Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 155-155)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالىٰ : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } مفعولان ، أحدهما حذفت منه مِن وأنشد سيبوية : @ مِنّا الذي ٱخُتِير الرجالَ سَماحةً وبِرَّاً إذا هَبّ الرِّياح الزَّعازِع @@ وقال الراعي يمدح رجلاً : @ ٱخترتُك الناسَ إذ رَثّت خلائقُهُم وٱختلّ مَن كان يُرْجَىٰ عنده السُّولُ @@ يريد : اخترتك من الناس . وأصل ٱختار ٱختير فلما تحرّكت الياء وقبلها فتحة قلبت ألفاً ، نحو قال وباع . قوله تعالىٰ : { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أي ماتوا . والرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة . ويروى أنهم زلزلوا حتى ماتوا . قوله تعالىٰ : { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ } أي أمَتّهم كما قال عز وجل : { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ } [ النساء : 176 ] . « وإياي » عطف . والمعنى : لو شئت أمتَّنَا من قبل أن نخرج إلى الميقات بمحضر بني إسرائيل حتى لا يتهموني . أبو بكر بن أبي شيبة : حدّثنا يحيىٰ بن سعيد القَطّان عن سفيان عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد عن عليّ رضي الله عنه قال : ٱنطلق موسىٰ وهارون صلىٰ الله عليهما وٱنطلق شَبّر وشَبير هما ٱبنا هارون فانتهوا إلى جبل فيه سرير ، فقام عليه هارون فقُبض روحه . فرجع موسىٰ إلى قومه ، فقالوا : أنت قتلته ، حسدتنا على لِينه وعلى خُلُقه ، أو كلمة نحوها . الشك من سفيان ، فقال : كيف أقتله ومعي ٱبناه ! قال : فاختاروا من شئتم فاختاروا من كل سِبْط عشرة . قال : فذلك قوله : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَـٰتِنَا } فانتهوا إليه فقالوا : مَن قتلك يا هارون ؟ قال : ما قتلني أحد ولكن الله توفّاني . قالوا : يا موسىٰ ، ما تُعْصَى . فأخذتهم الرجفة ، فجعلوا يتردّدون يميناً وشمالاً ، ويقول : { لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } . قال : فدعا الله فأحياهم وجعلهم أنبياء كلَّهم . وقيل : أخذتهم الرجفة لقولهم : أرنا الله جهرة كما قال الله تعالىٰ : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } [ البقرة : 55 ] . على ما تقدّم بيانه في « البقرة » . وقال ٱبن عباس : إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينَهْوا من عبد العجل ، ولم يرضَوْا عبادته . وقيل : هؤلاء السبعون غيرُ من قالوا أرنا الله جهرة . وقال وهب : ما ماتوا ، ولكن أخذتهم الرجفة من الهيبة حتى كادت أن تَبِين مفاصلُهم ، وخاف موسىٰ عليهم الموت . وقد تقدّم في « البقرة » عن وهب أنهم ماتوا يوماً وليلة . وقيل غير هذا في معنىٰ سبب أخذهم بالرجفة . والله أعلم بصحة ذلك . ومقصود الاستفهام في قوله : « أَتُهْلِكُنَا » الجَحْد أي لست تفعل ذلك . وهو كثير في كلام العرب . وإذا كان نفياً كان بمعنىٰ الإيجاب كما قال : @ ألستمْ خيرَ مَنْ ركب المطايا وأنْدىٰ العالمين بُطون راحِ @@ وقيل : معناه الدعاء والطلب ، أي لا تهلكنا وأضاف إلى نفسه . والمراد القوم الذين ماتوا من الرجفة . وقال المبرّد : المراد بالاستفهام استفهامُ استعظامٍ كأنه يقول : لا تهلكنا ، وقد علم موسى أن الله لا يهلك أحداً بذنب غيره ولكنه كقول عيسىٰ : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } [ المائدة : 118 ] . وقيل : المراد بالسفهاء السبعون . والمعنىٰ : أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم « أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً » . { إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } أي ما هذا إلا ٱختبارك وٱمتحانك . وأضاف الفتنة إلى الله عز وجل ولم يضفها إلى نفسه كما قال إبراهيم : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالىٰ . وقال يُوشع : { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } [ الكهف : 63 ] . وإنما استفاد ذلك موسىٰ عليه السلام من قوله تعالىٰ له : { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } [ طه : 85 ] . فلما رجع إلى قومه ورأى العجل منصوباً للعبادة وله خُوار قال : { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا } أي بالفتنة . { مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ } وهذا رَدٌّ على القدرية .