Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 43-45)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالىٰ : { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } « لولا » تحضيض ، وهي التي تلي الفعل بمعنى هَلاَّ وهذا عِتاب على ترك الدعاء ، وإخبار عنهم أنهم لم يتَضرَّعوا حين نزول العذاب . ويجوز أن يكونوا تضرّعوا تضرّع من لم يُخلص ، أو تَضرعوا حين لاَبَسهم العذابُ ، والتضرع على هذه الوجوه غير نافع . والدعاء مأمور به حال الرَّخاء والشّدّة قال الله تعالىٰ : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } أي دعائي { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] وهذا وعيد شديد . { وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي صَلُبت وغَلُظت وهي عبارة عن الكفر والإصرار على المعصية ، نسأل الله العافية . { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } أي أغواهم بالمعاصي وحملهم عليها . قوله تعالىٰ : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } يُقال : لِم ذمّوا على النسيان وليس من فعلهم ؟ فالجواب أنّ « نَسُوا » بمعنى تركوا ما ذكّروا به ، عن ٱبن عباس وٱبن جُرَيْج ، وهو قول أبي عليّ وذلك لأن التارك للشيء إعراضاً عنه قد صيره بمنزلة ما قد نسِي ، كما يُقال : تركه . في النِّسْي . جواب آخر وهو أنهم تعرّضوا للنّسيان فجاز الذمّ لذلك كما جاز الذمّ على التعرّض لسخط الله عزّ وجلّ وعقابه . ومعنى { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } أي من النعم والخيرات ، أي كثرنا لهم ذلك . والتقدير عند أهل العربية : فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقاً عنهم . { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ } معناه بَطَروا وأشِروا وأعجِبوا وظنّوا أن ذلك العطاء لا يَبِيد ، وأنه دال على رضاء الله عزّ وجلّ عنهم { أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } أي ٱستأصلناهم وسطونا بهم . و « بَغْتَةً » معناه فجأة ، وهي الأخذ على غِرّة ومن غير تقدّم أمارة فإذا أخذ الإنسان وهو غارٌّ غافل فقد أُخِذ بغتةً ، وَأَنْكَىٰ شيءٍ ما يَفْجأُ من البَغْت . وقد قيل : إن التذكير الذي سلف فأعرضوا عنه قام مقام الأمارة . والله أعلم . و « بَغْتَةً » مصدر في موضع الحال لا يُقاس عليه عند سيبويه كما تقدّم فكان ذلك ٱستدراجاً من الله تعالىٰ كما قال : { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [ القلم : 45 ] نعوذ بالله من سخطه ومكره . قال بعض العلماء : رحم الله عبداً تدبر هذه الآية { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } . وقال محمد بن النَّضر الحارثي : أمهل هؤلاء القوم عشرين سنة . وروى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتم الله تعالىٰ يعطي العباد ما يشاءون على معاصيهم فإنما ذلك ٱستدراج منه لهم " ثم تلا : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } الآية كلها . وقال الحسن : والله ما أحد من الناس بسط الله له في الدنيا فلم يخف أن يكون قد مكر له فيها إلاَّ كان قد نقص عمله ، وعجز رأيه . وما أمسكها الله عن عبد فلم يظن أنه خيرٌ له فيها إلاَّ كان قد نقص عمله ، وعجز رأيه . وفي الخبر " أن الله تعالىٰ أوحى إلى موسى صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيت الفقر مقبلاً إليك فقل مرحباً بشِعار الصالحين وإذا رأيت الغِنى مقبلاً إليك فقل ذنب عُجّلت عقوبته » " . قوله تعالىٰ : { فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } المبلس الباهت الحزين الآيس من الخير الذي لا يُحير جواباً لشدّة ما نزل به من سوء الحال قال العجاج : @ يَا صاحِ هل تَعرفُ رَسْماً مُكْرَساً قال نَعَمْ أعرفُه وأَبْلَسَا @@ أي تحيّر لهول ما رأى ، ومن ذلك اشتق ٱسم إبليس أْبْلَس الرجلُ سَكَت ، وأَبْلَسَت الناقةُ وهي مِبْلاَسٌ إذا لم تَرْغُ من شدّة الضّبَعة ضَبِعتِ الناقةُ تَضْبَع ضَبَعَةً وَضَبْعاً إذا أرادت الفحل . قوله تعالىٰ : { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } الدابر الآخر يُقال : دَبَر القومَ يَدْبِرُهم دَبْراً إذا كان آخرهم في المجيء . وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود : " من الناس من لا يأتي الصَّلاة إلاَّ دبريّاً " أي في آخر الوقت والمعنى هنا قطع خلفهم من نسلهم وغيّرهم فلم تبق لهم باقية . قال قُطْرُب : يعني أنهم ٱستؤصلوا وأهلكوا . قال أُميّة بن أبي الصَّلْت : @ فأهلِكُوا بعذابٍ حَصَّ دابَرَهم فما ٱستطاعوا له صَرْفاً ولا ٱنْتَصرُوا @@ ومنه التدبير لأنه إحكام عواقب الأُمور . { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قيل : على إهلاكهم ، وقيل : تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه . وتضمنت هذه الآية الحجة على وجوب ترك الظلم لما يعقِب من قطع الدابر ، إلى العذاب الدائم ، مع استحقاق القاطع الحمدَ من كل حامد .