Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 88, Ayat: 2-3)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن عباس : لم يكن أتاه حديثهم ، فأخبره عنهم ، فقال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } أي يوم القيامة . { خَاشِعَةٌ } قال سفيان : أي ذليلة بالعذاب . وكل متضائلٍ ساكن خاشع . يقال : خَشَع في صلاته : إذا تذلل ونَكَّس رأسه . وخَشَع الصوتُ : خفِي قال الله تعالى : { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } [ طه : 108 ] . والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه . وقال قتادة وابن زيد : « خاشعة » أي في النار . والمراد وجوه الكفار كلهم قاله يحيـى بن سلام . وقيل : أراد وجوه اليهود والنصارى قاله ابن عباس . ثم قال : { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } فهذا في الدنيا لأن الآخرة ليست دار عمل . فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا « خاشعة » في الآخرة . قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملاً . ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عَمل يعمل عملاً . وذا سحاب عَمِل . قال الهذليّ : @ حتى شآها كلِيلٌ مَوْهِناً عمِلٌ باتت طِرابا وباتَ الليلَ لم يَنَمِ @@ { نَّاصِبَةٌ } أي تعِبة . يقال : نَصِب بالكسر ينصَب نَصَباً : إذا تعب ، ونَصْباً أيضاً ، وأنصبه غيره . فروى الضحاك عن ابن عباس قال : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله عز وجل ، وعلى الكفر مثل عَبَدة الأوثان ، وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم ، لا يقبل الله جل ثناؤه منهم إلا ما كان خالصاً له . وقال سعيد عن قتادة : « عاملة ناصبة » قال : تكبرت في الدنيا عن طاعة الله عز وجل ، فأعملها الله وأنصبها في النار ، بجر السلاسل الثقال ، وحمل الأغلال ، والوقوف حُفاة عراة في العَرَصات ، في يوم كان مقداره خمسين ألفَ سنة . قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله في الدنيا ، ولم تنصب له ، فأعملها وأنصبها في جهنم . وقال الكلبيّ : يُجَرّون على وجوههم في النار . وعنه وعن غيره : يُكَلَّفون ارتقاء جبل من حديد في جهنم ، فَينصَبون فيها أشدّ ما يكون من النَّصَب ، بمعالجة السلاسل والأغلال والخوض في النار كما تخوض الإبل في الوَحَل ، وارتقائها في صَعُود من نار ، وهبوطها في حَدُور منها إلى غير ذلك من عذابها . وقاله ابن عباس . وقرأ ابن محيصن وعيسى وحميد ، ورواها عبيد عن شبل عن ابن كثير « ناصبةً » بالنصب على الحال . وقيل : على الذمّ . الباقون بالرفع على الصفة أو على إضمار مبتدأ ، فيوقف على « خاشعة » . ومن جعل المعنى في الآخرة ، جاز أن يكون خبراً بعد خبر عن « وجوه » ، فلا يوقف على « خاشعة » . وقيل : « عاملة ناصبة » أي عاملة في الدنيا ناصبة في الآخرة . وعلى هذا يحتمل وجوه يومئذٍ عاملة في الدنيا ، ناصبة في الآخرة ، خاشعة . قال عكرمة والسدّيّ : عملت في الدنيا بالمعاصي . وقال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم : هم الرُّهبان أصحاب الصوامع وقاله ابن عباس . وقد تقدّم في رواية الضحاك عنه . وروي عن الحسن قال : لما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام أتاه راهب شيخ كبير مُتَقَهِّل ، عليه سواد ، فلما رآه عمر بكى . فقال له : يا أمير المؤمنين ، ما يبكيك ؟ قال : هذا المسكين طلب أمراً فلم يصبه ، ورجا رجاء فأخطأه ، وقرأ قول الله عز وجل { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } . قال الكسائيّ : التقهل : رثاثة الهيئة ، ورجل مُتَقَهِّل : يابس الجلد سَيِّيءُ الحال ، مثل المتقحل . وقال أبو عمرو : التقهل : شكوى الحاجة . وأنشد : @ لَـعْـواً إِذا لاقيـتـه تقـهْـلاَ @@ والقَهْل : كفران الإحسان . وقد قَهَلَ يَقْهَلُ قَهْلاً : إذا أثنى ثناء قبيحاً . وأقهل الرجل تكلف ما يعيبه ودنس نفسه . وانقهل ضعف وسقط قاله الجوهري . وعن عليّ رضي الله عنه أنهم أهل حَرُورَاءَ يعني " الخوارج الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « تَحقِرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يَمرُقون من الدين كما يَمرُق السهمُ من الرَّمِيَّة … » " الحديث .