Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 157-157)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه عشر مسائل : الأولىٰ روىٰ يحيىٰ بن أبي كثير عن نَوْف البِكَالِيّ الحِمْيَريّ : لما ٱختار موسىٰ قومه سبعين رجلاً لميقات ربه قال الله تعالىٰ لموسىٰ : أن أجعل لكم الأرض مسجداً وطهوراً تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا عند مِرحاض أو حمّام أو قبر ، واجعل السكِينة في قلوبكم ، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهر قلوبكم ، يقرأها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير . فقال ذلك موسىٰ لقومه ، فقالوا : لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس ، ولا نستطيع حمل السكِينة في قلوبنا ، ونريد أن تكون كما كانت في التابوت ، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهر قلوبنا ، ولا نريد أن نقرأها إلا نظراً . فقال الله تعالىٰ : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } إلى قوله { ٱلْمُفْلِحُونَ } . فجعلها لهذه الأمة . فقال موسىٰ : يا رب ، ٱجعلني نبيّهم . فقال : نبيهم منهم . قال : رب ٱجعلني منهم . قال : إنك لن تدركهم . فقال موسىٰ : يا رب ، أتيتك بوفد بني إسرائيل ، فجعلت وفادتنا لغيرنا . فأنزل الله عز وجل : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] . فرضي موسىٰ . قال نَوْف : فٱحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم . وذكر أبو نعيم أيضاً هذه القصة من حديث الأوزاعيّ قال : حدّثنا يحيىٰ بن أبي عمرو السّيْبَاني قال حدثني نَوْف البِكالي إذا افتتح موعظة قال : ألا تحمدون ربكم الذي حفظ غيبتكم وأخذ لكم بعد سهمكم وجعل وفادة القوم لكم . وذلك أن موسىٰ عليه السلام وفَد ببني إسرائيل فقال الله لهم : إني قد جعلت لكم الأرض مسجداً حيثما صليتم فيها تقبلت صلاتكم إلا في ثلاثة مواطن من صلىٰ فيهن لم أقبل صلاته المقبرة والحمام والمرحاض . قالوا : لا ، إلا في الكنيسة . قال : وجعلت لكم التراب طهوراً إذا لم تجدوا الماء . قالوا : لا ، إلا بالماء . قال : وجعلت لكم حيثما صلىٰ الرجل فكان وحده تقبلت صلاته . قالوا : لا ، إلا في جماعة . الثانية : قوله تعالىٰ : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ } هذه الألفاظ كما ذكرنا أخرجت اليهود والنصارىٰ من الاشتراك الذي يظهر في قوله : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } وخلصت هذه العِدة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس وابن جبير وغيرهما . و « يَتَّبِعُونَ » يعني في شرعه ودينه وما جاء به . والرسول والنبيّ اسمان لمعنيين فإن الرسول أخصُّ من النبيّ . وقدّم الرسول اهتماماً بمعنىٰ الرسالة وإلاّ فمعنىٰ النبوة هو المتقدّم ولذلك " ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على البَرَاء حين قال : وبرسولك الذي أرسلت . فقال له : « قل آمنت بنبيك الذي أرسلت » " خرّجه في الصحيح . وأيضاً فإن في قوله : « وبرسولك الذي أرسلت » تكرير الرسالة وهو معنىٰ واحد فيكون كالحشو الذي لا فائدة فيه . بخلاف قوله : « ونبيك الذي أرسلت » فإنهما لا تكرار فيهما . وعلى هذا فكل رسول نبيّ ، وليس كل نبيّ رسولا لأن الرسول والنبيّ قد ٱشتركا في أمر عام وهو النبأ ، وٱفترقا في أمر خاص وهي الرسالة . فإذا قلت : محمد رسول من عند الله تضمّن ذلك أنه نبيّ ورسول الله . وكذلك غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم . الثالثة : قوله تعالىٰ : { ٱلأُمِّيَّ } هو منسوب إلى الأمة الأمية ، التي هي على أصل ولادتها . لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها قاله ابن عزيز . وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أمياً لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب قال الله تعالىٰ : { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } [ العنبكوت : 48 ] . وروي في الصحيح عن ٱبن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إنّا أمَّةٌ أميّة لا نَكتب ولا نحسُب " الحديث . وقيل : نسب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مكة أمِّ القرى ذكره النحاس . الرابعة : قوله تعالىٰ : { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } روى البخاريّ قال : حدّثنا محمد بن سنان قال حدّثنا فُلَيْح قال حدثنا هلال عن عطاء بن يَسار لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . فقال : أجَلْ ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } [ الأحزاب : 45 ] وحِرْزاً للأمِّيين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكِّل ، ليس بفَظٍّ ولا غليظ ولا صَخَّاب في الأسواق . ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله تعالىٰ حتى يِقيم به الملة العَوْجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ، ويفتح بها أعْيُناً عُمْياً ، وآذاناً صُمَّاً ، وقلوباً غُلْقاً . في غير البخاري قال عطاء : ثم لقِيت كَعْباً فسألته عن ذلك فما ٱختلفا حرفاً ، إلا أن كعباً قال بِلغتِه : قلوباً غُلُوفِياً وآذاناً صمومياً وأعيناً عمومياً . قال ابن عطية : وأظنّ هذا وهماً أو عُجمة . وقد روي عن كعب أنه قالها : قلوباً غلوفاً وآذاناً صموماً وأعينا عمومياً . قال الطبري : هي لغة حِميَرِية . وزاد كعب في صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : مولده بمكة ، وهجرته بطابة ، وملكه بالشأم ، وأمّته الحامدون ، يحمدون الله على كل حال وفي كل منزل ، يُوضِئون أطرافهم ويَأَتَزِرون إلى أنصاف ساقهم ، رعاة الشمس ، يصلّون الصلوات حيثما أدركتهم ولو على ظهر الكناسة ، صفهم في القتال مثل صفهم في الصلاة . ثم قرأ { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [ الصف : 4 . ] الخامسة : قوله تعالىٰ : { يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } قال عطاء : { يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ } بخلع الأنداد ، ومكارم الأخلاق ، وصلة الأرحام . { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } عبادة الأصنام ، وقطع الأرحام . السادسة : قوله تعالىٰ : { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ } مذهب مالك أن الطيِّبات هي المحَلَّلات فكأنه وصفها بالطيب إذ هي لفظة تتضمن مدحاً وتشريفاً . وبحسب هذا نقول في الخبائث : إنها المحرمات ولذلك قال ابن عباس : الخبائث هي لحم الخنزير والرِّبا وغيره . وعلى هذا حلّل مالك المتقذرات كالحيات والعقارب والخنافس ونحوها . ومذهب الشافعيّ رحمه الله أن الطيبات هي من جهة الطعم إلا أن اللفظة عنده ليست على عمومها لأن عمومها بهذا الوجه من الطعم يقتضي تحليل الخمر والخنزير ، بل يراها مختصة فيما حَلَّله الشرع . ويرىٰ الخبائث لفظاً عاماً في المحرمات بالشرع وفي المتقذرات فيحرم العقارب والخنافس والوزغ وما جرىٰ هذا المجرىٰ . والناس على هذين القولين ، وقد تقدّم في « البقرة » هذا المعنىٰ . السابعة : قوله تعالىٰ : { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } الإصر : الثقل قاله مجاهد وقتادة وابن جبير . والإصر أيضاً : العهد قاله ابن عباس والضحاك والحسن . وقد جمعت هذه الآية المعنيين ، فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال كغسل البول ، وتحليل الغنائم ومجالسة الحائض ومؤاكلتها ومضاجعتها فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه . وروي : جلد أحدهم . وإذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها ، وإذا حاضت المرأة لم يقربوها ، إلى غير ذلك مما ثبت في الحديث الصحيح وغيره . الثامنة : قوله تعالىٰ : { وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } فالأغلال عبارة مستعارة لتلك الأثقال . ومن الأثقال ترك الاشتغال يوم السبت فإنه يروى أن موسىٰ عليه السلام رأىٰ يوم السبت رجلاً يحمل قصباً فضرب عنقه . هذا قول جمهور المفسرين . ولم يكن فيهم الدّية ، وإنما كان القصاص . وأمِروا بقتل أنفسهم علامة لتوبتهم ، إلى غير ذلك . فشبه ذلك بالأغلال كما قال الشاعر : @ فليس كعهد الدار يا أم مالك لكن أحاطت بالرقاب السلاسل وعادَ الفتىٰ كالكَهْل ليس بقائل سوىٰ العدل شيئاً فٱستراح العواذلُ @@ فشبه حدود الإسلام وموانِعه عن التخطي إلى المحظورات بالسلاسل المحيطات بالرقاب . ومن هذا المعنى قول أبي أحمد بن جحش لأبي سفيان : @ إذهب بها إذهب بها طُوِّقتَها طوقَ الحمامة @@ أي لزمك عارها . يقال : طوّق فلان كذا إذا لزمه . التاسعة : إن قيل : كيف عطف الأغلال وهو جمع على الإصر وهو مفرد فالجواب أن الإصر مصدر يقع على الكثرة . وقرأ ابن عامر « آصارهم » بالجمع : مثل أعمالهم . فجمعه لاختلاف ضروب المآثم . والباقون بالتوحيد لأنه مصدر يقع على القليل والكثير من جنسه مع إفراد لفظه . وقد أجمعوا على التوحيد في قوله : { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } [ البقرة : 286 ] . وهكذا كلما يرد عليك من هذا المعنىٰ مثل { وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ } [ البقرة : 7 ] . { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } [ إبراهيم : 43 ] . و { مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } [ الشورىٰ : 45 ] . كله بمعنى الجمع . العاشرة : قوله تعالىٰ : { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ } أي وقروه ونصروه . قال الأخفش : وقرأ الجحدريّ وعيسىٰ « وعَزرُوه » بالتخفيف . وكذا « وَعَزَرْتُمُوهُمْ » . يقال : عَزَره يَعْزِره ويعزِّرُهُ . و { ٱلنُّورَ } القرآن و « الفَلاَحُ » الظفر بالمطلوب . وقد تقدّم هذا .