْحدة والمُنَجِّمة عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون : هو غير كائن فَيُطْلِعها الله تعالىٰ يوماً من المغرب لِيُرِيَ المنكرين قدرته أن الشمس في مُلْكه ، إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء أطلعها من المغرب . وعلى هذا يحتمل أن يكون ردّ التوبة والإيمانِ على من آمن وتاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بطلوعها ، فأما المصدِّقون لذلك فإنه تُقبل توبتهم وينفعهم إيمانهم قبل ذلك . ورُوي عن عبد الله بن عباس أنه قال : لا يقبل من كافر عملٌ ولا توبةٌ إذا أسلم حين يراها ، إلاَّ من كان صغيراً يومئذ فإنه لو أسلم بعد ذلك قُبل ذلك منه . ومن كان مؤمناً مذنباً فتاب من الذنب قُبل منه . ورُوي عن عِمران بن حُصين أنه قال : إنما لم تقبل توبته وقت طلوع الشمس حين تكون صيحةٌ فيهلك فيها كثير من الناس فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت وهلك لم تقبل توبته ، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته ذكره أبو الليث السَّمَرْقَنْدِيّ في تفسيره . وقال عبد الله بن عمر : يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة حتى يَغْرِسوا النخل . والله بغيبه أعلم . وقرأ ابن عمر وٱبن الزبير « يوم تأتي » بالتاء مثل « تلتقطه بعض السَيَّارة » . وذهبت بعض أصابعه . وقال جرير : @ لمّا أتى خبرُ الزّبير تواضَعتْ سُورُ المدينة والجبالُ الخُشّعُ @@ قال المبرد : التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل . وقرأ ابن سِيرين « لا تنفع » بالتاء . قال أبو حاتم : يذكرون أن هذا غلط من ٱبن سِيرين . قال النحاس : في هذا شيء دقيق من النحو ذكره سيبويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كلّ واحد منهما مشتمل على الآخر فأنّث الإيمان إذ هو من النفس وبها وأنشد سيبويه : @ مَشَيْنَ كما ٱهتزّتْ رماحٌ تَسفّهتْ أعالِيهَا مَرُّ الرياح النَّواسمِ @@ قال المَهْدَوِيّ : وكثيراً ما يؤنّثون فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنّث ، وكان المضاف بعض المضاف إليه أو منه أو به وعليه قول ذِي الرمّة : @ مـشين … الـبيت @@ فأنث المَرّ لإضافته إلى الرياح وهي مؤنثة ، إذ كان المَرّ من الرياح . قال النحاس : وفيه قول آخر وهو أن يؤنّث الإيمان لأنه مصدر كما يذكّر المصدر المؤنث مثل : { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ } [ البقرة : 275 ] وكما قال : @ فقد عذرتنا في صحابته العذر @@ ففي أحد الأقوال أنّث العذر لأنه بمعنى المعذرة . { قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ } بكم العذاب .