Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 12-12)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه أربع مسائل : الأُولىٰ قوله تعالىٰ : { مَا مَنَعَكَ } « ما » في موضع رفع بالابتداء أي أي شيء منعك . وهذا سؤال توبيخ . { أَلاَّ تَسْجُدَ } في موضع نصب ، أي من أن تسجد . و « لا » زائدة . وفي صۤ { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } [ صۤ : 75 ] وقال الشاعر : @ أبَى جُودُه لا البخلَ فاستعجلت به نَعَمْ من فتًى لا يمنع الجودَ نائلُه @@ أراد أبى جوده البخل ، فزاد « لا » . وقيل ليست بزائدة فإن المنع فيه طرف من القول والدعاء ، فكأنه قال : من قال لك ألاّ تسجد ؟ أو من دعاك إلى ألاّ تسجد ؟ كما تقول : قد قلت لك ألاّ تفعل كذا . وقيل : في الكلام حذف ، والتقدير : ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى ألاّ تسجد . قال العلماء : الذي أحوجه إلى ترك السجود هو الكبر والحسد : وكان أضمر ذلك في نفسه إذا أمر بذلك . وكان أمره من قبل خلق آدم يقول الله تعالىٰ : { إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } . فكأنه دخله أمر عظيم من قوله { فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } . فإن في الوقوع توضيع الواقع وتشريفاً لمن وقع له فأضمر في نفسه ألاّ يسجد إذا أمره في ذلك الوقت . فلما نفخ فيه الروح وقعت الملائكة سُجَّداً ، وبَقِيَ هو قائماً بين أظهرهم فأظهر بقيامه وترك السجود ما في ضميره . فقال الله تعالىٰ : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } أي ما منعك من الانقياد لأمري فأخرج سِرّ ضميره فقال : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } . الثانية قوله تعالىٰ : { إِذْ أَمَرْتُكَ } يدل على ما يقوله الفقهاء من أن الأمر يقتضي الوجوب بمطلقه من غير قَرِينَة لأن الذّمّ عُلِّق على ترك الأمر المطلق الذي هو قوله عزّ وجلّ للملائكة : { ٱسْجُدُواْ لآدَمَ } وهذا بيّن . الثالثة قوله تعالىٰ : { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } أي منعني من السجود فضلِي عليه فهذا من إبليس جواب على المعنى . كما تقول : لمن هذه الدار ؟ فيقول المخاطَب : مالكها زيد . فليس هذا عين الجواب ، بل هو كلام يرجع إلى معنى الجواب . { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } فرأى أن النار أشرف من الطين لعلوّها وصعودها وخفتها ، ولأنها جوهر مضيء . قال ابن عباس والحسن وابن سيرين : أوّل من قاس إبليس فأخطأ القياس . فمن قاس الدين برأيه قرنه الله مع إبليس . قال ابن سيرين : وما عبدت الشمس والقمر إلاَّ بالمقاييس . وقالت الحكماء : أخطأ عدوّ الله من حيث فضل النار على الطين ، وإن كانا في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق . فإن الطين أفضل من النار من وجوه أربعة : أحدها أن من جوهر الطين الرّزانة والسكون ، والوقار والأناة ، والحلم ، والحياء ، والصبر . وذلك هو الداعي لآدم عليه السَّلام بعد السعادة التي سبقت له إلى التوبة والتواضع والتضرع ، فأورثه المغفرة والإجتباء والهداية . ومن جوهر النار الخفة ، والطيش ، والحدّة ، والارتفاع ، والاضطراب . وذلك هو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار فأورثه الهلاك والعذاب واللعنة والشقاء قاله القفّال . الثاني إن الخبر ناطق بأن تراب الجنة مِسك أذفر ، ولم ينطق الخبر بأن في الجنة ناراً وأن في النار تراباً . الثالث أن النار سبب العذاب ، وهي عذاب الله لأعدائه وليس التراب سبباً للعذاب . الرابع أن الطين