Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 164-164)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } أي مالكه . روي أن الكفار قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم : ٱرجع يا محمد إلى ديننا ، وٱعبد آلهتنا ، وٱترك ما أنت عليه ، ونحن نتكفّل لك بكل تِباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك فنزلت الآية . وهي استفهام يقتضي التقرير والتوبيخ . و « غير » نصب بـ « ـأبْغِي » و « رَبًّا » تمييز . قوله تعالى : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } أي لا ينفعني في ابتغاء ربٍّ غير الله كونكم على ذلك إذْ لا تكسب كل نفسٍ إلا عليها أي لا يؤخذ بما أتت من المعصية ، وركبت من الخطيئة سواها . الثانية : وقد استدلّ بعض العلماء من المخالفين بهذه الآية على أن بيع الفُضُوليّ لا يصح ، وهو قول الشافعيّ . وقال علماؤنا : المراد من الآية تحمل الثواب والعقاب دون أحكام الدنيا بدليل قوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } على ما يأتي . وبيع الفُضُولِيّ عندنا موقوف على إجازة المالك ، فإن أجازه جاز . هذا عُرْوة البارِقيّ قد باع للنبيّ صلى الله عليه وسلم واشترى وتصرّف بغير أمره ، فأجازه النبيّ صلى الله عليه وسلم وبه قال أبو حنيفة . وروى البُخارِيّ والدَّارَقُطْنِيّ " عن عُروة بن أبي الجَعْد قال : عرض للنبيّ صلى الله عليه وسلم جَلَب فأعطاني ديناراً وقال : « أيْ عُرْوة ٱيت الجَلَب فاشتر لنا شاة بهذا الدينار » فأتيتُ الجَلَب فساومْتُ فٱشتريت شاتين بدينار ، فجئت أسوقهما أو قال أقودهما فلقيني رجل في الطريق فساومني فبعته إحدى الشاتين بدينار ، وجئت بالشاة الأخرى وبدينار ، فقلت : يا رسول الله ، هذه الشاة وهذا ديناركم . قال : « كيف صنعت » ؟ فحدّثته الحديث . قال : « اللَّهُمّ بارك له في صفقة يمينه » . قال : فلقد رأيتُني أقف في كُناسة الكوفة فأربح أربعين ألفاً قبل أن أصِل إلى أهلي " لفظ الدَّارَقُطْنِيّ . قال أبو عمر : وهو حديث جيّد ، وفيه صحة ثبوت النبيّ صلى الله عليه وسلم للشاتين ، ولولا ذلك ما أخذ منه الدينار ولا أمضى له البيع . وفيه دليل على جواز الوكالة ، ولا خلاف فيها بين العلماء . فإذا قال الموكل لوكيله : ٱشتر كذا فاشترى زيادةً على ما وُكّل به فهل يلزم ذلك الأمر أم لا ؟ . كرجل قال لرجل : ٱشتر بهذا الدّرهِم رِطل لحم ، صفته كذا فاشترى له أربعة أرطال من تلك الصفة بذلك الدرهم . فالذي عليه مالك وأصحابه أن الجميع يلزمه إذا وافق الصفة ومن جنسها لأنه مُحْسِن . وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن . وقال أبو حنيفة : الزيادة للمشتري . وهذا الحديث حُجّة عليه . قوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي لا تحمل حاملةٌ ثِقْل أخرى ، أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها ، بل كل نفس مأخوذة بِجُرْمها ومعاقبة بإثمها . وأصل الوِزْر الثِّقْل ومنه قوله تعالى : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [ الإسراء : 2 ] . وهو هنا الذنب كما قال تعالى : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } [ الأنعام : 31 ] . وقد تقدّم . قال الأخفش : يقال وَزِر يَوْزَر ، وَوَزَرَ يَزر ، وَوُزِرَ يُوزَر وَزَراً . ويجوز إزْراً ، كما يقال : إسادة . والآية نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يقول : ٱتبعوا سبيلي أحمل أوزاركم ذكره ابن عباس . وقيل : إنها نزلت رَدًّا على العرب في الجاهلية من مؤاخذة الرجل بأبيه وبٱبنه وبجَرِيرة حَلِيفه . قلت : ويحتمل أن يكون المراد بهذه الآية في الآخرة ، وكذلك التي قبلها فأما التي في الدنيا فقد يؤاخذ فيها بعضهم بجُرْم بعض ، لا سِيَّمَا إذا لم يَنْه الطائعون العاصين ، كما تقدّم في حديث أبي بكر في قوله : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [ المائدة : 105 ] . وقال تعالى : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [ الأنفال : 25 ] . { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد : 11 ] . وقالت زينب بنت جَحْش : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم إذا كَثُرَ الخَبَث " قال العلماء : معناه أولاد الزنى . والخَبَث بفتح الباء اسم للزنى . فأوجب الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم دِيَة الخطأ على العاقلة حتى لا يُطَلّ دَمُ الْحُرّ المسلم تعظيماً للدّماء . وأجمع أهل العلم على ذلك من غير خلاف بينهم في ذلك فدلّ على ما قلناه . وقد يحتمل أن يكون هذا في الدنيا ، في ألاّ يؤاخذ زيد بفعل عمرو ، وأن كل مباشر لجريمة فعليه مَغَبَّتُها . وروى أبو داود " عن أبي رِمْثة قال : انطلقت مع أبي نحو النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم إن النبيّ قال لأبي : « ابنك هذا » ؟ قال : إيْ وَرَبِّ الكعبة . قال : « حقا » . قال : أَشْهدُ به . قال : فتبسّم النبيّ صلى الله عليه وسلم ضاحكاً من ثبت شَبَهِي في أبِي ، ومن حَلِف أبي عليّ . ثم قال : « أمَا إنه لا يَجْنِي عليك ولا تَجْنِي عليه » " وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } . ولا يُعارض ما قلناه أوّلاً بقوله : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [ العنكبوت : 13 ] فإن هذا مبيَّن في الآية الأخرى قولِه : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ النحل : 25 ] . فمن كان إماماً في الضلالة ودَعَا إليها وٱتُّبع عليها فإنه يحمل وزْر من أضلّه من غير أن ينقص من وزر المُضَل شيء ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .