Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 76-76)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ } أي ستره بظلمته ، ومنه الجَنّة والجِنّة والجُنّة والجَنين والمِجَنّ والجِنّ كلُّه بمعنى السّتر . وجَنان الليل ٱدلهمامُه وستره . قال الشاعر : @ ولولا جَنان الليل أدركَ رَكْضُنَا بذِي الرِّمْثِ والأَرْطَى عِيَاضَ بنَ ناشبِ @@ ويقال : جُنون الليل أيضاً . ويقال : جَنّه الليل وأجَنّه الليل ، لغتان . { رَأَى كَوْكَباً } هذه قصّة أخرى ، غير قصّة عرض المَلَكوت عليه . فقيل : رأى ذلك من شَقّ الصخرة الموضوعة على رأس السَّرَب . وقيل : لما أخرجه أبوه من السَّرَب وكان وقت غيبوبة الشمسِ فرأى الإبلَ والخيلَ والغَنم فقال : لا بدّ لها من رَبّ . ورأى المُشْتَرِي أو الزُّهْرة ثم القمرَ ثم الشمس ، وكان هذا في آخر الشهر . قال محمد بن إسحاق : وكان ٱبن خمسَ عشرة سنة . وقيل : ٱبن سبع سنين . وقيل : لما حاجّ نمروذاً كان ٱبن سبع عشرة سنة . قوله تعالى : { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } اختُلف في معناه على أقوال فقيل : كان هذا منه في مُهْلة النظر وحال الطفُولِيّة وقبل قيام الحجة وفي تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان . فاستدلّ قائلو هذه المقالة بما روي عن عليّ بن أبي طلحة عن ٱبن عباس قال : « فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي » فعبده حتى غاب عنه ، وكذلك الشمس والقمر فلما تَمّ نظره قال : « إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ » . وٱستدلّ بالأفول لأنه أظهرُ الآيات على الحدوث . وقال قوم : هذا لا يصحّ وقالوا : غير جائز أن يكون لله تعالى رسولٌ يأتى عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى مُوَحِّد وبه عارف ، ومِن كل معبود سواه بريء . قالوا : وكيف يصحّ أن يتوهّم هذا على مَن عصمه الله وأتاه رُشده من قبلُ ، وأراه مَلكوته ليكون من المُوقِنِين ، ولا يجوزُ أن يُوصف بالخُلُّو عن المعرفة ، بل عرف الربَّ أوّل النظر . قال الزجاج : هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال : { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] وقال جل وعز : { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الصافات : 84 ] أي لم يُشرك به قَطّ . قال : والجواب عندي أنه قال : { هَذَا رَبِّي } على قولكم لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ونظير هذا قوله تعالى : « أَيْنَ شُرَكَائِي » وهو جل وعلا واحدٌ لا شريك له . والمعنى : أين شركائي على قولكم . وقيل : لما خرج إبراهيم من السَّرَب رأى ضوء الكوكب وهو طالب لربّه فظن أنه ضوءه قال : { هذا ربي } أي بأنه يتراءى لي نوره . { فَلَمَّآ أَفَلَ } علم أنه ليس بربّه . { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً } ونظر إلى ضوئه { قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي } وليس هذا شركاً . إنما نَسب ذلك الضوءَ إلى ربّه فلما رآه زائلاً دَلّه العلم على أنه غير مستحقّ لذلك فنفاه بقلبه وعلم أنه مَرْبُوب وليس بربّ . وقيل : إنما قال { هذا ربّي } لتقرير الحجّة على قومه فأظهر موافقتهم فلما أفَلَ النَّجم قرّر الحجة وقال : ما تغيّر لا يجوز أن يكون رَبًّا . وكانوا يعظّمون النجوم ويعبدونها ويحكمون بها . وقال النحاس : ومن أحسن ما قيل في هذا ما صحّ عن ٱبن عباس أنه قال في قول الله عز وجل : { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } [ النور : 35 ] قال : كذلك قلب المؤمن يعرف الله عز وجل ويستدلّ عليه بقلبه ، فإذا عرفه ٱزداد نوراً على نور وكذا إبراهيم عليه السلام عرف الله عز وجل بقلبه واستدلّ عليه بدلائله ، فعلم أن له رَبًّا وخالقاً . فلما عرّفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال : { أَتُحَاجُّونِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } . وقيل : هو على معنى الاستفهام والتوبيخ ، مُنْكِراً لفعلهم . والمعنى أهذا ربي ، أو مثل هذا يكون رَبًّا ؟ فحذف الهمزة . وفي التنزيل { أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] أي أَفهُم الخالدون . وقال الهُذَلِيّ : @ رَفَوْنِي وقالوا يا خُوَيْلدُ لاَ تُرَعْ فقلتُ وأنكرتُ الوجوهَ هُمُ هُمُ @@ آخر : @ لَعَمْرُكَ ما أدْرِي وإنْ كنتُ دارِياً بسبع رَمَيْنَ الجَمْرَ أمْ بثَمانِ @@ وقيل : المعنى هذا ربي على زعمكم كما قال تعالى : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ القصص : 62 ] . وقال : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] أي عند نفسك . وقيل : المعنى أي وأنتم تقولون هذا رَبّي فأضمر القول ، وإضماره في القرآن كثير . وقيل : المعنى في هذا ربي أي هذا دليل على رَبّي .