Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قرأ نافع وابن عامر « سَالَ سَايل » بغير همزة . الباقون بالهمز . فمن همز فهو من السؤال . والباء يجوز أن تكون زائدة ، ويجوز أن تكون بمعنى عن . والسؤال بمعنى الدعاء أي دعا داع بعذاب عن ابن عباس وغيره . يقال : دعا على فلان بالويل ، ودعا عليه بالعذاب . ويقال : دعوت زيداً أي التمست إحضاره . أي التَمَسَ ملتمِسٌ عذاباً للكافرين وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامة . وعلى هذا فالباء زائدة كقوله تعالى : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] ، وقوله . { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } [ مريم : 25 ] فهي تأكيد . أي سأل سائل عذاباً واقعاً . { لِّلْكَافِرِينَ } أي على الكافرين . وهو النضر بن الحارث حيث قال : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] فنزل سؤاله ، وقُتل يوم بدرٍ صبراً هو وعقبة بن أبي مُعيط لم يُقْتل صبراً غيرُهما قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان والفِهْرِيّ . وذلك أنه لما بلغه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في عليّ رضي الله عنه : " مَنْ كنتُ مَوْلاَه فعليٌّ مولاه " ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلٰه إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك ، وأن نصلّي خمساً فقبلناه منك ، ونزكي أموالنا فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك ، وأن نَحُجّ فقبلناه منك ، ثم لم ترض بهذا حتى فَضَّلْتَ ابن عمك عليناٰ أفهذا شيء منك أم من الله ؟ ٰ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " والله الذي لا إلٰه إلا هو ما هو إلا من الله " فولّى الحارث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله فنزلت : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } الآية . وقيل : إن السائل هنا أبو جهل وهو القائل لذلك ، قاله الربيع . وقيل : إنه قول جماعة من كفار قريش . وقيل : هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين . وقيل : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دعا عليه السلام بالعقاب وطلب أن يوقعه الله بالكفار وهو واقع بهم لا محالة . وامتدّ الكلام إلى قوله تعالى : { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } أي لا تستعجل فإنه قريب . وإذا كانت الباء بمعنى عن وهو قول قتادة فكأن سائلاً سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع . قال الله تعالى : { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [ الفرقان : 59 ] أي سل عنه . وقال علقمة : @ فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبِيب @@ أي عن النساء . ويقال : خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب ولمن يكون فقال الله : { لِّلْكَافِرِينَ } . قال أبو علي وغيره : وإذا كان السؤال فأصله أن يتعدَّى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما . وإذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدّى إليه بحرف جَرّ فيكون التقدير سأل سائل النبيّ صلى الله عليه وسلم أو المسلمين بعذاب أو عن عذاب . ومن قرأ بغير همز فله وجهان : أحدهما أنه لغة في السؤال وهي لغة قريش تقول العرب : سال يسال مثل نال ينال وخاف يخاف . والثاني أن يكون من السيلان ويؤيده قراءة ابن عباس « سال سَيْل » . قال عبد الرحمن بن زيد : سال وادٍ من أودية جهنم يقال له : سائل وهو قول زيد بن ثابت . قال الثعلبي : والأوّل أحسن كقول الأعشى في تخفيف الهمزة : @ سالتاني الطلاق إذ رأتاني قَلّ مالي قد جئتماني بنُكْر @@ وفي الصحاح : قال الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . وقد تخفف همزته فيقال سال يسال وقال : @ ومُرْهقٍ سال إمتاعاً بأُصْدَتِه لم يَسْتَعن وحَوامِي المَوْتِ تغشاه @@ المرهق : الذي أدرك ليقتل . والأُصدة بالضم : قميص صغير يلبس تحت الثوب . المهدويّ : من قرأ « سال » جاز أن يكون خفّف الهمزة بإبدالها ألفاً ، وهو البدل على غير قياس . وجاز أن تكون الألف منقلبة عن واو على لغة من قال : سِلت أسال كخفت أخاف . النحاس : حكى سيبويه سِلت أسال مثل خفت أخاف بمعنى سألت . وأنشد : @ سالَتْ هُذَيلٌ رسولَ الله فاحشةً ضَلّتْ هذيلٌ بما سالتْ ولم تُصِبِ @@ ويقال : هما يتساولان . المهدوي : وجاز أن تكون مبدلة من ياء ، من سال يسيل . ويكون سايل وادياً في جهنم فهمزة سايل على القول الأوّل أصلية ، وعلى الثاني بدل من واو ، وعلى الثالث بدل من ياء . القشيري : وسائل مهموز لأنه إن كان من سأل بالهمز فهو مهموز ، وإن كان من غير الهمز كان مهموزاً أيضاً نحو قائل وخائف لأن العين اعتلّ في الفعل واعتل في اسم الفاعل أيضا . ولم يكن الاعتلال بالحذف لخوف الالتباس ، فكان بالقلب إلى الهمزة ، ولك تخفيف الهمزة حتى تكون بين بين . { وَاقِعٍ } أي يقع بالكفار ، بيّن أنه من الله ذي المعارج . وقال الحسن : أنزل الله تعالى : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } فقال لمن هو ؟ فقال للكافرين فاللام في الكافرين متعلقة بـ « واقع » . وقال الفرّاء : التقدير بعذاب للكافرين واقع فالواقع من نعت العذاب ، واللام دخلت للعذاب لا للواقع ، أي هذا العذاب للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد . وقيل إن اللام بمعنى على ، والمعنى : واقع على الكافربن . ورُوي أنها في قراءة أُبيّ كذلك . وقيل : بمعنى عن أي ليس له دافع عن الكافرين من الله . أي ذلك العذاب من الله ذي المعارج أي ذي العلوّ والدرجات الفواضل والنِّعم قاله ابن عباس وقتادة . فالمعارج مراتب إنعامه على الخلق . وقيل ذي العظمة والعلاء . وقال مجاهد : هي معارج السماء . وقيل : هي معارج الملائكة لأن الملائكة تعرج إلى السماء فوصف نفسه بذلك . وقيل : المعارج الغرف أي إنه ذو الغُرف ، أي جعل لأوليائه في الجنة غرفاً . وقرأ عبد الله « ذي المعاريج » بالياء . يقال : معرج ومعراج ومعارج ومعاريج مثل مفتاح ومفاتيح . والمعارج الدرجات ومنه : { وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } [ الزخرف : 33 ] . { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ } أي تَصْعَد في المعارج التي جعلها الله لهم . وقرأ ابن مسعود وأصحابه والسُّلّمِيّ والكسائي « يَعْرُجُ » بالياء على إرادة الجمع ولقوله : ذكِّروا الملائكة ولاتؤنثوهم . وقرأ الباقون بالتاء على إرادة الجماعة . « وَالرُّوحُ » جبريل عليه السلام قاله ابن عباس . دليله قوله تعالى : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [ الشعراء : 193 ] . وقيل : هو مَلَك آخر عظيم الخِلقة . وقال أبو صالح : إنه خَلْقٌ من خَلْق الله كهيئة الناس وليس بالناس . قال قَبِيصة بن ذُؤَيْب : إنه روح الميت حين يقُبض . { إِلَيْهِ } أي إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء لأنها محل بِرّه وكرامته . وقيل : هو كقول إبراهيم { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي } [ الصافات : 99 ] . أي إلى الموضع الذي أمرني به . وقيل : « إلَيْهِ » أي إلى عرشه . { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال وهب والكلبي ومحمد بن إسحاق : أي عروج الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم في وقت كان مقداره على غيرهم لو صَعِد خمسين ألف سنة . وقال وهب أيضاً : ما بين أسفل الأرض إلى العرش مسيرة خمسين ألف سنة . وهو قول مجاهد . وجمع بين هذه الآية وبين قوله : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } [ السجدة : 5 ] في سورة السجدة ، فقال : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } من منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات خمسون ألف سنة . وقوله تعالى في : الۤم تنزيل : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } يعني بذلك نزول الأمر من سماء الدنيا إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقدار ألف سنة ، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام . وعن مجاهد أيضاً والحَكَم وعِكْرمة : هو مدّة عمر الدنيا من أوّل ما خلقت إلى آخر ما بقي خمسون ألف سنة . لا يدري أحدٌ كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل . وقيل : المراد يوم القيامة ، أي مقدار الحُكْم فيه لو تولاه مخلوق خمسون ألف سنة ، قاله عكرمة أيضا والكلبي ومحمد بن كعب . يقول سبحانه وتعالى وأنا أفرغ منه في ساعة . وقال الحسن : هو يوم القيامة ، ولكن يوم القيامة لا نفاد له . فالمراد ذكر موقفهم للحساب فهو في خمسين ألف سنة من سِني الدنيا ، ثم حينئذ يستقر أهل الدارين في الدارين . وقال يَمَان : هو يوم القيامة ، فيه خمسون موطناً كل موطن ألف سنة . وقال ابن عباس : هو يوم القيامة ، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ، ثم يدخلون النار للاستقرار . قلت : وهذا القول أحسن ما قيل في الآية إن شاء الله ، بدليل ما رواه قاسم بن أصْبَغ " من حديث أبي سعيد الخُدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » . فقلت : ما أطول هذاٰ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة المكتوبة يصلّيها في الدنيا » " واستدّل النحاس على صحة هذا القول بما رواه سُهيل عن أبيه عن أبي هريرة : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من رجل لم يؤدّ زكاة ماله إلا جعل شجاعاً من نار تكوي به جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس " قال : فهذا يدل على أنه يوم القيامة . وقال إبراهيم التيمي : ما قدر ذلك اليوم على المؤمن إلا قدر ما بين الظهر والعصر . وروي هذا المعنى مرفوعاً من حديث معاذ : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يحاسبكم الله تعالى بمقدار ما بين الصلاتين ولذلك سَمّى نفسه سريع الحساب وأسرع الحاسبين " ذكره الماورديّ . وقيل : بل يكون الفراغ لنصف يوم ، كقوله تعالى : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } [ الفرقان : 24 ] . وهذا على قدر فَهم الخلائق ، وإلا فلا يشغله شأن عن شأن . وكما يرزقهم في ساعة كذا يحاسبهم في لحظة ، قال الله تعالى : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] . وعن ابن عباس أيضاً أنه سئل عن هذه الآية وعن قوله تعالى : { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } فقال : أيام سَمّاها الله عز وجل هو أعلم بها كيف تكون ، وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم . وقيل : معنى ذكر خمسين ألف سنة تمثيل ، وهو تعريف طول مدّة القيامة في الموقف ، وما يلقى الناس فيه من الشدائد . والعرب تصف أيام الشدّة بالطول ، وأيام الفرح بالقِصر قال الشاعر : @ ويومٍ كظِلّ الرُّمْح قَصَّرَ طولَه دَمُ الزِّق عنّا واصطفاق المزاهر @@ وقيل : في الكلام تقديم وتأخير والمعنى : سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له من الله دافع ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه . وهذا القول هو معنى ما اخترناه ، والموفق الإلٰه .