Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثمان مسائل : الأولى : قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } قال الأخفش سعيد : « المُزَّمِّل » أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي وكذلك « المدثّر » . وقرأ أُبيّ بن كعب على الأصل « الْمُتَزَمِّل » و « المتدثّر » . وسعيد : « الْمُزَّمِّلْ » . وفي أصل « المزَّمِّل » قولان : أحدهما أنه المحتمل يقال : زَمَل الشيء إذا حمله ، ومنه الزَّاملة لأنها تحمل القُمَاش . الثاني أن المزَّمِّل هو المتلفِّف يقال : تزمل وتدثَّر بثوبه إذا تغطى . وزمَّل غيره إذا غطّاه ، وكل شيء لُفِّف فقد زمل ودثر قال ٱمرؤ القيس : @ كبِيرُ أنـاسٍ في بِجَادٍ مُزَمَّـلٍ @@ الثانية : قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } هذا خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفيه ثلاثة أقوال : الأوّل قول عكرمة { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } بالنبوّة والملتزم للرسالة . وعنه أيضاً : يا أيها الذي زُمِّلَ هذا الأمر أي حُمِّله ثم فتر ، وكان يقرأ « يَأَيُّهَا المُزَمِّلُ » بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها على حذف المفعول ، وكذلك « المُدَثِّر » والمعنى المزمِّل نفسه والمدثِّر نفسه ، أو الذي زَمَّله غيره . الثاني « يَا أيُّها الْمُزَّمِّل » بالقرآن ، قاله ٱبن عباس . الثالث المزمل بثيابه ، قاله قتادة وغيره . قال النخعي : كان متزملاً بقطيفةٍ . قالت عائشة : بِمرطٍ طوله أربعة عشر ذراعاً ، نصفه عليّ وأنا نائمة ، ونصفه على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلّي ، واللَّهِ ما كان خَزًّا ولا قَزًّا ولا مِرعِزاءَ ولا إِبرِيسما ولا صُوفاً ، كان سَداه شَعراً ، ولُحمته وَبَراً ، ذكره الثعلبيّ . قلت : وهذا القول من عائشة يدلّ على أن السورة مَدَنِيّة فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يَبْن بها إلاّ في المدينة . وما ذُكر من أنها مكية لا يصحّ . والله أعلم . وقال الضحاك : تزمل بثيابه لمنامه . وقيل : بلغه من المشركين سوء قولٍ فيه ، فٱشتد عليه فتزمل في ثيابه وتدثر ، فنزلت : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } و { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } . وقيل : كان هذا في ٱبتداء ما أوحى إليه ، فإنه لما سمع قول الملك ونظر إليه أخذته الرعدة فأتى أهله فقال : " زمّلوني دثروني " روى معناه عن ٱبن عباس . وقالت الحكماء : إنما خاطبه بالمزمّل والمدّثر في أوّل الأمر لأنه لم يكن بعد ٱدّثر شيئاً من تبليغ الرسالة . قال ٱبن العربي : وٱختلف في تأويل « يَٰأَيُّهَا الْمُزَّمِّل » فمنهم من حمله على حقيقته ، قيل له : يا من تلفّف في ثيابه أو في قطيفته قم قاله إبراهيم وقتادة . ومنهم من حمله على المجاز ، كأنه قيل له : يا من تزمل بالنبوّة قاله عكرمة . وإنما يسوغ هذا التفسير لو كانت الميم مفتوحة مشدّدة بصيغة المفعول الذي لم يسم فاعله ، وأما هو بلفظ الفاعل فهو باطل . قلت : وقد بينا أنها على حذف المفعول : وقد قرىء بها ، فهي صحيحة المعنى . قال : وأما من قال إنه زمّل القرآن فهو صحيح في المجاز ، لكنه قد قدّمنا أنه لا يحتاج إليه . الثالثة : قال السُّهَيْلِي : ليس المزمّل بٱسم من أسماء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولم يعرف به كما ذهب إليه بعض الناس وعدُّوه في أسمائه عليه السلام ، وإنما المزمّل ٱسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب ، وكذلك المدثّر . وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان : إحداهما الملاطفة فإنّ العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه ، بٱسم مشتق من حالته التي هو عليها كـ " ـقول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعلي