Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 99-99)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه سبع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } أي المطر . { فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } أي كل صِنف من النبات . وقيل : رزق كل حيوان . { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً } قال الأخفش : أي أخضر كما تقول العرب : أرِينها نمرة أرِكْها مِطرة . والخِضر رطب البقول . وقال ابن عباس : يريد القمح والشعير والسُّلت والذّرة والأرز وسائر الحبوب . { نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً } أي يُركّب بعضه على بعض كالسنبلة . الثانية : قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } ابتداء وخبر . وأجاز الفرّاء في غير القرآن « قِنْواناً دانيةً » على العطف على ما قبله . قال سيبويه : ومن العرب من يقول : قُنوان . قال الفرّاء : هذه لغة قيس ، وأهل الحجاز يقولون : قِنوان ، وتميم يقولون : قنيان ثم يجتمعون في الواحد فيقولون : قِنْوٌ وقَنْوٌ . والطَّلْع الكُفُرَّى قبل أن ينشق عن الإغريض . والإغريض يسمى طلعاً أيضاً . والطلع ما يُرى من عِذْق النخلة . والقِنوان : جمع قِنو ، وتثنيته قِنْوان كصِنو وصِنوانِ بكسر النون . وجاء الجمع على لفظ الاثنين . قال الجوهري وغيره : الاثنان صِنوانِ والجمع صنوانُ برفع النون . والقِنْو : العذْق والجمع القِنوان والأقناء قال : @ طويلـة الأَقْنــاء والأثاكِــلِ @@ غيره : « أقناء » جمع القلة . قال المهدوِيّ : قرأ ابن هُرْمز « قَنوان » بفتح القاف ، وروي عنه ضمها . فعلى الفتح هو اسم للجمع غير مُكَسّر ، بمنزلة ركب عند سيبويه ، وبمنزلة الباقِر والْجَامِل لأن فعلان ليس من أمثلة الجمع ، وضمّ القاف على أنه جمع قِنو وهو العِذق بكسر العين وهي الكباسة ، وهي عنقود النخلة . والعَذْق بفتح العين النخلة نفسُها . وقيل : القِنوان الجُمّار . { دَانِيَةٌ } قريبة ، ينالها القائم والقاعد . عن ابن عباس والبَرَاء بن عازب وغيرهما . قال الزجاج : منها دانِية ومنها بعيدة فحذف ومثله { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] . وخصّ الدانية بالذكر ، لأن من الغرض في الآية ذكر القدرة والامتنان بالنعمة ، والامتنانُ فيما يقربُ متناوَلُه أكثر . الثالثة : قوله تعالى : { وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ } أي وأخرجنا جنات . وقرأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش ، وهو الصحيح من قراءة عاصم « وجناتٌ » بالرفع . وأنكر هذه القراءةَ أبو عبيد وأبو حاتم ، حتى قال أبو حاتم : هي محال لأن الجنات لا تكون من النخل . قال النحاس : والقراءة جائزة ، وليس التأويل على هذا ، ولكنه رفع بالابتداء والخبرُ محذوف أي ولهم جنات . كما قرأ جماعة من القرّاء « وَحُورٌ عِينٌ » . وأجاز مثل هذا سيبويه والكِسائيّ والفرّاء ومثله كثير . وعلى هذا أيضاً « وحُوراً عِيناً » حكاه سيبويه ، وأنشد : @ جئْنِي بمثلِ بنِي بَدْرٍ لقومهم أو مثلَ أُسْرةِ مَنْظورِ بن سيّارِ @@ وقيل : التقدير « وجنات من أعناب » أخرجناها كقولك : أكرمت عبد الله وأخوه ، أي وأخوه أكرمت أيضاً . فأمّا الزيتون والرمّان فليس فيه إلا النصب للإجماع على ذلك . وقيل : « وجنّاتٌ » بالرفع عطف على « قِنوان » لفظاً ، وإن لم تكن في المعنى من جنسها . { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } أي