Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 117-117)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روى الترمذي : حدّثنا عبد بن حميد حدّثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري " عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال : لم أتخلف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك إلا بَدْراً ، ولم يعاتب النبيّ صلى الله عليه وسلم أحداً تخلف عن بدر ، إنما خرج يريد العِير فخرجت قريش مُغْوِثين لعِيرهم ، فالتقوا عن غير مَوعدٍ كما قال الله تعالى ولعمري إنّ أشرف مشاهِد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس لبَدْر ، وما أحبّ أني كنت شهدتُها مكان بيعتي ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، ثم لم أتخلف بعدُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى كانت غزوة تبوك ، وهي آخر غزوة غزاها ، وآذن النبيّ صلى الله عليه وسلم بالرحيل فذكر الحديث بطوله قال : فٱنطلقت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون ، وهو يستنير كٱستنارة القمر ، وكان إذا سُرّ بالأمر ٱستنار فجئت فجلست بين يديه فقال : « أبشر يا كعب بن مالك بخير يومٍ أتى عليك منذ ولدتك أُمك » فقلت : يا نبيّ الله ، أمن عند الله أم من عندك ؟ قال : « بل من عند الله ثم تلا هذه الآية { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } حتى بلغ { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } قال : وفينا أُنزلت أيضاً { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } وذكر الحديث " وسيأتي بكماله من صحيح مسلم في قصة الثلاثة إن شاء الله تعالى . واختلف العلماء في هذه التوبة التي تابها الله على النبيّ صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار على أقوال فقال ابن عباس : كانت التوبة على النبيّ صلى الله عليه وسلم لأجل إذنه للمنافقين في القعود دليله قوله : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [ التوبة : 43 ] وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه . وقيل : توبة الله عليهم استنقاذهم من شدّة العسرة . وقيل : خلاصهم من نكاية العدوّ ، وعُبِّر عن ذلك بالتوبة وإن خرج عن عرفها لوجود معنى التوبة فيه ، وهو الرجوع إلى الحالة الأُولى . وقال أهل المعاني : إنما ذُكر النبيّ صلى الله عليه وسلم في التوبة لأنه لما كان سبب توبتهم ذُكر معهم كقوله : { فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] . قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } أي في وقت العسرة ، والمراد جميع أوقات تلك الغزاة ولم يرِد ساعة بعينها . وقيل : ساعة العسرة أشدّ الساعات التي مرت بهم في تلك الغزاة . والعسرة صعوبة الأمر . قال جابر : اجتمع عليهم عسرة الظَّهْر وعسرة الزاد وعسرة الماء . قال الحسن : كانت العسرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم ، وكان زادهم التمر المتسوس والشعير المتغير والإهالة المنتِنة ، وكان النَّفَر يخرجون ما معهم إلا التمرات بينهم ، فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها ، ثم يعطيها صاحبه حتى يشرب عليها جُرْعة من ماء كذلك حتى تأتي على آخرهم ، فلا يبقى من التمرة إلا النواة فمضَوْا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم على صدقهم ويقينهم رضي الله عنهم . و " قال عمر رضي الله عنه وقد سئل عن ساعة العسرة : خرجنا في قيظ شديد فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع من العطش ، وحتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصِر فَرَثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إن الله قد عوّدك في الدعاء خيراً فادع لنا . قال : « أتحب ذلك » ؟ قال : نعم فرفع يديه فلم يرجعهما حتى أظلت السماء ثم سكبت فملئوا ما معهم ، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر " . " وروى أبو هريرة وأبو سعيد قالا : كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأصاب الناسَ مجاعةٌ وقالوا : يا رسول الله ، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وٱدّهنا . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم « افعلوا » فجاء عمر وقال : يا رسول الله إن فعلوا قَلّ الظَّهر ، ولكن ٱدْعُهم بفضل أزوادهم فادع الله عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك البركة . قال : « نعم » ثم دعا بنطع فبُسط ، ثم دعا بفضل الأزواد فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ، ويجيء الآخر بكف تمر ، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير . قال أبو هريرة فحزَرته فإذا هو قدر رُبضة العنز فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة . ثم قال : « خذوا في أوعيتكم » فأخذوا في أوعيتهم حتى والذي لا إلۤه إلا هو ما بقي في العسكر وعاء إلا ملأوه ، وأكل القوم حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « أشهد أن لا إلۤه إلا الله وأنى رسولُ الله لا يَلْقَى اللَّهَ بهما عبدٌ غير شاكٍّ فيهما فيُحجب عن الجنة » " خرّجه مسلم في صحيحه بلفظه ومعناه ، والحمد لله . وقال ابن عرفة : سُمِّي جيشُ تبوك جيشَ العُسرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَدَب الناس إلى الغزو في حَمَارة القيظ ، فغلُظ عليهم وعَسُر ، وكان إبّان ابتياع الثمرة . قال : وإنما ضُرب المثل بجيش العسرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغز قبله في عدد مثله لأن أصحابه يوم بدر كانوا ثلثمائة وبضعة عشر ، ويوم أُحُد سبعمائة ، ويوم خيبر ألفاً وخمسمائة ، ويوم الفتح عشرة آلاف ، ويوم حُنين اثني عشر ألفاً وكان جيشه في غزوة تبوك ثلاثين ألفاً وزيادة ، وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب وأقام بتبوك شعبان وأياماً من رمضان ، وبَثّ سراياه وصالح أقواماً على الجزية . وفي هذه الغزاة خلّف عليّاً على المدينة فقال المنافقون : خلّفه بُغْضاً له فخرج خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم وأخبره ، فقال عليه السلام : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى " وبيّن أن قعوده بأمره عليه السلام يوازي في الأجر خروجه معه لأن المدار على أمر الشارع . وإنما قيل لها : غزوة تبوك لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى قوماً من أصحابه يَبُوكُون حِسْيَ تبوك ، أي يدخلون فيه القدح ويحركونه ليخرج الماء ، فقال : " ما زلتم تَبُوكُونها بَوْكاً " فسمّيت تلك الغزوة غزوة تبوك . الحسي بالكسر ما تنشّفه الأرض من الرمل ، فإذا صار إلى صلابة أمسكتْه ، فتحفر عنه الرملَ فتستخرجه وهو الاحتساء قاله الجوهري . قوله تعالى : { مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } « قلوبُ » رفع بـ « تزيغ » عند سيبويه . ويضمر في « كاد » الحديث تشبيهاً بكان لأن الخبر يلزمها كما يلزم كان . وإن شئت رفعتها بكاد ، ويكون التقدير : من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ . وقرأ الأعمش وحمزة وحفص « يزيغ » بالياء ، وزعم أبو حاتم أن من قرأ « يزيغ » بالياء فلا يجوز له أن يرفع القلوب بكاد . قال نحاس : والذي لم يجزه جائز عند غيره على تذكير الجميع . حكى الفرّاء : رَحُب البلاد وأرحبت ، ورَحُبت لغة أهل الحجاز . واختلف في معنى تزيغ ، فقيل : تتلف بالجهد والمشقة والشدة . وقال ابن عباس : تعدل أي تميل عن الحق في الممانعة والنصرة . وقيل : من بعد ما هَمّ فريق منهم بالتخلف والعصيان ثم لحِقوا به . وقيل : هموا بالقُفُول فتاب الله عليهم وأمرهم به . قوله تعالى : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } قيل : توبته عليهم أن تدارك قلوبَهم حتى لم تَزِغ ، وكذلك سُنّة الحق مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب ، ووطّنوا أنفسهم على الهلاك أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا قلوبهم . وينشد : @ منك أرجو ولستُ أعرف رَبّاً يُرْتَجى منه بعضَ ما منك أرجو وإذا اشتدّت الشدائد في الأر ض على الخلق فاستغاثوا وعجُّوا وٱبتليتَ العباد بالخوف والجو ع وصَرُّوا على الذنوب ولَجُّوا لم يكن لي سواك ربِّي ملاذ فتيقَّنت أنني بك أنْجو @@ وقال في حق الثلاثة : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ } فقيل : معنى « ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ » أي وفقهم للتوبة ليتوبوا . وقيل : المعنى تاب عليهم أي فسّح لهم ولم يعجل عقابهم ليتوبوا . وقيل : تاب عليهم ليثبتوا على التوبة . وقيل : المعنى تاب عليهم ليرجعوا إلى حال الرضا عنهم . وبالجملة فلولا ما سبق لهم في علمه أنه قضى لهم بالتوبة ما تابوا دليله قوله عليه السلام : " اعملوا فكلٌّ مُيَسَّر لما خلق له " .