Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 1-14)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً } : أقسم سبحانه بهذه الأشياء التي ذكرها ، على أن القيامة حقٌّ . و « النازعاتِ » : الملائكة التي تنزِع أرواحَ الكفار قاله عليّ رضي الله عنه ، وكذا قال ابن مسعود وٱبن عباس ومسروق ومجاهد : هي الملائكة تَنْزِع نفوس بني آدم . قال ٱبن مسعود : يريد أنفسَ الكُفار يَنْزِعها ملك الموت من أجسادهم ، من تحت كل شعرة ، ومن تحت الأظافير وأصول القدمين نَزْعاً كالسَّفُّود يُنزَع من الصُّوف الرَّطْب ، ثم يغرِقها ، أي يرجعها في أجسادهم ، ثم ينزِعها فهذا عمله بالكفار . وقاله ٱبن عباس . وقال سعيد بن جبير : نُزِعت أرواحهم ، ثم غرقت ، ثم حُرِقت ثم قُذِف بها في النار . وقيل : يرى الكافر نفسه في وقت النزع كأنها تغرَق . وقال السُّدِّيّ : و « النازِعاتِ » هي النفوس حين تَغْرَق في الصدور . مجاهد : هي الموت ينزِع النفوس . الحسن وقتادة : هي النجومُ تنزِع من أفق إلى أفق أي تذهب ، من قولهم : نَزَع إليه أي ذهب ، أو من قولهم : نَزَعَت الخيل أي جرت . { غَرْقاً } أي إنها تغرقَ وتغيب وتطلُع من أفق إلى أفق آخر . وقاله أبو عُبيدة وٱبن كَيسان والأخفش . وقيل : النازعات القِسِيّ تنزِع بالسّهام قاله عطاء وعِكْرمة . و « غَرْقا » بمعنى إغراقاً وإغراق النازع في القوس أن يبلغ غاية المدّ ، حتى ينتهي إلى النصل . يقال : أغرق في القوس أي ٱستوفى مدّها ، وذلك بأن تنتهي إلى العَقَب الذي عند النصل الملفوف عليه . والاستغراق الاستيعاب . ويقال لقشرة البيضة الداخلة : « غِرقِىء » . وقيل : هم الغُزاة الرُّماة . قلت : هو والذي قبله سواء لأنه إذا أقسم بالقِسِيّ فالمراد النازعون بها تعظيماً لها وهو مثل قوله تعالى : { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } [ العاديات : 1 ] والله أعلم . وأراد بالإغراق : المبالغة في النزع وهو سائغ في جميع وجوه تأويلها . وقيل : هي الوحش تنزِع من الكلأ وتنفر . حكاه يحيى بن سلام . ومعنى « غرقا » أي إبعاداً في النزع . قوله تعالى : { وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً } قال ٱبن عباس : يعني الملائكة تنِشط نفس المؤمن ، فتقبضها كما يُنْشَط العِقال من يد البعير : إذا حُلَّ عنه . وحكى هذا القول الفراء ثم قال : والذي سمعت من العرب أن يقولوا أُنِشطت وكأنما أُنِشط من عِقال . ورَبْطها نَشْطُها والرابط الناشط ، وإذا ربطت الحبل في يد البعير فقد نَشطْته ، فأنت ناشط ، وإذا حللته فقد أنشطته وأنت مُنْشِط . وعن ٱبن عباس أيضاً : هي أنفس المؤمنين عند الموت تَنْشَط للخروج وذلك أنه ما من مؤمن يحضره الموت إلا وتُعرض عليه الجنة قبل أن يموت ، فيرى فيها ما أعدّ الله له من أزواجه وأهله من الحور العين ، فهم يدعونه إليها ، فنفسه إليهم نِشطَه أن تخرج فتأتيهم . وعنه أيضاً قال : يعني أنفس الكفار والمنافقين تنْشط كما ينشَط العقب ، الذي يعقب به السهم . والعقَب بالتحريك : العصب الذي تعمل منه الأوتار ، الواحدة عَقَبة تقول منه : عَقَبَ السهم والقدح والقوس عَقْباً : إذا لوى شيئاً منه عليه . والنشط : الجذب بسرعة ، ومنه الأنشوطة : عقدة يسهل ٱنحلالها إذا جِذبت مثل عقدة التكة . وقال أبو زيد : نشطت الحبل أَنِشطه نَشْطاً : عقدته بأنشوطة ، وأَنشطته أي حللته ، وأَنشطْت الحبل أي مددته حتى ينحلّ . وقال الفراء : أُنِشط العقال أي حُلّ ، ونُشِط : أي رَبط الحبل في يديه . وقال الليث : أنشطته بأُنشوطة