متشابهاً في الأوراق أي ورق الزيتون يُشبه ورق الرمان في اشتماله على جميع الغُصْن وفي حجم الورق ، وغير متشابه في الذَّوَاق عن قتادة وغيرهِ . قال ابن جُريج : « مُتَشابِهاً » في النظر « وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ » في الطعم مثل الرمّانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف . وخصّ الرمان والزيتون بالذِّكرِ لقربهما منهم ومكانهما عندهم . وهو كقوله : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } [ الغاشية : 17 ] . ردّهم إلى الإبل لأنها أغلب ما يعرفونه . الرابعة : قوله تعالى : { ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } أي نظر الاعتبار لا نظر الإبصار المجرَّد عن التفكُّر . وٱلثمر في اللغة جَنَى الشجر . وقرأ حمزة والكسائيّ « ثُمُره » بضم الثاء والميم . والباقون بالفتح فيهما جمع ثَمَرة ، مثل بَقَرة وبقر وشجرة وشجر . قال مجاهد : الثّمَر أصناف المال ، والتَّمَر ثمر النخل . وكأنّ المعنى على قول مجاهد : ٱنظروا إلى الأموال التي يتحصل منه الثمر فالثُّمُر بضمتين جمع ثمار وهو المال المُثَمَّر . وروي عن الأعمش « ثُمْره » بضم الثاء وسكون الميم حذفت الضمة لثقلها طلباً للخفة . ويجوز أن يكون ثُمْر جمع ثَمَرة مثلُ بدَنَة وبُدْن . ويجوز أن يكون ثُمُر جمع جمع ، فتقول : ثمرة وثمار وثمر مثل حمار وحمر . ويجوز أن يكون جمع ثمرة كخشبة وخُشُب لا جمع الجمع . الخامسة : قوله تعالى : { وَيَنْعِهِ } قرأ محمد بن السَّمَيْقَع « ويانعه » . وٱبن مُحَيْصِن وٱبن أبي إسحاق « ويُنْعِه » بضم الياء . قال الفرّاء : هي لغة بعضِ أهل نجد يقال : يَنَعَ الثمر يَيْنَعِ ، والثمر يانع . وأينع يونع والتمر مُونِع . والمعنى ونُضْجِه . يَنَع وأينع إذا نَضِج وأدرك . وقال الحجاج في خطبته : أرى رؤوساً قد أيْنَعَتْ وحان قِطافها . قال ابن الأنباريّ : اليَنْع جمع يانع ، كراكب ورَكْب ، وتاجر وتَجْر ، وهو المدرك البالغ . وقال الفرّاء : أيْنع أكثرُ من يَنَع ، ومعناه أحمر ومنه ما روي في حديث المُلاَعَنة : " إن ولدته أحمر مثل اليَنَعة " وهي خرزة حمراء ، يقال : إنه العقيق أو نوع منه . فدلت الآية لمن تدبر ونظر ببصره وقلبه ، نظر من تفكّر ، أن المتغيّرات لا بدّ لها من مغيّر وذلك أنه تعالى قال : { ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ } . فتراه أوّلا طَلْعا ثم إِغْريضاً إذا انشق عنه الطَّلْعُ . والإغريض يُسَمّى ضَحْكاً أيضاً ، ثم بلحاً ، ثم سَيَاباً ، ثم جَدَالاً إذا ٱخضرّ واستدار قبل أن يشتدّ ، ثم بُسْراً إذا عظم ، ثم زَهْواً إذا ٱحمرّ يقال : أزهى يُزهِي ، ثم مُوَكِّتاً إذا بدت فيه نقط من الإرطاب . فإن كان ذلك من قِبَل الذَّنَب فهي مُذَنَّبَة ، وهو التَّذْنُوب ، فإذا لانت فهي ثَعْدة ، فإذا بلغ الإرطاب نصفها فهي مُجَزَّعة ، فإذا بلغ ثلثيها فهي حُلْقَانة ، فإذا عَمّها الإرطاب فهي مُنْسِبتة يقال : رطب مُنْسَبِت ، ثم ييبس فيصير تمراً . فنبّه الله تعالى بانتقالها من حال إلى حال وتغيرّها ووجودها بعد أن لم تكن على وحدانيته وكمال قدرته . وأن لها صانعاً قادراً عالماً . ودلّ على جواز البعث لإيجاد النبات بعد الجفاف . قال الجَوْهَرِيّ : يَنَع الثمر يَيْنَع ويَيْنِع يَنْعاً ويُنْعاً ويُنُوعاً ، أي نَضِجَ . السادسة : قال ابن العربيّ قال مالك : الإيناع الطِّيب بغير فساد ولا نقش . قال مالك : والنّقش أن يَنْقُش أهلُ البصرة الثمَر