Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 5-6)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } الأبرار : أهل الصدق واحدهم بَرٌّ ، وهو من ٱمتثل أمر الله تعالى . وقيل : البرّ الموحِّد والأبرار جمع بارّ مثل شاهد وأشهاد ، وقيل : هو جمع بَرّ مثل نَهْر وأنهار وفي الصحاح : وجمع البر الأبرار ، وجمع البار البَرَرة ، وفلان يَبَرُّ خالقَه وَيَتَبَّرره أي يُطِيعه ، والأم بَرّةٌ بولدها . وروى ٱبن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما سمّاهم الله جل ثناؤه الأبرار لأنهم بَرُّوا الآباء والأبناء ، كما أن لوالدك عليك حقًّا كذلك لولدك عليك حقًّا " وقال الحسن : البَرّ الذي لا يؤذي الذَّرّ . وقال قتادة : الأبرار الذين يؤدّون حقّ الله ويوفون بالنَّذْر . وفي الحديث : " الأبرار الذين لا يؤذون أحداً " { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } أي من إناء فيه الشراب . قال ٱبن عباس : يريد الخمر . والكأس في اللغة الإناء فيه الشراب : وإذا لم يكن فيه شراب لم يسمّ كأساً . قال عمرو بن كُلْثوم : @ صَبنْتِ الكأسَ عَنَّا أُمَّ عَمرٍو وكان الْكَأْسُ مَجْرَاها الْيَمِينَا @@ وقال الأصمعيّ : يقال صَبَنْتَ عنّا الهديةَ أو ما كان من معروف تَصبِنُ صَبْنا : بمعنى كَفَفْتَ قاله الجوهري . { كَانَ مِزَاجُهَا } أي شَوْبها وخلطها قال حسّان : @ كَأَنَ سَبِيئةً مِن بيْتِ رَأَسٍ يكونُ مِزَاجَها عَسلٌ وماءُ @@ ومنه مِزاج البدن وهو ما يمازجه من الصفراء والسوداء والحرارة والبرودة . { كَافُوراً } قال ٱبن عباس : هو ٱسم عين ماء في الجنة ، يقال له عين الكافور . أي يمازجه ماء هذه العين التي تسمّى كافوراً . وقال سعيد عن قتادة : تُمزَج لهم بالكافور وتُختَم بالمسك . وقاله مجاهد . وقال عِكرمة : مِزَاجها طعمها . وقيل : إنما الكافور في ريحها لا في طعمها . وقيل : أراد كالكافور في بياضه وطيب رائحته وبَرْده لأن الكافور لا يشرب كقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } [ الكهف : 96 ] أي كنارٍ . وقال ٱبن كَيْسان : طُيِّب بالمسك والكافور والزنجيل . وقال مقاتل : ليس بكافور الدنيا . ولكن سمَّى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي لها القلوب . وقوله : { كَانَ مِزَاجُهَا } « كَانَ » زائدة أي من كأس مِزاجُها كافورٌ . { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } قال الفراء : إن الكافور ٱسم لعين ماء في الجنة فـ « ـعَيْناً » بدل من كافور على هذا . وقيل : بدل من كأس على الموضع . وقيل : هي حال من المضمر في « مِزاجها » . وقيل : نصب على المدح كما يُذكَر الرّجلُ فتقول : العاقلَ اللبيبَ أي ذكرتم العاقلَ اللبيبَ فهو نصب بإضمار أعني . وقيل يشربون عيناً . وقال الزجاج : المعنى من عين . ويقال : كافور وقافور . والكافور أيضاً : وعاء طلع النخل وكذلك الكُفُرَّي قاله الأصمعيّ . وأما قول الراعي : @ تَكْسُو الْمَفَارِقَ واللَّبَّاتِ ذَا أَرَجٍ مِن قُصْبِ مُعْتَلِفِ الكافورِ دَرَّاجِ @@ فإنّ الظبي الذي يكون منه المسك إنما يَرْعي سُنْبَل الطِّيب فجعله كافوراً . { يَشْرَبُ بِهَا } قال الفراء : يشرب بها ويشربها سواء في المعنى ، وكأنّ يشرب بها يَرْوَي بها ويَنْقع وأنشد : @ شَرِبْنَ بمِاءِ البحرِ ثم تَرَفَّعتْ مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئيج @@ قال : ومثله فلان يتكلم بكلام حسن ، ويتكلم كلاماً حسناً . وقيل : المعنى يشربها والباء زائدة . وقيل : الباء بدل « مِن » تقديره يشرب منها قاله القتبيّ . { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } فيقال : إن الرجل منهم ليمشي في بيوتاته ويصعد إلى قصوره ، وبيده قضيب يشير به إلى الماء فيجري معه حيثما دار في منازله على مستوى الأرض في غير أخدود ، ويتبعه حيثما صعد إلى أعلى قصوره وذلك قوله تعالى : { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } أي يُشقِّقونها شَقًّا كما يفجر الرجل النهر ها هنا وها هنا إلى حيث يريد . وعن ٱبن أبي نَجيح عن مجاهد { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } يقودونها حيث شاؤوا ، وتتبعهم حيثما مالوا مالت معهم . وروى أبو مقاتل عن أبي صالح عن سعد عن أبي سهل عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع عيون في الجنة عينان تجريان من تحت العرش إحداهما التي ذكر الله { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } والأخرى الزنجبيل والأخريان نَضًّاختان من فوق العرش إحداهما التي ذكر الله { عَيْناً فِيَها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً } والأخرى التَّسْنيم " ذكره الترمذيّ الحكيم في « نوادر الأصول » . وقال : فالتسنيم للمقربين خاصة شربا لهم ، والكافور للأبرار شربا لهم يمزج للأبرار من التسنيم شرابهم ، وأما الزنجبيل والسلسبيل فللأبرار منها مِزاج هكذا ذكره في التنزيل وسكت عن ذكر ذلك لمن هي شرب ، فما كان للأبرار مِزاج فهو للمقربين صِرف ، وما كان للأبرار صِرف فهو لسائر أهل الجنة مِزاج . والأبرار هم الصادقون ، والمقرَّبون : هم الصديقون .