وأُنشوطتين أي أوثقته ، وأُنشطت العِقال : أي مددت أُنشوطته فٱنحلت . قال : ويقال نشط بمعنى أَنشط ، لغتان بمعنى وعليه يصح قول ٱبن عباس المذكور أوّلاً . وعنه أيضاً : الناشطات الملائكة لنشاطها ، تذهب وتجيء بأمر الله حيثما كان . وعنه أيضاً وعن عليّ رضي الله عنهما : هي الملائكة تنِشط أرواح الكفار ، ما بين الجلد والأظفار ، حتى تخرجها من أجوافهم نَشْطاً بالكَرْب والغمّ ، كما تَنْشِط الصوف من سَفُّود الحديد ، وهي من النَّشْط بمعنى الجذب يقال : نَشَطْت الدلو أَنِشطُها بالكسر ، وأَنشُطها بالضم : أي نزعتها . قال الأصمعي : بئر أنشاط : أي قريبة القعر ، تخرج الدلو منها بجذبة واحدة . وبئر نَشوط قال : وهي التي لا يخرج منها الدلو حتى تُنْشَط كثيراً . وقال مجاهد : هو الموت يَنْشِط نفس الإنسان . السُّدي : هي النفوس حين تنِشط من القدمين . وقيل : النازعات : أيدي الغُزاة أو أنفسهم ، تنزع القِسِيّ بإغراق السهام ، وهي التي تَنِشْط الأوهاق . عِكرمة وعطاء : هي الأوهاق تَنْشِط السهام . وعن عطاء أيضاً وقتادة والحسن والأخفش : هي النجوم تنِشط من أفق إلى أفق : أي تذهب . وكذا في الصحاح . « والناشِطاتِ نشطا » يعني النجوم من بُرْج إلى برج ، كالثور الناشط من بلد إلى بلد . والهموم تنِشط بصاحبها قال هِميان بن قُحافة : @ أَمْسَت همومِي تنِشط المناشِطَا الشامَ بِي طوراً وطوراً واسِطَا @@ أبو عبيدة وعطاء أيضاً : الناشطات : هي الوحش حين تنِشطُ من بلد إلى بلد ، كما أن الهموم تنِشطُ الإنسان من بلد إلى بلد وأنشد قول هِميان : @ أمسـت همومـي … البيت @@ وقيل : { وَٱلنَّازِعَاتِ } للكافرين { وَٱلنَّاشِطَاتِ } للمؤمنين ، فالملائكة يجذبون رُوح المؤمن برفق ، والنزع جذب بشدة ، والنشط جذب بِرِفق . وقيل : هما جميعاً للكفار والآيتان بعدهما للمؤمنين عند فراق الدنيا . قوله تعالى : { وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً } قال عليّ رضي الله عنه : هي الملائكة تسبَح بأرواح المؤمنين . الكلبي : هي الملائكة تقبض أرواح المؤمنين ، كالذي يسبح في الماء ، فأحياناً ينغمس وأحياناً يرتفع ، يُسلونها سَلاًّ رفيقاً بسهولة ، ثم يدعونها حتى تستريح . وقال مجاهد وأبو صالح : هي الملائكة ينزلون من السماء مسرعين لأمر الله كما يقال للفرس الجواد سابح : إذا أسرع في جريه . وعن مجاهد أيضاً : الملائكة تسبح في نزولها وصعودها . وعنه أيضاً : السابحات : الموت يسبح في أنفس بني آدم . وقيل : هي الخيل الغزاة قال عنترة : @ والخيلُ تعلَمُ حين تَسْبَحُ في حِياض الموت سَبْحا @@ وقال ٱمرؤ القيس : @ مِسَحَّ إذا ما السابحاتُ على الوَنَى أَثَرْنَ غُباراً بالكَديد المُرَكَّلِ @@ قتادة والحسن : هي النجوم تسبح في أفلاكها ، وكذا الشمس والقمر قال الله تعالى : { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] عطاء : هي السُّفن تسبح في الماء . ٱبن عباس : السابحات أرواح المؤمنين تسبح شوقاً إلى لقاء الله ورحمته حين تخرج . قوله تعالى : { فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً } قال عليّ رضي الله عنه : هي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء عليهم السلام . وقاله مسروق ومجاهد . وعن مجاهد أيضاً وأبي رَوْق : هي الملائكة سبقت ٱبن آدم بالخير والعمل الصالح . وقيل : تسبق بني آدم إلى العمل الصالح فتكتبه . وعن مجاهد أيضاً : الموت يسبق الإنسان . مقاتل : هي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة . ٱبن مسعود : هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقْبضونها وقد عاينِت السرور ، شوقاً إلى لقاء الله تعالى ورحمته . ونحوه عن الربيع ، قال : هي النفوس تسبق بالخروج عند الموت . وقال قتادة والحسن ومعمر : هي النجوم يسبق بعضها بعضاً في السير . عطاء : هي الخيل التي تسبق إلى الجهاد . وقيل : يحتمل أن تكون السابقات ما تسبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار قاله الماوردي . وقال الجُرجانيّ : ذكر « فالسابقات » بالفاء لأنها مشتقة من التي قبلها أي واللائي يسبحن فيسبقن ، تقول : قام فذهب فهذا يوجب أن يكون القيام سبباً للذهاب ، ولو قلت : قام وذهب ، لم يكن القيام سبباً للذهاب . قوله تعالى : { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } قال القُشَيريّ : أجمعوا على أن المراد الملائكة . وقال الماوردي : فيه قولان : أحدهما الملائكة قاله الجمهور . والقول الثاني هي الكواكب السبعة . حكاه خالد بن مَعْدان عن مُعاذ بن جبل . وفي تدبيرها الأمرر وجهان : أحدهما تدبير طلوعها وأفولها . الثاني تدبيرها ما قضاه الله تعالى فيها من تقلّب الأحوال . وحكى هذا القول أيضاً القشيري في تفسيره ، وأن الله تعالى علّق كثيراً من تدبير أمر العالم بحركات النجوم ، فأضيف التدبير إليها وإن كان من الله ، كما يسمى الشيء باسم ما يجاوره . وعلى أن المراد بالمدبِّرات الملائكة ، فتدبيرها نزولها بالحلال والحرام وتفصيله قاله ٱبن عباس وقتادة وغيرهما . وهو إلى الله جل ثناؤه ، ولكن لما نزلت الملائكة به سميت بذلك كما قال عز وجل : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [ الشعراء : 193 ] وكما قال تعالى : { فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } [ البقرة : 97 ] يعني جبريل نزله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل هو الذي أنزله . وروى عطاء عن ٱبن عباس : { فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } : الملائكة وُكِّلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك . قال عبد الرحمن بن ساباطٍ : تدبير أمر الدنيا إلى أربعة جبريل وميكائيل وملك الموت وٱسمه عزرائيل وإسرافيل ، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقَطْر والنبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس في البر والبحر ، وأما إسرافيل فهو يتنزل بالأمر عليهم ، وليس من الملائكة أقرب من إسرافيل ، وبينه وبين العرش مسيرة خمسائة عام . وقيل : أي وُكّلوا بأمور عرَّفهم الله بها . ومن أول السورة إلى هنا قسم أقسم الله به ، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه ، وليس لنا ذلك إلا به عز وجل . وجواب القسم مضمر ، كأنه قال : والنازِعات وكذا وكذا لَتُبعَثُنّ ولتحاسَبُن . أضمر لمعرفة السامعين بالمعنى قاله الفراء . ويدل عليه قوله تعالى : { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } ألست ترى أنه كالجواب لقولهم : « أئِذا كنا عِظاما نَخِرةً » نُبْعَث ؟ فاكتفي بقوله : « ائِذا كنا عِظاماً نخِرةً » ؟ وقال قوم : وقع القسم على قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } وهذا ٱختيار التِّرمذي ابن عليّ . أي فيما قصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى وفرعون « لعِبرة لمِن يخشى » ولكنّ وَقْع القسم على ما في السورة مذكوراً ظاهراً بارزاً أَحْرى وأقمن من أن يؤتى بشيء ليس بمذكور فيما قال ٱبن الأنباريّ : وهذا قبيح ، لأن الكلام قد طال فيما بينهما . وقيل : جواب القسم « هل أتاك حدِيث موسى » لأن المعنى قد أتاك . وقيل : الجواب { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } على تقدير ليَوم ترجُف ، فحذف اللام . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، وتقديره يوم ترجُف الراجفة وتتبعها الرادفة والنازعات غرقاً . وقال السجستاني : يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير ، كأنه قال : فإذا هم بالساهرة والنازعات . ٱبن الأنباريّ : وهذا خطأ لأن الفاء لا يُفْتح بها الكلام ، والأوّل الوجْه . وقيل : إنما وقع القسم على أن قلوب أهل النار تجفّ ، وأبصارهم تخشع ، فانتصاب « يومَ ترجُف الراجفة » على هذا المعنى ، ولكن لم يقع عليه . قال الزجاج : أي قلوب واجفة يوم ترجُف . وقيل : ٱنتصب بإضمار ٱذكر . و « ترجُف » أي تضطرب . والراجفة : أي المضطربة كذا قال عبد الرحمن بن زيد قال : هي الأرض ، والرادِفة الساعة . مجاهد : الراجفة الزلزلة { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } الصيْحة . وعنه أيضاً وٱبن عباس والحسن وقتادة : هما الصيحتان . أي النفختان . أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله تعالى ، وأما الثانية فتحي كل شيء بإذن الله تعالى . وجاء في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " بينهما أربعون سنة " وقال مجاهد أيضاً : الرادفة حين تنشق السماء وتُحمل الأرضُ والجبال فتدك دكة واحدة ، وذلك بعد الزلزلة . وقيل : « الراجفة تَحرُّك الأرض ، والرادفة زلزلة أخرى تفني الأَرَضين » . فالله أعلم . وقد مضى في آخر « النمل » ما فيه كفاية في النفخ في الصور . وأصل الرجفة الحركة ، قال الله تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ } [ المزمل : 14 ] وليست الرجفة ها هنا من الحركة فقط ، بل من قولهم : رجَف الرعد يرجُف رَجْفاً ورَجيفاً : أي أظهر الصوتَ والحركةَ ، ومنه سميت الأراجيف ، لاضطراب الأصوات بها ، وإفاضة الناس فيها قال : @ أبِالأراجِيف يابن اللومِ تُوعِدنِي وفِي الأَرَاجِيف خِلتُ اللؤمَ والخوَرَا @@ وعن أُبيّ بن كعب . " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب ربع الليل قام ثم قال : « يٰأيها الناس ٱذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه » " { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } أي خائفة وجلة قاله ٱبن عباس وعليه عامة المفسرين . وقال السُّدِّي : زائلة عن أماكنها . نظيره { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } [ غافر : 18 ] وقال المؤرِّخ : قلقة مُسْتَوْفِزة ، مرتكضة غير ساكنة . وقال المبرد : مضطربة . والمعنى متقارب ، والمراد قلوب الكفار يقال وجَفَ القلب يجِف وجِيفا إذا خَفَق ، كما يقال : وجَب يَجِب وَجيبا ، ومنه وجيف الفرس والناقة في العدو ، والإيجاف حمل الدابة على السير السريع ، قال : @ بُدِّلْنَ بعد جهرةٍ صَرِيفَا وبعد طولِ النَّفَسِ الوجِيفا @@ و « قلوب » رفع بالابتداء و « واجِفة » صفتها . و { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } خبرها مثل قوله { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ } [ البقرة : 221 ] ومعنى « خاشِعة » منكسرة ذليلة من هول ما ترى . نظيره : { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [ القلم : 43 ] والمعنى أبصار أصحابها ، فحذف المضاف . { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } أي يقول هؤلاء المكذبون المنكرون للبعث ، إذا قيل لهم إنكم تبعثون ، قالوا منكرين متعجبين : أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر ، فنعود أحياء كما كنا قبل الموت ؟ وهو كقولهم : { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [ الإسراء : 49 ] يقال : رجع فلان في حافرته ، وعلى حافرته ، أي رجع من حيث جاء قاله قتادة . وأنشد ٱبن الأعرابي : @ أحافِرةً على صَلَع وشَيْبٍ مَعَاذ اللَّهِ مِن سَفَهٍ وعارِ @@ يقول : أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغَزَل والصِّبا بعد أن شِبت وصَلِعت ! ويقال : رجع على حافرته : أي الطريق الذي جاء منه . وقولهم في المثل : النقدُ عند الحافرة . قال يعقوب : أي عند أوّل كلمة . ويقال : ٱلتقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة . أي عند أوّل ما ٱلتقوا . وقيل : الحافرة العاجلة أي أئنا لمردودون إلى الدنيا فنصير أحياء كما كنا ؟ قال الشاعر : @ آليتُ لا أَنساكُمُ فٱعَلُموا حَتَّى يُردَّ الناسُ في الحافِرهْ @@ وقيل : الحافرة : الأرض التي تُحْفَر فيها قبورُهم ، فهي بمعنى المحفورة كقوله تعالى : { مَّآءٍ دَافِقٍ } [ الطارق : 6 ] و { عِيشةٍ راضِيةٍ } [ الحاقة : 21 ] والمعنى أئنا لمردودون في قبورنا أَحْياء . قاله مجاهد والخليل والفرّاء . وقيل : سميت الأرض الحافرة لأنها مستقرّ الحوافر ، كما سميت القدم أرضاً لأنها على الأرض . والمعنى أئنا لراجعون بعد الموت إلى الأرض فنمشِي على أقدامنا . وقال ٱبن زيد : الحافرة : النار ، وقرأ { تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } . وقال مقاتل وزيد بن أسلم : هي ٱسم من أسماء النار . وقال ٱبن عباس : الحافِرة في كلام العرب : الدنيا . وقرأ أبو حَيْوة : « الحَفِرِة » بغير ألف ، مقصور من الحافر . وقيل : الحفِرة : الأرض المنتنة بأجساد موتاها من قولهم : حَفِرت أسنانُه ، إذا ركبها الوسخ من ظاهرها وباطنها . يقال : في أسنانه حَفَر ، وقد حَفَرت تحفِر حَفْرا ، مثل كسر يكسِر كسرا إذا فسدت أصولها . وبنو أسد يقولون : في أسنانه حَفَر بالتحريك . وقد حفِرت مثال تعِب تعبا ، وهي أردا اللغتين قاله في الصحاح . { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } أي بالية متفتتِّةً . يقال : نخِرَ العظم بالكسر : أي بلِى وتفتت يقال : عظام نخِرة . وكذا قرأ الجمهور من أهل المدينة ومكة والشام والبصرة ، وٱختاره أبو عُبيد لأن الآثار التي تذكر فيها العظام ، نظرنا فيها فرأينا نخِرة لا ناخرة . وقرأ أبو عمرو وٱبنه عبد الله وٱبن عباس وٱبن مسعود وٱبن الزبير وحمزة والكسائي وأبو بكر « ناخِرة » بألف ، وٱختاره الفرّاء والطَبريّ وأبو معاذ النحويّ لِوِفاق رؤوس الآي . وفي الصحاح : والناخِر من العظام التي تدخل الريح فيه ثم تخرج منه ولها نَخِير . ويقال : ما بها ناخر ، أي ما بها أحد . حكاه يعقوب عن الباهليّ . وقال أبو عمرو بن العلاء : الناخرة التي لم تنخر بعد ، أي لم تبل ولا بدّ أن تنخر . وقيل : الناخر المُجَوَّفة . وقيل : هما لغتان بمعنى كذلك تقول العرب : نخِر الشيء فهو نخِر وناخِر كقولهم : طمِع فهو طمِع وطامِع ، وحذِرٌ وحاذِر ، وبخِلٌ وباخِل ، رفَرِه وفارِه قال الشاعر : @ يظَلّ بِها الشيخُ الذِي كان بادِنا يَدِب على عُوجٍ له نَخِراتِ @@ عُوج : يعني قوائم . وفي بعض التفسير : ناخرة بالألف : بالِية ونخِرة : تنخر فيها الريح أي تمر فيها ، على عكس الأوّل قال : @ مِـن بعـدِ ما صِـرتُ عِظامـا ناخِـرهْ @@ وقال بعضهم : الناخرة : التي أُكِلت أطرافها وبقيت أوساطها . والنخرة : التي فسدت كلها . قال مجاهد : نخرة أي مرفوتة كما قال تعالى : { عِظَاماً وَرُفَاتاً } [ الإسراء : 49 ] ونُخْرة الريح بالضم : شدّة هبوبها . والنُّخْرة أيضاً والنُّخَرة مثال الهُمَزِة : مقدم أنف الفرس والحمار والخنزير يقال : هشم نُخْرَته : أي أنفه . { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } أي رَجْعة خائبة ، كاذبة باطلة ، أي ليست كائبه قاله الحسن وغيره . الربيع بن أنس : « خاسِرة » على من كذب بها . وقيل : أي هي كرة خُسران . والمعنى أهلها خاسرون كما يقال : تجارة رابحة أي يربح صاحبها . ولا شيء أخسر من كَرَّة تقتضي المصير إلى النار . وقال قتادة ومحمد بن كعب : أي لئن رجعنا أحياء بعد الموت لنحْشَرَنّ بالنار ، وإنما قالوا هذا لأنهم أوعدوا بالنار . والكر : الرجوع يقال : كره ، وكر بنفسه ، يتعدى ولا يتعدى . والكرة : المرة ، والجمع الكرات . { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } ذكر جل ثناؤه سهولة البعث عليه فقال : « فإنما هِي زَجْرة واحدة » . ورَوى الضحاك عن ٱبن عباس قال : نفخة واحدة { فَإِذَا هُم } أي الخلائق أجمعون { بِٱلسَّاهِرَةِ } أي على وجه الأرض ، بعد ما كانوا في بطنها . قال الفرّاء : سميت بهذا الاسم لأن فيها نَوم الحيوان وسهرهم . والعرب تسمى الفلاة ووجه الأرض ساهِرة ، بمعنى ذاتِ سَهَر لأنه يُسْهَر فيها خوفاً منها ، فوصفها بصفة ما فيها وٱستدل ٱبن عباس والمفسرون بقول أمية بن أبي الصَّلْت : @ وفيها لحمُ ساهِرةٍ وبحرٌ وما فاهوا بِهِ لَهمُ مُقِيمُ @@ وقال آخر يوم ذي قارٍ لفرسه : @ أَقدم مَحَاجِ إِنها الأَساوِرهْ ولا يَهُولَنَّكَ رِجْل نادِرهْ فإنما قَصْرُك تُربُ الساهِرهْ ثم تعودُ بعدَها في الحافِرهْ مِن بعـدِ ما صِرت عِظامـا ناخِـرَهْ @@ وفي الصحاح . ويقال : الساهور : ظِل الساهِرة ، وهي وجه الأرض . ومنه قوله تعالى : { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } ، قال أبو كبير الهذليّ : @ يَرتَدْنَ ساهِرةً كانّ جمِيمَها وعمِيمَها أَسْداف ليلٍ مُظلِم @@ ويقال : الساهور : كالغِلاف للقمر يدخُل فيه إذا كُسِف ، وأنشدوا قول أمية بن أبي الصَّلْت : @ قَمـر وساهورٌ يُسَـلّ ويُغْمَـدُ @@ وأنشدوا لآخَر في وصف ٱمرأة : @ كأنها عِرقُ سامٍ عِند ضارِبِهِ أَوْ شُقةٌ خرجَتْ مِن جوفِ ساهورِ @@ يريد شُقَّة القمر . وقيل : الساهرة : هي الأرض البيضاء . ورَوى الضحاك عن ٱبن عباس قال : أرض من فِضة لم يعص الله جل ثناؤه عليها قط خلقها حينئذ . وقيل : أرض جددها الله يوم القيامة . وقيل : الساهرة ٱسم الأرض السابعة يأتي بها الله تعالى فيحاسب عليها الخلائق ، وذلك حين تبدل الأرض غير الأرض . وقال الثوري : الساهرة : أرض الشام . وهب بن منبه : جبل بيت المقدس . عثمان بن أبي العاتكة : إنه ٱسم مكان من الأرض بعينه ، بالشام ، وهو الصقع الذي بين جبل أريحاء وجبل حسان يمده الله كيف يشاء . قتادة : هي جهنم أي فإذا هؤلاء الكفار في جهنم . وإنما قيل لها ساهرة لأنهم لا ينامون عليها حينئذ . وقيل : الساهرة : بمعنى الصحراء على شفير جهنم أي يوقفون بأرض القيامة ، فيدوم السهر حينئذ . ويقال : الساهرة : الأرض البيضاء المستوية سميت ، بذلك ، لأن السراب يجري فيها من قولهم عين ساهرة : جارية الماء ، وفي ضدها : نائمة قال الأشعث بن قيس : @ وساهرة يُصْحِي السرابُ مُجَلِّلاً لاًّقطارِها قد جئْتُها متلثِّما @@ أو لأن سالكها لا ينام خَوف الهَلَكة .