حين غاضب فاطمة رضي الله عنهما ، فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له : « قم يا أبا تراب » " إشعاراً له أنه غير عاتب عليه ، وملاطفةً له . وكذلك " قوله عليه السلام لحذيفة : « قم يا نومان » " وكان نائماً ملاطفةً له ، وإشعاراً لِترك العتب والتأنيب . فقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : « يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلْ قُم » فيه تأنيسٌ وملاطفةٌ ليستشعر أنه غير عاتب عليه . والفائدة الثانية : التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل وٱتصف بتلك الصفة . الرابعة : قوله تعالى : { قُمِ ٱلْلَّيْلَ } قراءة العامة بكسر الميم لالتقاء الساكنين . وقرأ أبو السَّمَّال بضم الميم إتباعاً لضمة القاف . وحكى الفتح لخفته . قال عثمان بن جنّي : الغرض بهذه الحركة التبليغ بها هرباً من ٱلتقاء الساكنين ، فبأي حركة تحرّكت فقد وقع الغرض . وهو من الأفعال القاصرة غير المتعدّية إلى مفعول ، فأما ظرف الزمان والمكان فسائغ فيه ، إلا أن ظرف المكان لا يتعدّى إليه إلا بواسطة لا تقول : قمت الدار حتى تقول قمت وسط الدار وخارج الدار . وقد قيل : إن « قم » هنا معناه صَلِّ عبّر به عنه وٱستعير له حتى صار عرفاً بكثرة الاستعمال . الخامسة : « اللَّيْلَ » حدّ الليل : من غروب الشمس إلى طلوع الفجر . وقد تقدّم بيانه في سورة « البقرة » وٱختلف : هل كان قيامه فرضاً وحتماً ، أو كان ندباً وحضًّا ؟ والدلائل تقوى أن قيامه كان حتماً وفرضاً وذلك أن الندب والحضّ لا يقع على بعض الليل دون بعض لأن قيامه ليس مخصوصاً به وقتاً دون وقت . وأيضاً فقد جاء التوقيف بذلك عن عائشة وغيرها على ما يأتي . وٱختلف أيضاً : هل كان فرضاً على النبيّ صلى الله عليه وسلم وحده ، أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء ، أو عليه وعلى أمته ؟ ثلاثة أقوال : الأوّل قول سعيد بن جبير لتوجه الخطاب إليه خاصة . الثاني قول ٱبن عباس ، قال : كان قيام الليل فريضة على النبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء قبله . الثالث قول عائشة وٱبن عباس أيضاً وهو الصحيح كما في صحيح مسلم عن زرارة بن أوْفَى : أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله . … الحديث ، وفيه : فقلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : ألست تقرأ { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } قلت : بلى ! قالت فإن الله عز وجل ٱفترض قيام الليل في أوّل هذه السورة ، فقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً ، وأمسك الله عز وجل خاتمتها ٱثني عشر شهراً في السماء ، حتى أنزل الله عز وجل في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوّعاً بعد فريضة . وذكر الحديث . وذكر وكيع ويَعْلَى قالا : حدّثنا مِسْعر عن سِماك الحنفي قال : سمعت ٱبن عباس يقول لما أنزل أوّل { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرُها ، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة . وقال سعيد بن جبير : مكث النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه عشر سنين يقومون الليل ، فنزل بعد عشر سنين : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ } فخفّف الله عنهم . السادسة : قوله تعالى : { إِلاَّ قَلِيلاً } ٱستثناء من الليل ، أي صلّ الليل كله إلا يسيراً منه لأن قيام جميعه على الدوام غير ممكن ، فٱستثنى منه القليل لراحة الجسد . والقليل من الشيء ما دون النصف فحكي عن وهب بن منبّه أنه قال : القليل ما دون المعشار والسدس . وقال الكلبي ومقاتل : الثلث . ثم قال تعالى : { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } فكان ذلك تَخْفيفاً إذ لم يكن زمان القيام محدوداً ، فقام الناس