Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 206-206)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثمان مسائل : الأُولى قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } يعني الملائكة بإجماع . وقال « عِنْدَ رَبِّكَ » والله تعالى بكل مكان لأنهم قريبون من رحمته ، وكل قريب من رحمة الله عز وجل فهو عنده عن الزجاج . وقال غيره : لأنهم في موضع لا ينفذ فيه إلا حكم الله . وقيل : لأنهم رُسُل الله كما يقال : عند الخليفة جيش كثير . وقيل : هذا على جهة التشريف لهم ، وأنهم بالمكان المكرم فهو عبارة عن قربهم في الكرامة لا في المسافة . { وَيُسَبِّحُونَهُ } أي ويعظمونه وينزهونه عن كل سوء . { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } قيل : يصلون . وقيل : يَذِلّون ، خلاف أهل المعاصي . الثانية والجمهور من العلماء في أن هذا موضعُ سجود للقارىء . وقد ٱختلفوا في عدد سجود القرآن فأقصى ما قيل : خمس عشرة . أوّلها خاتمة الأعراف ، وآخرها خاتمة العَلَق . وهو قول ٱبن حبيب وٱبن وهب في رواية وإسحاق . ومن العلماء من زاد سجدة الحِجْر قوله تعالى : { وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [ الحجر : 98 ] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . فعلى هذا تكون ست عشرة . وقيل : أربع عشرة قاله ابن وهب في الرواية الأُخرى عنه . فأسقط ثانية الحج . وهو قول أصحاب الرأي ، والصحيح سقوطها لأن الحديث لم يصح بثبوتها . ورواه ابن ماجه وأبو داود في سننهما عن عبد الله بن مُنين من بني عبد كُلال عن عمرو بن العاص : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصّل ، وفي الحج سجدتان . وعبد الله بن مُنين لا يحتج به قاله أبو محمد عبد الحق . وذكر أبو داود أيضاً من حديث " عقبة بن عامر قال قلت : يا رسول الله ، أفي سورة الحج سجدتان ؟ . قال : « نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما » " في إسناده عبد الله بن لَهِيعة ، وهو ضعيف جداً . وأثبتهما الشافعيّ وأسقط سجدة ص . وقيل : إحدى عشرة سجدة ، وأسقط آخرة الحج وثلاث المفصل . وهو مشهور مذهب مالك . وروي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما . وفي سنن ٱبن ماجه عن أبي الدرداء قال : سجدت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء ، الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج سجدة والفرقان وسليمان سورة النمل والسجدة وصۤ وسجدة الحواميم . وقيل : عشر ، وأسقط آخرة الحج وصۤ وثلاث المفصل ذُكر عن ابن عباس . وقيل : إنها أربع ، سجدة آلۤم تنزيل وحم تنزيل والنجم والعلق . وسبب الخلاف اختلاف النقل في الأحاديث والعمل ، واختلافهم في الأمر المجرّد بالسجود في القرآن ، هل المراد به سجود التلاوة أو سجود الفرض في الصلاة ؟ الثالثة واختلفوا في وجوب سجود التلاوة فقال مالك والشافعيّ : ليس بواجب . وقال أبو حنيفة : هو واجب . وتعلّق بأن مطلق الأمر بالسجود على الوجوب ، وبقوله عليه السلام : " إذا قرأ ٱبن آدم سجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا وَيْلَه " وفي رواية أبي كُرَيب « يا ويلِي » ، وبقوله عليه السلام إخباراً عن إبليس لعنه الله : " أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار " أخرجه مسلم . ولأن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليه . وعوّل علماؤنا على حديث عمر الثابت خرّجه البخاري أنه قرأ آية سجدة على المِنبر فنزل فسجد وسجد الناس معه ، ثم قرأها في الجمعة الأُخرى فتهيأ الناس للسجود ، فقال : " أيها الناس على رِسْلكم ! إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء " وذلك بمحضر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من الأنصار والمهاجرين . فلم ينكر عليه أحد فثبت الإجماع به في ذلك . وأما قوله : " أُمِر ابن آدم بالسجود " فإخبار عن السجود الواجب . ومواظبة النبيّ صلى الله عليه وسلم تدل على الاستحباب ! والله أعلم . الرابعة ولا خلاف في أن سجود القرآن يحتاج إلى ما تحتاج إليه الصلاة من طهارة حَدَث ونَجس ونيةٍ واستقبالِ قبلة ووقت . إلا ما ذكر البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير طهارة . وذكره ابن المنذر عن الشعبيّ . وعلى قول الجمهور هل يحتاج إلى تحريم ورفع يدين عنده وتكبير وتسليم ؟ اختلفوا في ذلك فذهب الشافعيّ وأحمد وإسحاق إلى أنه يكبر ويرفع للتكبير لها . وقد روى في الأثر عن ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد كبّر ، وكذلك إذا رفع كبّر . ومشهور مذهب مالك أنه يكبر لها في الخفض والرفع في الصلاة . وٱختلف عنه في التكبير لها في غير الصلاة وبالتكبير لذلك قال عامّة الفقهاء ، ولا سلام لها عند الجمهور . وذهب جماعة من السلف وإسحاق إلى أنه يسلم منها . وعلى هذا المذهب يتحقق أن التكبير في أوّلها للإحرام . وعلى قول من لا يسلم يكون للسجود فحسب . والأوّل أولى لقوله عليه السلام : " مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " وهذه عبادة لها تكبير ، فكان لها تحليل كصلاة الجنازة بل أولى ، لأنها فعل وصلاة الجنازة قول . وهذا اختيار ابن العربيّ . الخامسة وأما وقته فقيل : يسجد في سائر الأوقات مطلقاً لأنها صلاة لسبب . وهو قول الشافعيّ وجماعة . وقيل : ما لم يُسْفِر الصبح ، أو ما لم تصفرّ الشمس بعد العصر . وقيل : لا يسجد بعد الصبح ولا بعد العصر . وقيل : يسجد بعد الصبح ولا يسجد بعد العصر . وهذه الثلاثة الأقوال في مذهبنا . وسبب الخلاف معارضة ما يقتضيه سبب قراءة السجدة من السجود المرتّب عليها لعموم النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح . وٱختلافهم في المعنى الذي لأجله نُهي عن الصلاة في هذين الوقتين ، والله أعلم . السادسة " فإذا سجد يقول في سجوده : « اللَّهُمَّ ٱحطط عني بها وِزْراً ، واكتب لي بها أجراً ، واجعلها لي عندك ذخراً » " رواه ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكره ابن ماجه . السابعة فإن قرأها في صلاة ، فإن كان في نافلة سجد إن كان منفرداً أو في جماعة وأمن التخليط فيها . وإن كان في جماعة لا يأمن ذلك فيها فالمنصوص جوازه . وقيل : لا يسجد . وأما في الفريضة فالمشهور عن مالك النّهيُ عنه فيها ، سواء كانت صلاة سر أو جهر ، جماعة أو فرادى . وهو معلّل بكونها زيادة في أعداد سجود الفريضة . وقيل : معلّل بخوف التخليط على الجماعة وهذا أشبه . وعلى هذا لا يمنع منه الفرادى ولا الجماعة التي يأمن فيها التخليط . الثامنة روى البخاريّ عن أبي رافع قال : صلّيت مع أبي هريرة العَتَمة ، فقرأ « إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ » فسجد فقلت : ما هذه ؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه . انفرد بإخراجه . وفيه : « وقيل لعمران بن حُصين : الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها ؟ قال : أرأيت لو قعد لهاٰ كأنه لا يوجبه عليه . وقال سَلْمان : ما لهذا غدونا . وقال عثمان : إنما السجدة على من ٱستمعها . وقال الزُّهريّ : لا يسجد إلا أن يكون طاهراً ، فإذا سجدت وأنت في حَضَر فاستقبل القبلة ، فإن كنت راكباً فلا عليك حيث كان وجهك . وكان السائب لا يسجد لسجود القاص » والله أعلم .