Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-151)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً } لم ينصرف « غَضْبَانَ » لأن مؤنّثه غَضْبَى ، ولأن الألف والنون فيه بمنزلة ألفي التأنيث في قولك حمراء . وهو نصب على الحال . و « أَسِفاً » شديد الغضب . قال أبو الدَّرداء : الأسف منزلةٌ وراء الغضب أشد من ذلك . وهو أسِف وأسِيف وأسْفان وأَسُوف . والأسيف أيضاً الحزِين . ابن عباس والسُّدِّي : رجع حزيناً من صنيع قومه . وقال الطبرِيّ : أخبره الله عز وجل قبل رجوعه أنهم قد فُتِنُوا بالعجل فلذلك رجع وهو غضبان . ابن العربيّ : وكان موسى عليه السلام من أعظم الناس غضباً ، لكنه كان سريع الفَيْئة فتِلك بتلك . قال ابن القاسم : سمعت مالكاً يقول : كان موسى عليه السلام إذا غَضِب طلع الدُّخَان من قَلَنْسُوَتِه ، ورفع شعرُ بدنه جُبَّتَه . وذلك أن الغضب جَمْرة تتوقّد في القلب . ولأجله أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم مَنْ غَضب أن يضطجع . فإن لم يذهب غضبُه ٱغتسل : فيُخْمِدها اضطجاعُه ويطفئها اغتساله . وسُرْعةُ غضبه كان سبباً لصَكّه مَلَكَ الموت ففقأ عينَه . وقد تقدم في « المائدة » ما للعلماء في هذا . وقال الترمذِيّ الحكيم : وإنما ٱستجاز موسى عليه السلام ذلك لأنه كليم الله كأنه رأى أن من اجترأ عليه أو مدّ إليه يدا بأذًى فقد عَظُم الخطب فيه . ألا ترى أنه ٱحتجّ عليه فقال : من أين تنزِع روحي ؟ أمن فمِي وقد ناجيت به ربي ! أَمْ مِن سمعي وقد سمعت به كلام رَبِّي ! أم مِن يدي وقد قبضت منه الألواح ! أم مِن قدمي وقد قمتُ بين يديه أُكلمه بالطُّور ٰ أمْ مِن عيني وقد أشرق وجهي لنوره . فرجع إلى ربّه مُفْحَماً . وفي مُصَنّف أبي داود عن أبي ذرٍّ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : " إذا غَضِب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فلْيضطجع " وروي أيضاً عن أبي وائل القاصّ قال : دخلنا على عروة بن محمد السّعدِيّ فكلمه رجل فأغضبه فقام ثم رجع وقد توضأ ، فقال : حدّثني أبي عن جدّي عطيّة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ الغضب من الشيطان وإنّ الشيطان خُلق من النار وإنما تُطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " . قوله تعالى : { بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ } ذَمٌّ منه لهم أي بئس العملُ عمِلتم بعدي . يقال : خَلَفَه بما يكره . ويقال في الخير أيضاً . يقال منه : خَلَفَه بخير أو بشر في أهله وقومه بعد شخوصه . { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } أي سبقتموه . والعجلة : التقدّم بالشيء قبل وقته ، وهي مذمومة . والسرعة : عَمَل الشيء في أوّل أوقاته ، وهي محمودة . قال يعقوب : يقال عجلت الشيء سبقته . وأعجلت الرجل استعجلته ، أي حملته على العجلة . ومعنى « أَمْرَ رَبِّكُمْ » أي ميعاد ربكم ، أي وعد أربعين ليلة . وقيل : أي تعجّلتم سخط ربكم . وقيل : أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أَمْرٌ من ربكم . قوله تعالى : { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } فيه مسألتان : الأُولى قوله تعالى : { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } أي مما ٱعتراه من الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل ، وعلى أخيه في إهمال أمرهم قاله سعيد بن جُبير . ولهذا قيل : ليس الخبر كالمعاينة . ولا التفات لما رُوي عن قتادة إن صح عنه ، ولا يصح : أنّ إلقاءه الألواح إنما كان لما رأى فيها من فضيلة أُمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لأُمّته . وهذا قول رديء لا ينبغي أن يضاف إلى موسى