مستغنٍ عن النار ، والنار محتاجة إلى المكان ومكانها التراب . قلت ويحتمل قولاً خامساً وهو أن التراب مسجد وطهور كما جاء في صحيح الحديث . والنار تخويف وعذاب كما قال تعالىٰ : { ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } [ الزمر : 16 ] . وقال ابن عباس : كانت الطاعة أولى بإبليس من القياس فعصى ربه ، وهو أوّل من قاس برأيه . والقياس في مخالفة النصِّ مردود . الرابعة وٱختلف الناس في القياس إلى قائل به ، ورادٍّ له فأما القائلون به فهم الصحابة والتابعون ، وجمهور من بعدهم ، وأن التعبد به جائز عقلاً واقع شرعاً ، وهو الصحيح . وذهب القفّال من الشافعية وأبو الحسين البصرِيّ إلى وجوب التعبّد به عقلاً . وذهب النظّام إلى أنه يستحيل التعبد به عقلاً وشرعاً وردّه بعض أهل الظاهر . والأوّل الصحيح . قال البخارِيّ في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة : المعنى لا عصمة لأحد إلاَّ في كتاب الله أو سنة نبيه أو في إجماع العلماء إذا وُجد فيها الحكُم فإن لم يوجد فالقياس . وقد ترجم على هذا باب من شبّه أصلاً معلوماً بأصل مبيَّن قد بيّن الله حكمها ليفهم السائل . وترجم بعد هذا باب الأحكام التي تعرف بالدلائل وكيف معنى الدلالة وتفسيرها . وقال الطبريّ : الإجتهاد والاستنباط من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع الأُمة هو الحق الواجب ، والفرض اللازم لأهل العلم . وبذلك جاءت الأخبار عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعن جماعة الصحابة والتابعين . وقال أبو تمام المالكيّ : أجمعت الأُمة على القياس فمن ذلك أنهم أجمعوا على قياس الذهب والوَرِق في الزكاة . وقال أبو بكر : أقِيلوني بيعتي . فقال عليّ : واللَّهِ لا نقيلك ولا نستقيلك ، رضِيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاك لدنيانا ؟ فقاس الإمامة على الصَّلاة . وقاس الصدّيقُ الزكاة على الصَّلاةِ وقال : والله لا أفرق بين ما جمع الله . وصرّح عليّ بالقياس في شارب الخمر بمحضر من الصحابة وقال : إنه إذا سكِر هَذَى ، وإذا هَذَى افْترى فحدّه حدّ القاذف . وكتب عمر إلى أبي موسىٰ الأشعري كتاباً فيه : الفَهْم الفَهْمَ فيما يختلِجُ في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة ، ٱعرف الأمثال والأشباه ، ثم قِسِ الأُمور عند ذلك ، فاعمد إلى أحبِّها إلى الله تعالىٰ وأشبهها بالحق فيما ترى . الحديثَ بطوله ذكره الدارقطنيّ . وقد قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما في حديث الوَبَاء ، حين رجع عمر من سَرْغ : نَفِرّ من قَدَر الله ؟ فقال عمر : نعم ! نفِرّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله . ثم قال له عمر : أرأيت … فقايسه وناظره بما يشبه من مسألته بمحضر المهاجرين والأنصار ، وحسبُك . وأما الآثار وآي القرآن في هذا المعنى فكثير . وهو يدل على أن القياس أصل من أُصول الدين ، وعِصمة من عِصم المسلمين ، يرجع إليه المجتهدون ، ويفزع إليه العلماء العاملون ، فيستنبطون به الأحكام . وهذا قول الجماعة الذين هم الحجة ، ولا يلتفت إلى من شذَّ عنها . وأما الرأي المذموم والقياس المتكّلف المنهي عنه فهو ما لم يكن على هذه الأُصول المذكورة لأن ذلك ظنٌّ ونَزَغٌ من الشيطان قال الله تعالىٰ : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] . وكل ما يورده المخالف من الأحاديث الضعيفة والأخبار الواهية في ذمّ القياس فهي محمولة على هذا النوع من القياس المذموم ، الذي ليس له في الشرع أصل معلوم . وتتميم هذا الباب في كتب الأُصول .