Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 67, Ayat: 2-2)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسألتان : الأولى ـ : قوله تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } قيل : المعنى خلقكم للموت والحياة يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدّم الموت على الحياة لأن الموت إلى القهر أقرب كما قدّم البنات على البنين فقال : { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً } [ الشورى : 49 ] وقيل : قدّمه لأنه أقدم لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنُّطْفَة والتراب ونحوه . وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى أذلّ بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار مَوْت وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " وعن أبي الدَّرْداء : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت وإنه مع ذلك لَوَثّاب " المسألة الثانية ـ : { ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } قدّم الموت على الحياة ، لأن أقوى الناس داعياً إلى العمل مَن نَصب موته بين عينيه فقدّم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهمّ قال العلماء : الموت ليس بعدم مَحْض ولا فناء صِرْف ، وإنما هو انقطاع تعلّق الروح بالبدن ومفارقته ، وحيلولةٌ بينهما ، وتبدّلُ حال وانتقالٌ من دار إلى دار . والحياة عكس ذلك . وحُكي عن ابن عباس والكَلْبي ومُقاتل : أن الموت والحياة جسمان ، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلْقاء وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها خطوتها مدّ البصر ، فوق الحمار ودون البغل ، لاتمرّ بشيء يجد ريحها إلا حَيِيَ ، ولا تطأ على شيء إلا حَيي . وهي التي أخذ السَّامِريّ من أثرها فألقاه على العجل فَحيي . حكاه الثعلبيّ والقُشَيري عن ابن عباس . والمَاوَرْدِي معناه عن مقاتل والكلبيّ . قلت : وفي التنزيل { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [ السجدة : 11 ] ، { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ الأنفال : 50 ] ثم { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [ الأنعام : 61 ] ثم قال : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } [ الزمر : 42 ] فالوسائط ملائِكة مكرَّمون صلوات الله عليهم . وهو سبحانه المميت على الحقيقة ، وإنَّما يُمَثَّل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط حسب ما ورد به الخبر الصحيح . وما ذُكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر . والله أعلم . وعن مقاتل أيضاً : خلق الموت يعني النُّطْفَة والعَلَقَة والمُضْغَة ، وخلق الحياة يعني خلق إنساناً ونفخ فيه الروح فصار إنساناً . قلت : وهذا قول حسن يدل عليه قوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } وتقدّم الكلام فيه في سورة « الكهف » . وقال السدّيّ في قوله تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } أي أكثركم للموت ذكراً وأحسن استعداداً ، ومنه أشدّ خوفاً وحذراً . وقال ابن عمر : " تلا النبيّ صلى الله عليه وسلم { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } حتى بلغ { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } فقال : « أوْرع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله » " وقيل : معنى { لِيَبْلُوَكُمْ } ليعاملكم معاملة المختبر أي ليبلُوَ العبد بموت من يَعِزّ عليه ليبيّن صبره ، وبالحياة ليبيّن شكره . وقيل : خلق الله الموت للبعث والجزاء ، وخلق الحياة للآبتلاء . فاللام في { لِيَبْلُوَكُمْ } تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت ذكره الزجاج . وقال الفرّاء والزجاج أيضاً : لم تقع البَلْوَى على « أيّ » لأن فيما بين البلوى و « أيّ » إضمار فعل كما تقول : بلوتكم لأنظر أيّكم أطوع . ومثله قوله تعالى : { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ } [ القلم : 40 ] أي سلهم ثم انظر أيهم . فـ « أيُّكم » رفع بالابتداء و « أَحْسَنُ » خبره . والمعنى : ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن عملا . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } في انتقامه ممن عصاه . { ٱلْغَفُورُ } لمن تاب .