حتى يُرْطب يريد يُثقب فيه بحيث يُسرع دخولُ الهواء إليه فيرطب معجّلاً . فليس ذلك اليَنْع المراد في القرآن ، ولا هو الذي ربط به رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع ، وإنما هو ما يكون من ذاته بغير محاولة . وفي بعض بلاد التِّين ، وهي البلاد الباردة ، لا يَنْضُج حتى يُدخَل في فمه عُود قد دُهن زيتاً ، فإذا طاب حلّ بيعه لأن ذلك ضرورة الهواء وعادةُ البلاد ، ولولا ذلك ما طاب في وقت الطِّيب . قلت : وهذا اليَنْع الذي يقف عليه جواز بيع التمر وبه يطيب أكلها ويأمن من العاهة ، هو عند طلوع الثُّرَيّا بما أجرى الله سبحانه من العادة وأحكمه من العلم والقدرة . ذكر المُعَلَّى بن أسد عن وهيب عن عِسْل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا طلعت الثُّرَيَّا صباحاً رُفعت العاهة عن أهل البلد " والثريا النجم ، لا خلاف في ذلك . وطلوعها صباحاً لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار ، وهو شهر مايه . وفي البخاريّ : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثُّرَيّا فيتبين الأصفرُ من الأحمر . السابعة : وقد استدلّ من أسقط الجوائح في الثمار بهذه الآثار ، وما كان مثلها من نهيه عليه السلام عن بيع الثمرة حتى يَبْدُوَ صلاحها ، وعن بيع الثمارَ حتى تذهب العاهة . قال عثمان بن سُراقة : فسألت ٱبن عمر متى هذا ؟ فقال : طلوع الثريا . قال الشافعيّ : لم يثبت عندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوَضْع الجوائح ، ولو ثبت عندي لم أعْدُه ، والأصل المجتمَع عليه أن كل من ابتاع ما يجوز بيعه وقبضه كانت المصيبة منه ، قال : ولو كنت قائلاً بوضع الجوائح لوضعتها في القليل والكثير . وهو قول الثَّوْرِيّ والكوفيين . وذهب مالك وأكثر أهل المدينة إلى وضعها لحديث جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح . أخرجه مسلم . وبه كان يقضي عمر بن عبد العزيز ، وهو قول أحمد بن حنبل وسائر أصحاب الحديث . وأهل الظاهر وضعوها عن المبتاع في القليل والكثير على عموم الحديث إلا أن مالكاً وأصحابه ٱعتبروا أن تبلغ الجائحة ثلث الثمرة فصاعداً ، وما كان دون الثلث ألغوه وجعلوه تَبَعاً ، إذ لا تخلو ثمرة من أن يتعذّر القليل من طِيبها وأن يلحقها في اليسير منها فساد . وكان أصْبَغ وأشهب لا ينظران إلى الثمرة ولكن إلى القيمة ، فإذا كانت القيمة الثلث فصاعداً وضع عنه . والجائحة ما لا يمكن دفعه عند ابن القاسم . وعليه فلا تكون السرقة جائحة ، وكذا في كتاب محمد . وفي الكتاب أنه جائحة ، وروي عن ابن القاسم ، وخالفه أصحابه والناس . وقال مُطَرِّف وابن الماجِشون : ما أصاب الثمرة من السماء من عَفَن أو برد ، أو عطش أو حرٍّ أو كسر الشجر بما ليس بصنع آدمي فهو جائحة . واختُلف في العطش ففي رواية ابن القاسم هو جائحة . والصحيح في البقول أنها فيها جائحة كالثمرة . ومن باع ثمراً قبل بَدْو صلاحه بشرط التبقية فُسخ بيعه وردّ للنهي عنه ، ولأنه من أكل المال بالباطل لقوله عليه السلام : " أرأيت إن منع الله الثمرة فبِم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق " ؟ هذا قول الجمهور ، وصححه أبو حنيفة وأصحابه وحملوا النهي على الكراهة . وذهب الجمهور إلى جواز بيعها قبل بَدْو الصلاح بشرط القطع . ومنعه الثَّوْرِيّ وابن أبي لَيْلَى تمسُّكاً بالنهي الوارد في ذلك . وخصّصه الجمهور بالقياس الجلِيّ لأنه مبيع معلوم يصحّ قبضه حالة العقد فصحّ بيعه كسائر المبيعات .