حتى ورمت أقدامهم ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ } . وقال الأخفش : « نِصْفَهُ » أي أو نصفَه يقال : أعطه درهما درهمين ثلاثة : يريد : أو درهمين أو ثلاثة . وقال الزجاج : « نِصفَه » بدل من الليل و { إِلاَّ قَلِيلاً } ٱستثناء من النصف . والضمير في « منه » و « عليه » للنصف . المعنى : قم نصف الليل أو ٱنقص من النصف قليلاً إلى الثلث أو زد عليه قليلاً إلى الثلثين فكأنه قال : قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه . وقيل : إن « نِصْفَهُ » بدل من قوله « قَلِيلاً » وكان مخيراً بين ثلاث : بين قيام النصف بتمامه ، وبين الناقص منه ، وبين قيام الزائد عليه كأن تقدير الكلام : قم الليل إلا نصفه ، أو أقل من نصفه ، أو أكثر من نصفه . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يَنزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأوّل ، فيقول أنا الملِك أنا الملِك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر " ونحوه عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعاً وهو يدل على ترغيب قيام ثلثي الليل . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة : قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله " … الحديث . رواه من طريقين عن أبي هريرة هكذا على الشك . وقد جاء في كتاب النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شَطْر الليل الأوّل ، ثم يأمر منادياً يقول : هل من داع يُستجاب له ؟ هل من مستغفر يُغفر له ؟ هل من سائل يُعطَى ؟ " صحّحه أبو محمد عبد الحقّ فبين هذا الحديث مع صحته معنى النزول ، وأن ذلك يكون عند نصف الليل . وخرّج ٱبن ماجه من حديث ٱبن شهاب ، عن أبي سَلَمة وأبي عبد الله الأغر ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل ربنا تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخِر كل ليلة فيقول من يسألني فأعطيَه ؟ من يدعوني فأستجيبَ له ؟ من يستغفرني فأغفرَ له ؟ حتى يطلع الفجر " فكانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوّله . قال علماؤنا : وبهذا الترتيب ٱنتظم الحديث والقرآن ، فإنهما يبصران من مشكاة واحدة . وفي الموطأ وغيره من حديث ٱبن عباس : " بتُّ عند خالتي ميمونة حتى إذا ٱنتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ، ٱستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام إلى شَنّ معلق فتوضأ وضوءاً خفيفاً " وذكر الحديث . السابعة : ٱختلف العلماء في الناسخ للأمر بقيام الليل فعن ٱبن عباس وعائشة أن الناسخ للأمر بقيام الليل قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ } [ المزمل : 20 ] إلى آخر السورة . وقيل قوله تعالى : { عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ } [ المزمل : 20 ] . وعن ٱبن عباس أيضاً : هو منسوخ بقوله تعالى : { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } [ المزمل : 20 ] . وعن عائشة أيضاً والشافعيّ ومقاتل وٱبن كيسان : هو منسوخ بالصلوات الخمس . وقيل الناسخ لذلك قوله تعالى : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } [ المزمل : 20 ] . قال أبو عبد الرحمن السُّلَمي : لما نزلت « يَٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ » قاموا حتى ورمت أقدامهم وسُوقهم ، ثم نزل قوله تعالى : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } [ المزمل : 20 ] . قال بعض العلماء : وهو فرض نُسخ به فرض كان على النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة لفضله كما قال تعالى : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } [ الإسراء : 79 ] . قلت : القول الأوّل يعم جميع هذه الأقوال ، وقد قال تعالى : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ البقرة : 43 ] فدخل فيها قول من قال إن الناسخ الصلوات الخمس . وقد ذهب الحسن وٱبن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو على قدر حلْب شاة . وعن الحسن أيضاً أنه قال في هذه الآية : الحمد لله تطوّع بعد الفريضة . وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لما جاء في قيامه من الترغيب والفضل في القرآن والسنة . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أجعل للنبيّ صلى الله عليه وسلم حصيراً يصلّي عليه من الليل ، فتسامع الناس به ، فلما رأى جماعتهم كره ذلك ، وخشي أن يُكتب عليهم قيام الليل ، فدخل البيت كالمغضَب ، فجعلوا يتنحنحون ويتفلون فخرج إليهم فقال : " « أيها الناس ٱكْلَفوا من الأعمال ما تُطِيقون ، فإن الله لا يَمَلّ من الثواب ، حتى تَمَلُّوا من العمل ، وإن خيرَ العمل أدومُه وإن قلّ » . فنزلت : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } فكُتب عليهم ، فأنزل بمنزلة الفريضة ، حتى إن كان أحدُهم ليَربُط الحبل فيتعلقُ به ، فمكثوا ثمانية أشهر ، فرحمهم الله وأنزل : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ } فردهم الله إلى الفريضة ، ووضع عنهم قيام الليل إلا ما تطوّعوا به " . قلت : حديث عائشة هذا ذكره الثعلبيّ ، ومعناه ثابت في الصحيح إلى قوله : « وإن قَلَّ » وباقيه يدل على أن قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } نزل بالمدينة وأنهم مكثوا ثمانية أشهر يقومون . وقد تقدّم عنها في صحيح مسلم : حولاً . وحكى الماورديّ عنها قولاً ثالثاً وهو ستة عشر شهراً ، لم يذكر غيره عنها . وذكر عن ٱبن عباس أنه كان بين أوّل المزّمل وآخرها سنة قال : فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان فرضاً عليه . وفي نسخة عنه قولان : أحدهما : أنه كان فرضه عليه إلى أن قبضه الله تعالى . الثاني : أنه نسخ عنه كما نسخ عن أمته . وفي مدّة فرضه إلى أن نسخ قولان : أحدهما : المدّة المفروضة على أمته في القولين الماضيين ، يريد قول ٱبن عباس حولاً ، وقول عائشة ستة عشر شهراً . الثاني : أنها عشر سنين إلى أن خفف عنه بالنسخ زيادةً في التكليف ، ليميزه بفعل الرسالة قاله ٱبن جبير . قلت : هذا خلاف ما ذكره الثعلبيّ عن سعيد بن جبير حَسْب ما تقدّم فتأمله . وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في آخر السورة إن شاء الله تعالى . الثامنة قوله تعالى : { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } أي لا تعجل بقراءة القرآن بل ٱقرأه في مَهَل وبيان مع تدبر المعاني . وقال الضحاك : ٱقرأه حرفاً حرفاً . وقال مجاهد : أحبّ الناس في القراءة إلى الله أعقلهم عنه . والترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام ومنه ثغر رَتِل ورَتَل ، بكسر العين وفتحها : إذا كان حسن التنضيد . وتقدّم بيانه في مقدّمة الكتاب . وروى الحسن " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ برجل يقرأ آية ويبكي ، فقال : « ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل : { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } هذا الترتيل » " وسمع عَلْقَمةُ رجلاً يقرأ قراءة حسنة فقال : لقد رتّل القرآن ، فِداه أبي وأمّي ، وقال أبو بكر بن طاهر : تدبَّر في لطائف خطابه ، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه ، وقلبَك بفهم معانيه ، وسرَّك بالإقبال عليه . وروى عبد الله بن عمرو قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " يؤتَى بقارىء القرآن يوم القيامة ، فيوقف في أوّل درج الجنة ويقال له ٱقرأ وٱرتقِ ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها " خرجه أبو داود وقد تقدّم في أوّل الكتاب . وروى أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يمدّ صوته بالقراءة مدّاً .