صلى الله عليه وسلم . وقد تقدّم عن ابن عباس رضي الله عنه أن الألواح تكسّرت ، وأنه رفع منها التفصيل وَبَقِيَ فيها الهدى والرحمة . الثانية وقد ٱستدلّ بعض جُهّال المتصوّفة بهذا على جواز رَمْي الثياب إذا ٱشتد طربُهم على المَغْنَى . ثم منهم من يرمي بها صِحاحاً ، ومنهم من يَخْرقها ثم يرمي بها . قال : هؤلاء في غيبة فلا يُلامون فإن موسى عليه السلام لما غلب عليه الغم بعبادة قومه العجلَ ، رمى الألواح فكسرها ، ولم يدر ما صنع . قال أبو الفرج الجَوْزِيّ : من يصحّح عن موسى عليه السلام أنه رماها رَمْيَ كاسر ؟ والذي ذُكر في القرآن ألقاها ، فمن أين لنا أنها تكسرت ؟ ثم لو قيل : تكسرت فمن أين لنا أنه قصد كسرها ؟ ثم لو صححنا ذلك عنه قلنا كان في غيبة ، حتى لو كان بين يديه بحر من نار لخاضه . ومَن يصحّح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغنى من غيره ، ويحذرون من بئر لو كانت عندهم . ثم كيف تقاس أحوال الأنبياء على أحوال هؤلاء السفهاء . وقد سئل ابن عقيل عن تواجدهم وتخريق ثيابهم فقال : خطأ وحرام وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال . فقال له قائل : فإنهم لا يعقلون ما يفعلون . فقال : إن حضروا هذه الأمكنة مع علمهم أن الطَّرب يغلِب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما أدخلوه على أنفسهم من التخريق وغيره مما أفسدوا ، ولا يسقط عنهم خطاب الشرع لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنّب هذا الموضع الذي يُفضِي إلى ذلك . كما هم منهِيُّون عن شرب المسكر ، كذلك هذا الطَّرَب الذي يسميه أهل التصوف وَجْداً إن صدقوا أن فيه سُكْرَ طبع ، وإن كذبوا أفسدوا مع الصَّحْو ، فلا سلامة فيه مع الحالين ، وتجنّب مواضع الرِّيَب واجبٌ . قوله تعالى : { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } أي بلحيته وذؤابته . وكان هارون أكبر من موسى صلوات الله وسلامه عليهما بثلاث سنين ، وأحبّ إلى بني إسرائيل من موسى لأنه كان لَيِّن الغضب . وللعلماء في أخذ موسى برأس أخيه أربعة تأويلات : الأوّل أن ذلك كان متعارَفاً عندهم كما كانت العرب تفعله من قبض الرجل على لحية أخيه وصاحبه إكراماً وتعظيماً ، فلم يكن ذلك على طريق الإذلال . الثاني أن ذلك إنما كان ليُسرّ إليه نزول الألواح عليه لأنها نزلت عليه في هذه المناجاة وأراد أن يُخفيَها عن بني إسرائيل قبل التوراة . فقال له هارون : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي لئلا يشتبه سِرارُه على بني إسرائيل بإذلاله . الثالث إنما فعل ذلك به لأنه وقع في نفسه أن هارون مائلٌ مع بني إسرائيل فيما فعلوه من أمر العجل . ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء . الرابع ضَمّ إليه أخاه ليعلم ما لديه فكره ذلك هارون لئلا يظن بنو إسرائيل أنه أهانه فبيّن له أخوه أنهم استضعفوه ، يعني عبَدَة العجل ، وكادوا يقتلونه أي قاربوا . فلما سمع عذره قال رب ٱغفر لي ولأخي أي ٱغفر لي ما كان من الغضب الذي ألقيت من أجله الألواح ، ولأخي لأنه ظنّه مقصِّراً في الإنكار عليهم وإن لم يقع منه تقصير أي ٱغفر لأخي إن قصّر . قال الحسن : عبد كلّهم العجل غير هارون ، إذ لو كان ثَمَّ مؤمن غير موسى وهارون لَما ٱقتصر على قوله : رب ٱغفر لي ولأخي ، ولدَعَا لذلك المؤمن أيضاً . وقيل : ٱستغفر لنفسه من فعله بأخيه ، فعل ذلك لمَوْجِدته عليه ، إذ لم يلحق به فيعرّفه ما جرى ليرجع فيتلافاهم ولهذا قال : { يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } [ طه : 92 - 93 ] الآية . فبيّن هارون أنه إنما أقام خوفاً على نفسه من القتل . فدلَّت الآية على أن لمن خشي القتل على نفسه عند تغيير المنكر أن