Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه خمس مسائل : الأولى قوله تعالى : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ } أي قل يا محمد لأمتك : أَوْحَى الله إليّ على لسان جبريل { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } إليّ { نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } وما كان عليه السلام عالماً به قبل أن أوحي إليه . هكذا قال ٱبن عباس وغيره على ما يأتي . وقرأ ٱبن أبي عَبْلة « أحِيَ » على الأصل يقال : أَوحَى إليه ووحَى ، فقلبت الواو همزة ومنه قوله تعالى : { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } [ المرسلات : 11 ] وهو من القلب المطلق جوازه في كل واو مضمومة . وقد أطلقه المازنيّ في المكسورة أيضاً كإشاح وإسادة و « إِعَاءِ أَخِيهِ » ونحوه . الثانية وٱختُلِف هل رآهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فظاهر القرآن يدل على أنه لم يرهم لقوله تعالى : { ٱسْتَمَعَ } ، وقوله تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ } . وفي صحيح مسلم والترمذي عن ٱبن عباس قال : ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنّ وما رآهم ، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سُوق عُكَاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشُهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا : ما لكم ؟ قالوا : حِيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشُّهب ! قالوا : ما ذاك إلا من شيء حدث ، فٱضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فٱنظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء ؟ فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها ، فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تِهامة وهو بنخلة عامدين إلى سُوق عُكَاظ ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن ٱستمعوا له وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء . فرجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } فأنزل الله عز وجل على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } . رواه الترمذي عن ٱبن عباس قال : " قول الجنّ لقومهم { لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } قال : لما رأوه يصلّي وأصحابه يصلّون بصلاته فيسجدون بسجوده قال : تعجّبوا من طواعية أصحابه له ، قالوا لقومهم : « لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا » " قال : هذا حديث حسن صحيح ففي هذا الحديث دليل على أنه عليه السلام لم ير الجنّ ولكنهم حضروه ، وسمعوا قراءته . وفيه دليل على أن الجنّ كانوا مع الشياطين حين تجسسوا الخبر بسبب الشياطين لما رُمُوا بالشّهب . وكان المرميّون بالشّهب من الجنّ أيضاً . وقيل لهم شياطين كما قال : " شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ " فإن الشيطان كل متمرّد وخارج عن طاعة الله . وفي الترمذي عن ٱبن عباس قال : " كان الجنّ يصعدون إلى السماء يستمعون إلى الوَحْي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً ، فأما الكلمة فتكون حقًّا ، وأما ما زادوا فيها ، فيكون باطلاً . فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنِعوا مقاعدهم ، فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يُرمى بها قبل ذلك ، فقال لهم إبليس : ما هذا الأمر إلا من أمر قد حدث في الأرض ! فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلّي بين جبلين أراه قال بمكة فأتوه فأخبروه فقال : هذا الحَدث الذي حدث في الأرض . قال : هذا حديث حسن صحيح . فدلّ هذا الحديث على أن الجنّ رموا كما رُميت الشياطين " وفي رواية السُّديّ : أنهم لما رُموا أتوا إبليس فأخبروه بما كان من أمرهم فقال : أيتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمّها فأتوه فشمّ فقال : صاحبكم بمكة . فبعث نفراً من الجنّ ، قيل : كانوا سبعة . وقيل : تسعة منهم زَوْبعة . وروى عاصم عن زِرّ قال : قدم رهط زوبعة وأصحابه على النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال الثُّماليّ : بلغني أنهم من بني الشَّيْصَبَان ، وهم أكثر الجنّ عدداً ، وأقواهم شوكة ، وهم عامة جنود إبليس . ورَوي أيضاً عاصم عن زرّ : أنهم كانوا سبعة نفر ثلاثة من أهل حَرَّان وأربعة من أهل نَصِيبين . وحكي جُويبر عن الضحاك : أنهم كانوا تسعة من أهل نَصِيبين قرية باليمن غير التي بالعراق . وقيل : إن الجنّ الذين أتوا مكة جنّ نصِيبين ، والذين أتوه بنخلة جنّ نِيْنَوَى . وقد مضى بيان هذا في سورة « الأحقاف » . قال عِكرمة : والسورة التي كان يقرؤها رسول الله صلى الله عليه وسلم { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [ العلق : 1 ] وقد مضى في سورة « الأحقاف » التعريف بٱسم النفر من الجنّ ، فلا معنى لإعادة ذلك . وقيل : إن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى الجنّ ليلة الجنّ وهو أثبت " روى عامر الشّعبي قال : سألت علقمة هل كان ٱبن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ ؟ فقال علقمة : أنا سألت ٱبن مسعود فقلت : هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ ؟ قال : لا ، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه ، فالتمسناه في الأودية والشِّعاب ، فقلنا ٱسْتُطير أو ٱغتيل ، قال : فبتنا بشِّر ليلة بات بها قوم ، فلما أصبح إذا هو يجيء من قبل حِرَاء ، فقلنا : يا رسول الله ! فقدناك وطلبناك فلم نجدك ، فبتنا بشرِّ ليلة بات بها قوم فقال : « أتاني داعي الجنّ فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن » فٱنطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد وكانوا من جنّ الجزيرة ، فقال : « لكم كلُّ عَظْم ذُكر ٱسم الله عليه يقع في أيديكم أوْفَرَ ما يكون لحماً ، وكلُّ بَعْرة عَلفٌ لدوابكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تستنجُوا بهما ، فإنهما طعام إخوانكم الجنّ » " قال ٱبن العربي : وٱبن مسعود أعرف من ٱبن عباس لأنه شاهده وٱبن عباس سمعه وليس الخبر كالمعاينة . وقد قيل : إن الجنّ أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعتين : إحداهما بمكة وهي التي ذكرها ٱبن مسعود ، والثانية بنخلة وهي التي ذكرها ٱبن عباس . قال البيهقيّ : الذي حكاه عبد الله بن عباس إنما هو في أوّل ما سمعت الجنّ قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم وعلمت بحاله ، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم كما حكاه ، ثم أتاه داعي الجنّ مرة أخرى فذهب معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه عبد الله بن مسعود . قال البيهقي : والأحاديث الصحاح تدل على أن ٱبن مسعود لم يكن مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ ، وإنما سار معه حين انطلق به وبغيره يريه آثار الجنّ وآثار نيرانهم . قال : وقد رُوي من غير وجه أنه كان معه ليلتئذ ، وقد مضى هذا المعنى في سورة « الأحقاف » والحمد لله . روي عن ٱبن مسعود أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أتلوا القرآن على الجنّ فمن يذهب معي ؟ » فسكتوا ، ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة ، ثم قال عبد الله بن مسعود : أنا أذهب معك يا رسول الله ، فانطلق حتى جاء الحَجُون عند شِعْب أبي دُبّ فخطّ عليَّ خطّا فقال : « لا تجاوزه » ثم مضى إلى الحَجُون فانحدر عليه أمثالُ الحَجَل يحدرون الحجارة بأقدامهم ، يمشون يقرعون في دُفوفهم كما تَقرْع النِّسوة في دُفوفها ، حتى غَشَوه فلا أراه ، فقمت فأوْمَى إليّ بيده أن أجلس ، فتلا القرآن فلم يزل صوته يرتفع ، ولصقوا بالأرض حتى ما أراهم ، فلما ٱنفتل إليّ قال : « أردتَ أن تأتيني » ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : « ما كان ذلك لك ، هؤلاء الجنّ أتوا يستمعون القرآن ، ثم ولّوا إلى قومهم منذرين فسألوني الزاد فزوّدتهم العظم والبعر فلا يَستطِيبَنّ أحدكم بعظم ولا بعر " قال عكرمة : وكانوا ٱثني عشر ألفاً من جزيرة الموصل . وفي رواية : " ٱنطلق بي عليه السلام حتى إذا جئنا المسجد الذي عند حائط عوف خَطّ لي خطَّا ، فأتاه نفر منهم فقال أصحابنا كأنهم رجال الزط وكأن وجوههم المَكَاكي ، فقالوا : ما أنت ؟ قال : « أنا نبيّ الله » قالوا : فمن يشهد لك على ذلك ؟ قال : « هذه الشجرة » فقال : « يا شجرة » فجاءت تجرّ عروقها ، لها قعاقع حتى أنتصبت بين يديه ، فقال : « على ماذا تشهدين » قالت : أشهد أنك رسول الله . فرجعت كما جاءت تجرّ بعروقها الحجارة ، لها قعاقع حتى عادت كما كانت . ثم روي . أنه عليه السلام لما فرغ وضع رأسه على حجِر ٱبن مسعود فرقد ثم ٱستيقظ فقال : « هل من وضوء » قال : لا ، إلا أن معي إداوة فيها نبيذ . فقال : « هل هو إلا تمر وماء » فتوضأ منه " . الثالثة قد مضى الكلام في الماء في سورة « الحجر » وما يستنجَى به في سورة « براءة » فلا معنى للإعادة . الرابعة وٱختلَف أهل العلم ، في أصل الجنّ فروى إسماعيل عن الحسن البصريّ : أن الجنّ ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون ، وهم شركاء في الثواب والعقاب . فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمناً فهو وليّ الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراً فهو شيطان . وروى الضحاك عن ٱبن عباس : أن الجّن هم ولد الجان وليسوا بشياطين ، وهم يؤمنون ومنهم المؤمن ومنهم الكافر ، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس . وٱختلفوا في دخول مؤمني الجن الجنة ، على حسب الاختلاف في أصلهم . فمن زعم أنهم من الجان لا من ذرّية إبليس قال : يدخلون الجنة بإيمانهم . ومن قال : إنهم من ذرّية إبليس فلهم فيه قولان : أحدهما وهو قول الحسن يدخلونها . الثاني وهو رواية مجاهد لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار . حكاه الماورديّ . وقد مضى في سورة « الرحمن » عند قوله تعالى : { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 56 ] بيان أنهم يدخلونها . الخامسة قال البيهقي في روايته : " وسألوه الزاد وكانوا من جنّ الجزيرة فقال : « لكم كلُّ عظم » " دليل على أنهم يأكلون ويَطْعَمون . وقد أنكر جماعة من كفرة الأطباء والفلاسفة الجنّ ، وقالوا : إنهم بسائط ، ولا يصح طعامهم اجتراءً على الله وافتراءً ، والقرآن والسنة تردّ عليهم ، وليس في المخلوقات بسيط مركب مزدوج ، إنما الواحد الواحد سبحانه ، وغيره مركب وليس بواحد كيفما تصرف حاله . وليس يمتنع أن يراهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورهم كما يرى الملائكة . وأكثر ما يَتَصوّرون لنا في صور الحيات ففي الموطأ : أن رجلا حديث عهد بعُرس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار أن يرجع إلى أهله … الحديث ، وفيه : فإذا حيّة عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها . وذكر الحديث . وفي الصحيح أنه عليه السلام قال : " إن لهذه البيوت عوامر ، فإذا رأيتم منها شيئاً فحرِّجوا عليها ثلاثاً ، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر » . وقال : « أذهبوا فادفنوا صاحبكم " وقد مضى هذا المعنى في سورة « البقرة » وبيان التحريج عليهنّ . وقد ذهب قوم إلى أن ذلك مخصوص بالمدينة لقوله في الصحيح : " إن بالمدينة جِنًّا قد أسلموا " وهذا لفظ مختص بها فيختص بحكمها . قلنا : هذا يدل على أن غيرها من البيوت مثلها لأنه لم يُعَلَّل بحرمة المدينة ، فيكون ذلك الحكم مخصوصاً بها ، وإنما عُلِّل بالإسلام ، وذلك عامّ في غيرها ألا ترى قوله في الحديث مخبراً عن الجنّ الذي لقي : " وكانوا من جنّ الجزيرة " وهذا بيِّن يَعضُده قوله : " ونَهَى عن عوامر البيوت " ، وهذا عامّ . وقد مضى في سورة « البقرة » القول في هذا فلا معنى للإعادة . قوله تعالى : { فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } أي في فصاحة كلامه . وقيل : عَجَباً في بلاغة مواعظه . وقيل : عجباً في عظم بركته . وقيل : قرآنا عزيزاً لا يوجد مثله . وقيل : يعنون عظيماً . { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ } أي إلى مراشد الأمور . وقيل : إلى معرفة الله تعالى و « يَهْدِي » في موضع الصفة أي هادياً . { فَآمَنَّا بِهِ } أي فَٱهتدينا به وصدّقنا أنه من عند الله { وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } أي لا نرجع إلى إبليس ولا نطيعه لأنه الذي كان بعثهم ليأتوه بالخبر ، ثم رُمِي الجنّ بالشُّهب . وقيل لا نتخذ مع الله إلٰهاً آخر لأنه المتفرّد بالربوبية . وفي هذا تعجيب المؤمنين بذهاب مشركي قريش عما أدركته الجنّ بتدبرها القرآن . وقوله تعالى : { ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } أي ٱستمعوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلموا أن ما يقرؤه كلام الله . ولم يذكر المستمع إليه لدلالة الحال عليه . والنفر الرهط قال الخليل : ما بين ثلاثة إلى عشرة . وقرأ عيسى الثَّقفي « يَهْدِي إلَى الرَّشَدِ » بفتح الراء والشين . قوله تعالى : { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } كان عَلْقمة ويحيـى والأعمش وحمزة والكسائيّ وٱبن عامر وخَلَف وحفص والسّلمي ينصبون « أَنَّ » في جميع السورة في ٱثني عشر موضعاً ، وهو : { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } ، { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ } ، { وَأَنَّا ظَنَنَّآ } ، { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ } ، { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ } ، { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ } ، { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ } ، { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ } ، { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ } ، { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ } ، { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } ، { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ } ، عطفاً على قوله : { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ } ، { وَأَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } لا يجوز فيه إلا الفتح لأنها في موضع ٱسم فاعل « أُوحِيَ » فما بعده عليه . وقيل : هو محمول على الهاء في « آمَنَّا بِهِ » أي وبـ « ـأَنَّه تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا » وجاز ذلك وهو مضمر مجرور لكثرة حرف الجار مع « أنّ » . وقيل : المعنى أي وصدّقنا أنه جدّ ربنا . وقرأ الباقون كلَّها بالكسر وهو الصواب ، وٱختاره أبو عبيدة وأبو حاتم عطفاً على قوله : { فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا } لأنه كله من كلام الجنّ . وأما أبو جعفر وشيبة فإنهما فتحا ثلاثة مواضع وهي قوله تعالى : { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } ، { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ } ، { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ } ، قالا : لأنه من الوحي ، وكسرا ما بقي لأنه من كلام الجنّ . وأما قوله تعالى : { وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ } فكلهم فتحوا إلا نافعاً وشيبة وزرَّ بن حُبيش وأبا بكر والمفضّل عن عاصم ، فإنهم كسروا لا غير . ولا خلاف في فتح همزة { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } ، { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ } { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } ، { وَأَنْ قَدْ أَبْلَغُواْ } . وكذلك لا خلاق في كسرها ما بعد القول نحو قوله تعالى : « فقالوا إنا سمعنا » و { قَالَ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي } و { قُلْ إنْ أدْرِي } { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ } [ الجن : 21 ] وكذلك لا خلاف في كسر ما كان بعد فاء الجزاء نحو قوله تعالى : { فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } [ الجن : 23 ] و « فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ » لأنه موضع ٱبتداء . قوله تعالى : { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } الجدّ في اللغة : العظمة والجلال ومنه قوله أنس : كان الرجل إذا حفظ البقرة وآلِ عمران جَدّ في عيوننا أي عَظُم وجلّ . فمعنى : « جدُّ رَبِّنَا » أي عظمته وجلاله قاله عكرمة ومجاهد وقتادة . وعن مجاهد أيضاً : ذِكره . وقال أنس بن مالك والحسن وعكرمة أيضاً : غناه . ومنه قيل للحظ جَدُّ ، ورجل مجدود أي محظوظ وفي الحديث : " ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدّ " قال أبو عبيدة والخليل : أي ذا الغنى ، منك الغنى ، إنما تنفعه الطاعة . وقال ٱبن عباس : قدرته . الضحاك : فعله . وقال القُرظيّ والضحاك أيضاً : آلاؤهُ ونعمه على خلقه . وقال أبو عبيدة والأخفش : ملكه وسلطانه . وقال السديّ : أمره . وقال سعيد بن جُبير : { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } أي تعالى ربنا . وقيل : إنهم عَنَوا بذلك الجدّ الذي هو أب الأب ، ويكون هذا من قول الجنّ . وقال محمد بن علي بن الحسين وٱبنه جعفر الصادق والربيع : ليس لله تعالى جَدّ ، وإنما قالته الجنّ للجهالة ، فلم يؤاخذوا به . وقال القشيريّ : ويجوز إطلاق لفظ الجدّ في حق الله تعالى إذ لو لم يجز لما ذكر في القرآن ، غير أنه لفظ مُوهِم ، فتجنُّبُه أولى . وقراءة عِكرمة « جِدّ » بكسر الجيم : على ضد الهزل . وكذلك قرأ أبو حَيْوة ومحمد بن السَّمَيْقع . ويروى عن ٱبن السَّمَيقع أيضاً وأبي الأشهب « جَدَا رَبِّنَا » ، وهو الجدوى والمنفعة . وقرأ عكرمة أيضاً « جَدًّا » بالتنوين « رَبُّنَا » بالرفع على أنه مرفوع ، بـ « ـتعالى » ، و « جَدًّا » منصوب على التمييز . وعن عكرمة أيضاً « جَدٌّ » بالتنوين والرفع « رَبُّنَا » بالرفع على تقدير : تعالى جَدٌّ جَدُّ رَبِّنا فجدّ الثاني بدل من الأوّل وحذف وأقيم المضاف إليه مقامه . ومعنى الآية : وأنه تعالى جلال ربِّنا أن يتخذ صاحبة وولداً للإستئناس بهما والحاجة إليهما ، والرّب يتعالى عن الأنداد والنظراء .