Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 17-19)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ } يريد أهل مكة . والابتلاء الاختبار . والمعنى أعطيناهم أموالاً ليشكروا لا لَيْبَطروا فلما بَطِرُوا وعادَوْا محمداً صلى الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقَحْط كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم . وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء ويقال بفرسخين وكانت لرجل يؤدي حق الله تعالى منها فلما مات صارت إلى ولده ، فمنعوا الناس خيرها وبَخِلُوا بحقّ الله فيها فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حلّ بها . قال الكلبي : كان بينهم وبين صنعاء فرسخان ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم . وقيل : هي جنة بضَوْران ، وضوران على فرسخ من صنعاء ، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلام بيسير وكانوا بخلاء فكانوا يَجُدّون التمر ليلاً من أجل المساكين ، وكانوا أرادوا حصاد زرعها وقالوا : لا يدخلها اليوم عليكم مسكين ، فغَدَوْا عليها فإذا هي قد ٱقْتُلِعَت من أصلها فأصبحت كالصَّرِيم أي كالليل . ويقال أيضاً للنهار صرِيم . فإن كان أراد الليل فِلاسوداد موضعها . وكأنهم وجدوا موْضِعَها حَمْأة . وإن كان أراد بالصَّريم النهار فلذهاب الشجر والزرع ونقاء الأرض منه . وكان الطّائف الذي طاف عليها جبريل عليه السلام فاقتلعها . فيقال : إنه طاف بها حَوْل البيت ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم ولذلك سُمِّيت الطائف . وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غيرها . وقال البكري في المُعْجَم : سُميِّت الطائف لأن رجلاً من الصَّدِف يقال له الدَّمُون ، بنى حائطاً وقال : قد بَنَيْتُ لكم طائفاً حول بلدكم فسُمِّيت الطائف . والله أعلم . الثانية : قال بعض العلماء : على من حصد زَرْعاً أوجَدّ ثمرة أن يواسي منها من حضره وذلك معنى قوله : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ الأنعام : 141 ] وأنه غير الزكاة على ما تقدّم في « الأنعام » بيانه . وقال بعضهم : وعليه ترك ما أخطأه الحصّادون . وكان بعض العباد يتحرّون أقواتهم من هذا . وروي أنه نُهي عن الحصاد بالليل . فقيل : إنه لِما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق . وتأوّل من قال هذا الآية التي في سورة « نۤ وَالْقَلَمِ » . وقيل : إنما نهى عن ذلك خشية الحيّات وهوامّ الأرض . قلت : الأوّل أصح والثاني حسن . وإنما قلنا الأول أصح لأن العقوبة كانت بسبب ما أرادوه من منع المساكين كما ذكر الله تعالى . روى أسباط عن السُّدِّي قال : كان قوم باليمن وكان أبوهم رجلاً صالحاً ، وكان إذا بلغ ثمارهُ أتاه المساكين فلم يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها ويتزوّدوا فلما مات قال بَنُوه بعضهم لبعض : عَلاَمَ نُعطي أموالنا هؤلاء المساكين ! تعالَوْا فلْنُدْلج فنصْر منّها قبل أن يعلم المساكين ولم يستثنوا فٱنطلقوا وبعضهم يقول لبعض خَفْتاً : لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين فذلك قوله تعالى : { إِذْ أَقْسَمُواْ } يعني حلفوا فيما بينهم { لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } يعني لنجدنها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين ولا يستثنون يعني لم يقولوا إن شاء الله . وقال ابن عباس : كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين ، غرسها رجل من أهل الصلاح وكان له ثلاثة بنين ، وكان للمساكين كل ما تعدّاه المِنْجَل فلم يجذّه من الكَرْم ، فإذا طُرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضاً للمساكين ، فإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعدّاه المِنْجَل فهو للمساكين ، فإذا دَرَسُوا كان لهم كل شيء انتثر فكان أبوهم يتصدّق منها على المساكين ، وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأراملُ والمساكين ، فلما مات أبوهم فعلوا ما ذكر الله عنهم . فقالوا : قلّ المالُ وكثر العيال فتحالفوا بينهم ليغدُون غدوة قبل خروج الناس ثم ليَصْرِمنها ولا تعرف المساكين . وهو قوله : { إِذْ أَقْسَمُواْ } أي حلفوا { لَيَصْرِمُنَّهَا } ليقطعن ثمر نخيلهم إذا أصبحوا بسُدْفة من الليل لئلا ينتبه المساكين لهم . والصرم القطع . يقال : صرم العِذق عن النخلة . وأصرم النخلُ أي حان وقت صِرامه . مثل أرْكَبَ المهرُ وأحصدَ الزرعُ ، أي حان ركوبه وحَصاده . { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } أي ولم يقولوا إن شاء الله . { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } ينادي بعضهم بعضاً . { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } عازمين على الصّرام والجداد . قال قتادة : حاصدين زرعكم . وقال الكلبي : ما كان في جنتهم من زرع ولا نخيل . وقال مجاهد : كان حرثهم عِنَباً ولم يقولوا إن شاء الله . وقال أبو صالح : كان استثناؤهم قولهم سبحان الله رَبّنا . وقيل : معنى { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } أي لا يستثنون حق المساكين قاله عكرمة . فجاءوها ليلاً فرأوا الجنة مسودّة قد طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون . قيل : الطائف جبريل عليه السلام على ما تقدّم ذكره . وقال ابن عباس : أمْرٌ من ربك . وقال قتادة : عذاب من ربّك . ابن جريج : عُنُق من نار خرج من وادي جهنم . والطائف لا يكون إلا بالليل قاله الفرّاء . الثالثة : قلت : في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان لأنهم عزموا على أن يفعلوا فعوقبوا قبل فعلهم . ونظير هذه الآية قوله تعالى : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الحج : 25 ] وفي الصحيح : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : " إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " وقد مضى مبيَّناً في سورة « آل عمران » عند قوله تعالى : { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } [ آل عمران : 135 ]