Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 16-17)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث مسائل : الأولىٰ قوله تعالىٰ : { فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } الإغواء إيقاعُ الغيّ في القلب أي فبما أوقعت في قلبي من الغيّ والعِناد والاستكبار . وهذا لأن كفر إبليس ليس كفر جهل ، بل هو كفر عناد وٱستكبار . وقد تقدّم في « البقرة » . قيل : معنىٰ الكلام القسَمُ ، أي فبإغوائك إياي لأقعدنّ لهم على صراطك ، أو في صراطك فحذف . دليل هذا القول قوله في صۤ : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ صۤ : 82 ] فكأن إبليسَ أعظَم قدر إغواء الله إياه لما فيه من التسليط على العباد ، فأقسم به إعظاماً لقدره عنده . وقيل : الباء بمعنىٰ اللام ، كأنه قال : فلإغوائك إياي . وقيل : هي بمعنىٰ مع ، والمعنىٰ فمع إغوائك إياي . وقيل : هو ٱستفهام ، كأنه سأل بأيّ شيء أغواه ؟ . وكان ينبغي على هذا أن يكون : فَبِم أغويتني ؟ . وقيل : المعنىٰ فبما أهلكتني بلعنك إياي . والإغواء الإهلاك ، قال الله تعالىٰ : { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } [ مريم : 59 ] أي هلاكاً . وقيل : فبما أضللتني . والإغواء : الإضلال والإبعاد قاله ابن عباس . وقيل : خيّبتني من رحمتك ومنه قول الشاعر : @ ومن يَغْولا يعدم على الغي لائماً @@ أي من يَخِب . وقال ابن الأعرابيّ : يقال غَوَىٰ الرجل يغَوِي غَيّاً إذا فسد عليه أمره ، أو فسد هو في نفسه . وهو أحَد معاني قوله تعالىٰ : { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 124 ] أي فسد عيشه في الجنة . ويقال : غوِي الفصيل إذا لم يدِرّ لبن أمه . الثانية مذهب أهل السنة أن الله تعالىٰ أضلّه وخلق فيه الكفر ، ولذلك نسب الإغواء في هذا إلى الله تعالىٰ . وهو الحقيقة ، فلا شيء في الوجود إلا وهو مخلوق له ، صادر عن إرادته تعالىٰ . وخالف الإمامية والقدرية وغيرهما شيخهم إبليس الذي طاوعوه في كل ما زينَّه لهم ، ولم يطاوعوه في هذه المسألة ويقولون : أخطأ إبليسُ ، وهو أهل للخطأ حيث نسب الغواية إلى ربه ، تعالىٰ الله عن ذلك . فيقال لهم : وإبليس وإن كان أهلاً للخطأ فما تصنعون في نبيّ مكرم معصومٍ . وهو نوح عليه السلام حيث قال لقومه : { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ هود : 34 ] وقد روي أن طاوساً جاءه رجل في المسجد الحرام ، وكان متهماً بالقَدر ، وكان من الفقهاء الكبار فجلس إليه فقال له طاوس : تقوم أو تُقام ؟ فقيل لطاوس : تقول هذا لرجل فقيه ٰ فقال : إبليس أفقه منه ، يقول إبليس : ربِّ بما أغويتني . ويقول هذا : أنا أُغْوِي نفسي . الثالثة قوله تعالىٰ : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } أي بالصّدّ عنه ، وتزيين الباطل حتى يهلكوا كما هلك ، أو يضلوا كما ضل ، أو يُخَيَّبوا كما خُيِّب حسب ما تقدم من المعاني الثلاثة في « أَغْوَيْتَنِي » . والصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى الجنة ، و « صِرَاطَكَ » منصوب على حذف « علىٰ » أو « في » من قوله : « صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ » كما حكىٰ سيبويه « ضرب زيد الظهر والبطن » . وأنشد : @ لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِل مَتْنُه فيه كما عَسَل الطريقَ الثَّعْلَبُ @@ ومن أحسن ما قيل في تأويل { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } أي لأصدّنّهم عن الحق ، وأرغبنهم في الدنيا ، وأشككهم في الآخرة . وهذا غاية في الضلالة . كما قال : { وَلأُضِلَّنَّهُمْ } حسب ما تقدم . وروىٰ سفيان عن منصور عن الحكم بن عُتَيْبَة قال : « مِنْ بَيْنَ أَيْدِيِهِمْ » من دنياهم . « وَمِنْ خَلْفِهِمْ » من آخرتهم . « وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ » يعني حسناتهم . « وَعَنْ شَمَائِلِهمْ » يعني سيئاتهم . قال النحاس : وهذا قول حسن وشرحه : أن معنىٰ « ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنَ أَيْدِيهمْ » من دنياهم ، حتى يكذِّبوا بما فيها من الآيات وأخبار الأمم السالفة « وَمِنْ خَلْفِهِمْ » من آخرتهم حتي يكذِّبوا بها . « وَعَنْ أَيْمَانِهِم » من حسناتهم وأمور دينهم . ويدل على هذا قوله : { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } [ الصافات : 28 ] . « وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ » يعني سيئاتهم ، أي يتبعون الشهوات لأنه يزينها لهم . { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } أي موحِّدين طائعين مظهرين الشكر .