يَسْكُت . وقد تقدّم بيان هذا في « آل عمران » . ابن العربيّ : وفيها دليل على أن الغضب لا يغيّر الأحكام كما زعم بعض الناس فإن موسى عليه السلام لم يغيّر غضبُه شيئاً من أفعاله ، بل ٱطردت على مجراها من إلقاء لوح وعتابِ أخ وصكّ مَلَك . المَهْدَوِيّ : لأن غضبه كان لله عز وجل ، وسكوته عن بني إسرائيل خوفاً أن يتحاربوا ويتفرّقوا . قوله تعالى : { قَالَ ٱبْنَ أُمَّ } وكان ٱبنَ أُمّه وأبيه . ولكنها كلمةُ لِين وعطف . قال الزَّجاج : قيل كان هارون أخا موسى لأُمه لا لأبيه . وقُرىء بفتح الميم وكسرها فمن فتح جعل « ٱبن أُم » ٱسماً واحداً كخمسةَ عشر فصار كقولك : يا خمسة عشر أقبلوا . ومن كسر الميم جعله مضافاً إلى ضمير المتكلم ثم حذف ياء الإضافة لأن مبنى النداء على الحذف ، وأبقى الكسرة في الميم لتدُلّ على الإضافة كقوله : { يٰعِبَادِ } [ الزمر : 10 ] . يدلّ عليه قراءة ابن السَّمَيْقَع « يابنَ أُمّي » بإثبات الياء على الأصل . وقال الكسائي والفرّاء وأبو عبيد : « يابن أُمَّ » بالفتح ، تقديره يابن أُمّاه . وقال البصريون : هذا القول خطأ لأن الألف خفيفة لا تحذف ولكن جعل الاسمين ٱسماً واحداً . وقال الأخفش وأبو حاتم : « يابن أُمِّ » بالكسر كما تقول : يا غلام غلام أقبل ، وهي لغة شاذّة والقراءة بها بعيدة . وإنما هذا فيما يكون مضافاً إليك فأما المضاف إلى مضاف إليك فالوجه أن تقول : يا غلام غلامي ، ويابن أخي . وجوّزوا يابن أُمَّ ، يابن عمَّ ، لكثرتها في الكلام . قال الزجاج والنحاس : ولكن لها وجه حسن جيّد ، يجعل الابن مع الأُم ومع العَمّ ٱسماً واحداً بمنزلة قولك : يا خمسة عشر أقبلوا ، فحذفت الياء كما حذفت من يا غلام { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي } استذلُّوني وعدّوني ضعيفاً . { وَكَادُواْ } أي قاربوا . { يَقْتُلُونَنِي } بنونين لأنه فعل مستقبل . ويجوز الإدغام في غير القرآن . { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ } أي لا تُسرّهم . والشماتة : السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدِّين والدنيا . وهي محرّمة مَنْهِيٌّ عنها . وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لا تظهر الشماتةَ بأخيك فيعافيه الله ويبتليك " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ منها ويقول : " اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من سوء القضاء ودَرْك الشقاء وشماتة الأعداء " أخرجه البخاريّ وغيره . وقال الشاعر : @ إذا ما الدّهرُ جرّ على أُناسٍ كَلاكِلَه أناخَ بآخرينا فقل للشَّامتين بِنَا أفِيقوا سَيَلقَى الشامتون كما لَقِينا @@ وقرأ مجاهد ومالك بن دِينار « تَشْمَت » بالنصب في التاء وفتح الميم ، « الأعداءُ » بالرفع . والمعنى : لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء ، أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي . وعن مجاهد أيضاً « تَشْمَتْ » بالفتح فيهما « الأعداءَ » بالنصب . قال ابن جِنّي : المعنى فلا تشمت بي أنت يا رب . وجاز هذا كما قال : { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } [ البقرة : 15 ] ونحوه . ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلاً نصب به الأعداء كأنه قال : ولا تشمت بي ، الأعداء . قال أبو عبيد : وحكيت عن حُميد : « فلا تشمِت » بكسر الميم . قال النحاس : ولا وجه لهذه القراءة لأنه إن كان من شَمِت وجب أن يقول تشمت . وإن كان من أشمت وجب أن يقول تشمت وقوله : { وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } قال مجاهد : يعني الذين عبدوا العجل . { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } تقدّم .