Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 8-8)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } فيه مسألتان : الأولى ـ : قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } أمر بالتوبة ، وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان . وقد تقدّم بيانها والقول فيها في « النساء » وغيرها . { تَوْبَةً نَّصُوحاً } اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا فقيل : هي التي لا عَوْدة بعدها كما لا يعود اللّبن إلى الضَّرع وروي عن عمر وابن مسعود وأُبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم . ورفعه مُعاذ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : النَّصُوح الصادقة الناصحة . وقيل الخالصة يقال : نصح أي أخلص له القول . وقال الحسن : النَّصُوح أن يُبْغِض الذنب الذي أحبّه ويستغفر منه إذا ذكره . وقيل : هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وَجَل منها . وقيل : هي التي لا يحتاج معها إلى توبة . وقال الكلبيّ : التوبة النصوح النّدم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع عن الذنب ، والاطمئنان على أنه لا يعود . وقال سعيد بن جُبير : هي التوبة المقبولة ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط : خوف ألا تقبل ، ورجاء أن تقبل ، وإدمان الطاعات . وقال سعيد بن المسيّب : توبة تنصحون بها أنفسكم . وقال القرظي : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العَوْد بالجنَان ، ومهاجرة سيء الخِلان . وقال سفيان الثَّوْري : علامة التوبة بالنصوح أربعة : القِلّة والعِلة والذِّلّة والغُرْبة . وقال الفُضَيل ابن عياض : هو أن يكون الذنب بين عينيه ، فلا يزال كأنه ينظر إليه . ونحوه عن ابن السّماك : أن تَنصِب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعدّ لمنتظرك . وقال أبو بكر الوَرَّاق : هو أن تضيق عليك الأرض بما رحُبَت ، وتضيق عليك نفسك كالثلاثة الذين خُلِّفوا . وقال أبو بكر الواسطي : هي توبة لا لفقد عِوض لأن من أذنب في الدنيا لرَفَاهِية نفسه ثم تاب طلباً لرفاهيتها في الآخرة فتوبته على حفظ نفسه لا لله . وقال أبو بكر الدَّقاق المصري : التوبة النصوح هي ردّ المظالم ، واستحلال الخصوم ، وإدمان الطاعات . وقال رُوَيْم : هو أن تكون لله وجهاً بلا قَفَا ، كما كنت له عند المعصية قَفاً بلا وجه . وقال ذو النُّون : علامة التوبة النصوح ثلاث : قِلّة الكلام ، وقِلّة الطعام ، وقِلّة المنام . وقال شقيق : هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة ، ولا ينفك من الندامة لينجوَ من آفاتها بالسلامة . وقال سَرِيّ السَّقَطِيّ : لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين لأن من صحب توبته أحبّ أن يكون الناس مثله . وقال الجُنَيْد : التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبداً لأن من صحّت توبته صار مُحباً لله ، ومن أحبّ الله نَسِيَ ما دون الله . وقال ذو الأُذَنَيْن : هو أن يكون لصاحبها دمعٌ مسفوح ، وقلبٌ عن المعاصي جَمُوح . وقال فتح المَوْصِليّ : علامتها ثلاث : مخالفة الهوى ، وكثرة البكاء ، ومكابدة الجوع والظمأ . وقال سهل بن عبد الله التُّسْتَرِيّ : هي التوبة لأهل السنة والجماعة لأن المبتدع لا توبة له بدليل : قوله صلى الله عليه وسلم : " حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب " وعن حُذَيْفَة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه . وأصل التوبة النصوح من الخلوص يقال : هذا عَسَلٌ ناصح إذا خَلَص من الشَّمْع . وقيل : هي مأخوذة من النَّصاحة وهي الخياطة . وفي أخذها منها وجهان : أحدهما لأنها توبة قد أحكمت طاعته وأوثقتها كما يحكم الخيّاط الثوب بخياطته ويوثقه . والثاني لأنها قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم كما يجمع الخياط الثوب ويُلصق بعضه ببعض . وقراءة العامة « نَصُوحاً » بفتح النون ، على نعت التوبة ، مثل امرأة صبور ، أي توبة بالغة في النصح . وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بالضم وتأويله على هذه القراءة : توبةُ نصح لأنفسكم . وقيل : يجوز أن يكون « نُصُوحاً » ، جمع نُصح ، وأن يكون مصدراً ، يقال : نصح نصاحة ونُصُوحا . وقد يتفق فعالة وفعول في المصادر ، نحو الذِّهاب والذُّهوب . وقال المبرّد : أراد توبة ذات نُصح ، يقال : نصحت نصحاً ونَصاحة ونُصوحاً . الثانية ـ : في الأشياء التي يُتاب منها وكيف التّوبة منها . قال العلماء : الذنب الذي تكون منه التوبة لايخلو ، إما أن يكون حقاً لله أو للآدميين . فإن كان حقاً لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاءُ ما فات منها . وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطاً في الزكاة . وإن كان ذلك قتلَ نفس بغير حق فأن يُمَكِّن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوباً به . وإن كان قذفاً يوجب الحدّ فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوباً به . فإن عُفِيَ عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص . وكذلك إن عُفيَ عنه في القتل بمال فعليه أن يؤدِّيه إن كان واجداً له ، قال الله تعالى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة : 178 ] . وإن كان ذلك حداً من حدود الله كائناً ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه . وقد نصّ الله تعالى على سقوط الحدّ عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم . وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم حسب ما تقدم بيانه . وكذلك الشُّرّاب والسُّراق والزُّناة إذا أصلحوا وتابوا وعُرف ذلك منهم ، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدّهم . وإن رُفُعوا إليه فقالوا : تُبْنا ، لم يتركوا ، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غُلبوا . هذا مذهب الشافعيّ . فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا بردّه إلى صاحبه والخروج عنه عَيْناً كان أو غيره إن كان قادراً عليه ، فإن لم يكن قادراً فالعزم أن يؤدّيَه إذا قَدَر في أعجل وقت وأسرعه . وإن كان أضرّ بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتى ، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه ، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له ، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه . وإن أرسل من يسأل ذلك له ، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه عَرفَه بعينه أو لم يعرفه فذلك صحيح . وإن أساء رجل إلى رجل بأن فزّعه بغير حقّ ، أو غمّه أو لطمه ، أو صفعه بغير حقّ ، أو ضربه بسوط فآلمه ، ثم جاءه مستعفِياً نادماً على ما كان منه ، عازماً على ألاّ يعود ، فلم يزل يتذلّل له حتى طابت نفسه فعفا عنه ، سقط عنه ذلك الذنب . وهكذا إن كان شانَه بشتم لا حدّ فيه . قوله تعالى : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } « عسى » من الله واجبة . وهو معنى قوله عليه السلام : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " و « أن » في موضع رفع اسم عسى . قوله تعالى : « وَيُدْخِلَكُمْ » معطوف على { يُكَفِّرَ } . وقرأ ابن أبي عَبْلة { وَيُدْخِلَكُمْ } مجزوماً ، عطفاً على محل عسى أن يكفّر . كأنه قيل : تُوبُوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار . { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ } العامل في « يَوْمَ » : « يُدخلكم » أو فعل مضمر . ومعنى « يُخْزي » هنا يعذّب ، أي لا يعذّبه ولا يعذّب الذين آمنوا معه . { نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } تقدم في سورة « الحديد » . { يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين حسب ما تقدم بيانه في سورة « الحديد » .