Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 1-4)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ست مسائل : الأولى قوله تعالى : { عَبَسَ } أي كلح بوجهه يقال : عبس وبَسَر . وقد تقدّمَ . { وَتَوَلَّىٰ } أي أعرض بوجهه { أَن جَآءَهُ } « أنْ » في موضع نصب لأنه مفعول له ، المعنى لأن جاءه الأعمى ، أي الذي لا يبصر بعينيه . فروى أهل التفسير أجمع أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم ، فأقبل عبد الله بن أمّ مكتوم ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَقْطَع عبدُ الله عليه كلامه ، فأعرض عنه ، ففيه نزلت هذه الآية . قال مالك : إن هشام بن عُروة حدّثه عن عروة ، أنه قال : نزلتْ « عبس وتولى » في ٱبن أمّ مكتوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : يا محمد ٱستدنني ، وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يُعرِض عنه ويُقْبل على الآخر ، ويقول : " يا فلان ، هل ترى بما أقولُ بأساً " فيقول : لا والدُّمَى ما أرى بما تقول بأساً فأنزل الله « عبس وتولى » . وفي الترمذي مسنداً قال : حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأُموي ، حدّثني أبي ، قال هذا ما عرضنا على هشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة ، " قالت : نزلت « عبس وتولى » في ٱبن أمّ مكتوم الأعمى ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني ، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْرض عنه ، ويُقْبل على الآخر ، ويقول : « أترى بما أقول بأساً » فيقول : لا ففي هذا نزلت " قال : هذا حديث غريب . الثانية الآية عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم . ويقال : عمرو بن أم مكتوم ، وٱسم أمّ مكتوم عاتكة بنت عامر بن مخزوم ، وعمرو هذا : هو ٱبن قيس بن زائدة بن الأصمّ ، وهو ٱبن خال خديجة رضي الله عنها . وكان قد تشاغل عنه برجل من عظماء المشركين ، يقال كان الوليد بن المغيرة . ٱبن العربي : قاله المالكية من علمائنا ، وهو يكني أبا عبد شمس . وقال قتادة : هو أمية بن خلص وعنه : أبيّ بن خلف . وقال مجاهد : كانوا ثلاثة عتبة وشيبة ٱبنا ربيعة وأبيّ بن خلف . وقال عطاء عتبة بن ربيعة . سفيان الثوري : كان النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس . الزمخشري : كان عنده صناديد قريش : عتبة وشيبة ٱبنا ربيعة ، أبو جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب ، وأمية بن خَلَف ، والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام ، رَجاء أن يُسْلم بإسلامهم غيرهم . قال ٱبن العربيّ : أما قول علمائنا إنه الوليد بن المغيرة فقد قال آخرون إنه أمية بن خلف والعباس وهذا كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين ، ذلك أن أمية بن خلف والوليد كانا بمكة وٱبن أمّ مكتوم كان بالمدينة ، ما حضر معهما ولا حضرا معه ، وكان موتهما كافرين ، أحدهما قبل الهجرة ، والآخر ببدر ، ولم يقصد قط أمية المدينة ، ولا حضر عنده مفرداً ، ولا مع أحد . الثالثة أقبل ٱبن أمّ مكتوم والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى ، وقد قوِي طمعه في إسلامهم ، وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم ، فجاء ٱبن أمّ مكتوم وهو أعمى فقال : يا رسول الله علمني مما علمك الله ، وجعل يناديه ويكثر النداء ، ولا يدري أنه مشتغل بغيره ، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعة كلامه ، وقال في نفسه : يقول هؤلاء : إنما أتباعه العُميان والسَّفلة والعبيد فعبَس وأعرض عنه ، فنزلت الآية . قال الثَّوريّ : " فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أمّ مكتوم يبسط له رداءه ويقول : « مرحبا بمن عاتبني فيه ربي » . ويقول : « هل من حاجة » " ؟ وٱستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما . قال أنس : فرأيته يوم القادسية راكباً وعليه درع ومعه راية سوداء . الرابعة قال علماؤنا : ما فعله ٱبن أمّ مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بغيره ، وأنه يرجو إسلامهم ، ولكن الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصُّفَّة أو ليعلم أن المؤمن الفقير خير من الغني ، وكان النظر إلى المؤمن أولى وإن كان فقيراً أصلح وأولى من الأمر الآخر ، وهو الإقبال على الأغنياء طمعاً في إيمانهم ، وإن كان ذلك أيضاً نوعاً من المصلحة ، وعلى هذا يخرج قوله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } [ الأنفال : 67 ] الآية . على ما تقدّم . وقيل : إنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم تأليف الرجل ، ثقة بما كان في قلب ٱبن أمّ مكتوم من الإيمان كما قال : " إني لأصل الرجل وغيره أحب إليّ منه ، مخافة أن يكُبه الله في النار على وجهه " . الخامسة قال ٱبن زيد : إنما عبس النبي صلى الله عليه وسلم لابن أمّ مكتوم وأعرض عنه لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه ، فدفعه ٱبن أمّ مكتوم ، وأبى إلا أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلمه ، فكان في هذا نوعُ جفاء منه . ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه صلى الله عليه وسلم : « عبَس وتولَّى » بلفظ الإخبار عن الغائب ، تعظيماً له ولم يقل : عبَستَ وتوليتَ . ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيساً له فقال : { وَمَا يُدْرِيكَ } أي يعلمك { لَعَلَّهُ } يعني ٱبن أمّ مكتوم { يَزَّكَّىٰ } بما ٱستدعَى منك تعليمه إياه من القرآن والدين ، بأن يزداد طهارة في دينه ، وزوال ظلمة الجهل عنه . وقيل : الضمير في « لعله » للكافر يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذَّكر ، فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وما يُدْريك أن ما طمعت فيه كائن . وقرأ الحسن « آأَن جاءه الأعمى » بالمدّ على الاستفهام فـ « ـأن » متعلقة بفعل محذوف دل عليه « عبس وتولى » التقدير : آأن جاءه أعرض عنه وتولى ؟ فيوقف على هذه القراءة على « وتولَّى » ، ولا يوقف عليه على قراءة الخبر ، وهي قراءة العامة . السادسة نظير هذه الآية في العتاب قوله تعالى في سورة الأنعام : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } [ الأنعام : 52 ] وكذلك قوله في سورة الكهف : { وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الكهف : 28 ] وما كان مثله ، والله أعلم : { أَوْ يَذَّكَّرُ } يتعظ بما تقول { فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي العظة . وقراءة العامة « فتنفعُه » بضم العين ، عطفاً على « يَزَّكَّى » . وقرأ عاصم وٱبن أبي إسحاق وعيسى « فتنفَعه » نصباً . وهي قراءة السُّلمِيّ وزِرّ بن حُبَيش ، على جواب لعل ، لأنه غير موجَب كقوله تعالى : { لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ } [ غافر : 36 ] ثم قال : { فَٱطَّلَعَ } [ الصافات : 55 ] .