Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 112-112)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه ثلاث مسائل : الأولىٰ قوله تعالىٰ : { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ } التائبون هم الراجعون عن الحالة المذمومة في معصية الله إلى الحالة المحمودة في طاعة الله . والتائب هو الراجع . والراجع إلى الطاعة هو أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين . { ٱلْعَابِدُونَ } أي المطيعون الذين قصدوا بطاعتهم الله سبحانه . { ٱلْحَامِدُونَ } أي الرّاضون بقضائه المصرفون نعمته في طاعته ، الذين يحمدون الله على كل حال . { ٱلسَّائِحُونَ } الصائمون عن ابن مسعود وٱبن عباس وغيرهما . ومنه قوله تعالىٰ : { عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ } [ التحريم : 5 ] . وقال سفيان بن عُيينة : إنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كلَّها من المطعم والمشرب والمنكح . وقال أبو طالب : @ وبالسائحين لا يذوقون قطرة لربهم والذاكرات العوامل @@ وقال آخر : @ برَّا يصلِّي ليله ونهاره يَظَلّ كثير الذكر لله سائحاً @@ وروي عن عائشة أنها قالت : سياحة هذه الأمة الصيامُ أسندهُ الطبري . ورواه أبو هريرة مرفوعاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سياحة أمتي الصيام " قال الزجاج : ومذهب الحسن أنهم الذين يصومون الفرض . وقد قيل : إنهم الذين يديمون الصيام . وقال عطاء : السائحون المجاهدون . وروىٰ أبو أُمامة أن رجلاً ٱستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال : " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " صححه أبو محمد عبد الحق . وقيل : السائحون المهاجرون قاله عبد الرحمن بن زيد . وقيل : هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم قاله عكرمة . وقيل : هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته ، وما خلق من العبر والعلامات الدالة على توحيده وتعظيمه حكاه النقاش . وحكي أن بعض العُبّاد أخذ القدح ليتوضأ لصلاة الليل فأدخل أصبعه في أذن القدح وقعد يتفكر حتى طلع الفجر فقيل له في ذلك فقال : أدخلت أصبعي في أذن القدح فتذكرت قول الله تعالىٰ : { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ } [ غافر : 71 ] وذكرت كيف أتلقىٰ الغُلّ وبقيت ليلي في ذلك أجمع . قلت : لفظ « س ي ح » يدل على صحة هذه الأقوال فإن السياحة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء فالصائم مستمر على الطاعة في ترك ما يتركه من الطعام وغيره ، فهو بمنزلة السائح . والمتفكرون تجول قلوبهم فيما ذكروا . وفي الحديث : " إن لله ملائكة سياحين مشائين في الآفاق يبلغونني صلاة أمتي " ويروى " صياحين " بالصاد ، من الصياح . { ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ } يعني في الصلاة المكتوبة وغيرها . { ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي بالسنة ، وقيل : بالإيمان . { وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } قيل : عن البِدعة . وقيل : عن الكفر وقيل : هو عموم في كل معروف ومنكر . { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } أي القائمون بما أمر به والمنتهون عما نهىٰ عنه . الثانية واختلف أهل التأويل في هذه الآية ، هل هي متصلة بما قبلُ أو منفصلة فقال جماعة : الآية الأُولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كلُّ موحِّد قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ، وإن لم يتصف بهذه الصفات في هذه الآية الثانية أو بأكثرها . وقالت فرقة : هذه الأوصاف جاءت على جهة الشرط ، والآيتان مرتبطتان فلا يدخل تحت المبايعة إلا المؤمنون الذين هم على هذه الأوصاف ويبذلون أنفسهم في سبيل الله قاله الضحاك . قال ابن عطية : وهذا القول تحريج وتضييق ، ومعنى الآية على ما تقتضيه أقوال العلماء والشرع أنها أوصاف الكَمَلة من المؤمنين ، ذكرها الله ليستبِق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى مرتبة . وقال الزجاج : الذي عندي أن قوله : « التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ » رفع بالابتداء وخبره مضمر أي التائبون العابدون إلى آخر الآية لهم الجنة أيضاً وإن لم يجاهدوا ، إذا لم يكن منهم عناد وقصد إلى ترك الجهاد لأن بعض المسلمين يجزِي عن بعض في الجهاد . واختار هذا القول القشيريّ وقال : وهذا حسن إذ لو كان صفة للمؤمنين المذكورين في قوله : « اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » لكان الوعد خاصاً للمجاهدين . وفي مصحف عبد الله « التائِبين العابدين » إلى آخرها ولذلك وجهان : أحدهما الصفة للمؤمنين على الإتباع . والثاني النصب على المدح . الثالثة واختلف العلماء في الواو في قوله : { وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } فقيل : دخلت في صفة الناهين كما دخلت في قوله تعالى : { حـمۤ . تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ . غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } [ غافر : 1 - 3 ] فذكر بعضها بالواو والبعض بغيرها . وهذا سائغ معتاد في الكلام ولا يُطلب لمثله حكمة ولا علّة . وقيل : دخلت لمصاحبة الناهي عن المنكر الآمر بالمعروف فلا يكاد يذكر واحد منهما مفرداً . وكذلك قوله : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [ التحريم : 5 ] . ودخلت في قوله : { وَٱلْحَافِظُونَ } لقربه من المعطوف . وقد قيل : إنها زائدة ، وهذا ضعيف لا معنى له . وقيل : هي واو الثمانية لأن السبعة عند العرب عدد كامل صحيح . وكذلك قالوا في قوله : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } . وقولهِ في أبواب الجنة : { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] وقوله : { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] وقد ذكرها ابن خَالَوَيْه في مناظرته لأبي علي الفارسي في معنى قوله : « وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا » وأنكرها أبو علي . قال ابن عطية : وحدثني أبي رضي الله عنه عن الأُستاذ النحوي أبي عبد الله الكفيف المالقيّ ، وكان ممن استوطن غَرْناطة وأقرأ فيها في مدّة ٱبن حَبُوس أنه قال : هي لغة فصيحة لبعض العرب من شأنهم أن يقولوا إذا عَدّوا : واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة وهكذا هي لغتهم . ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو . قلت : هي لغة قريش . وسيأتي بيانه ونقضه في سورة « الكهف » إن شاء الله تعالى وفي الزمر أيضاً بحول الله تعالى .