Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 12-12)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه سبع مسائل : الأُولىٰ قوله تعالىٰ : { وَإِن نَّكَثُوۤاْ } النّكث النقض وأصله في كل ما فُتِل ثم حُلّ . فهي في الأيمان والعهود مستعارة . قال : @ وإن حَلَفَتْ لا ينقض النّأيُ عهدها فليس لمخضُوب البَنَان يَمِينُ @@ أي عهد . وقوله : { وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ } أي بالإستنقاض والحرب وغير ذلك مما يفعله المشرك . يُقال طعَنه بالرمح وطعن بالقول السيء فيه يطعُن ، بضم العين فيهما . وقيل : يَطْعُن بالرمح بالضم وَيَطْعَن بالقول بالفتح . وهي هنا ٱستعارة ومنه " قوله صلى الله عليه وسلم حين أمّر أُسامة : « إن تَطْعنوا في إمارته فقد طَعنتم في إمارة أبيه من قبلْ وٱيْمُ الله إن كان لخلِيقاً للإمارة » " خرّجه الصحيح . الثانية ٱستدلّ بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كلّ من طعن في الدِّين إذ هو كافر . والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به ، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أُصوله وٱستقامة فروعه . وقال ٱبن المنذر : أجمع عامّة أهل العلم على أن من سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه القتل . وممن قال ذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق ، وهو مذهب الشافعيّ . وقد حُكي عن النعمان أنه قال : لا يُقتل مَن سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم من أهل الذِّمة على ما يأتي . ورُوي أن رجلاً قال في مجلس علي : ما قُتل كعب بن الأشرف إلاَّ غدراً فأمر عليّ بضرب عنقه . وقاله آخر في مجلس معاوية فقام محمد بن مسلمة فقال : أيُقال هذا في مجلسك وتسكت ! والله لا أُساكنك تحت سقف أبداً ، ولئن خلوتُ به لأقتلنّه . قال علماؤنا : هذا يقتل ولا يستتاب إن نسب الغدر للنبيّ صلى الله عليه وسلم . وهو الذي فهمه عليّ ومحمد بن مسلمة رضوان الله عليهما مِن قائل ذلك ، لأن ذلك زَنْدَقَةٌ . فأمّا إن نسبه للمباشرين لقتله بحيث يقول : إنهم أمّنوه ثم غدروه لكانت هذه النسبة كذباً محضاً فإنه ليس في كلامهم معه ما يدل على أنهم أمّنوه ولا صرّحوا له بذلك ، ولو فعلوا ذلك لما كان أمَاناً لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما وجّههم لقتله لا لتأمينه ، وأذن لمحمد بن مسلمة في أن يقول . وعلى هذا فيكون في قتل من نسب ذلك لهم نظر وتردّد . وسببه هل يلزم من نسبة الغدر لهم نسبتُه للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه قد صوّب فعلهم ورضي به فيلزم منه أنه قد رضي بالغدر ومن صرّح بذلك قتل ، أو لا يلزم من نسبة الغدر لهم نسبته للنبيّ صلى الله عليه وسلم فلا يُقتل . وإذا قلنا لا يقتل ، فلا بُدّ من تنكيل ذلك القائل وعقوبته بالسجن ، والضرب الشديد والإهانة العظيمة . الثالثة فأما الذِّميّ إذا طعن في الدين ٱنتقض عهده في المشهور من مذهب مالك لقوله : { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم } الآية . فأمر بقتلهم وقتالهم . وهو مذهب الشافعيّ رحمه الله . وقال أبو حنيفة في هذا : إنه يستتاب ، وإنّ مجرّد الطعن لا ينقض به العهد إلاَّ مع وجود النَّكْث لأن الله عزّ وجل إنما أمر بقتلهم بشرطين : أحدهما نقضهم العهد ، والثاني طعنهم في الدين . قلنا : إنَ عملوا بما يخالف العهد انتقض عهدهم ، وذِكر الأمرين لا يقتضي توقّف قتاله على وجودهما فإن النكث يبيح لهم ذلك بانفراده عقلاً وشرعاً . وتقدير الآية عندنا : فإن نكثوا عهدهم حلّ قتالهم ، وإن لم ينكثوا بل طعنوا في الدِّين مع الوفاء بالعهد حلّ قتالهم . وقد رُوي أن عمر رُفع إليه : ذِمّي نخس دابة عليها ٱمرأة مسلمة فَرَمَحت فأسقطتها فانكشف بعض عورتها فأمر بصلبه في الموضع . الرابعة إذا حارب الذمّي نُقض عهده وكان مالُه وولده فَيْئاً معه . وقال محمد بن مسلمة : لا يؤاخذ ولده به لأنه نقض وحده . وقال : أمّا مالُه فيؤخذ . وهذا تعارض لا يشبه منصِب محمد بن مسلمة لأن عهده هو الذي حمى ماله وولده فإذا ذهب عنه ماله ذهب عنه ولده . وقال أشهب : إذا نقض الذّمي العهد فهو على عهده ولا يعود في الرق أبداً . وهذا من العجب وكأنه رأى العهد معنًى محسوساً . وإنما العهد حكم اقتضاه النظر ، والتزمه المسلمون له ، فإذا نقضه انتقض كسائر العقود . الخامسة أكثر العلماء على أن مَن سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة ، أو عَرّض أو استخفّ بقدره أو وصفه بغير الوجه الذي كفر به فإنه يقتل فإنا لم نعطه الذِّمة أو العهد على هذا . إلاَّ أبا حنيفة والثّوريّ وأتباعَهما من أهل الكوفة فإنهم قالوا : لا يقتل ، ما هو عليه من الشرك أعظم . ولكن يؤدَّب ويُعَزّر . والحجة عليه قوله تعالىٰ : { وَإِن نَّكَثُوۤاْ } الآية . واستدلّ عليه بعضهم بأمره صلى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الأشرف وكان معاهَداً . وتغيّظ أبو بكر على رجل من أصحابه فقال أبو بَرزة : ألاَ أضرب عنقه ! . فقال ما كانت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى الدَّارَقُطْنِيّ عن ابن عباس : " أن رجلاً أعمى كانت له أمّ ولد ، له منها ٱبنان مثل اللؤلؤتين ، فكانت تشتُم النبيّ صلى الله عليه وسلم وتقع فيه ، فينهاها فلم تنته ، ويزجرها فلم تنزجر ، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبيّ صلى الله عليه وسلم فما صبَرَ سيّدها أن قام إلى مِعْول فوضعه في بطنها ، ثم ٱتّكأ عليها حتى أنفذه . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « ألاَ ٱشهدوا إن دمها هَدَر » " وفي رواية عن ابن عباس : " فقتلها ، فلما أصبح قيل ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقام الأعمى فقال : يا رسول الله ، أنا صاحبها ، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي ، وأزجرها فلا تنزجر ، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين ، وكانت بي رفيقة ، فلما كان البارحة جعلتْ تشتمك وتقع فيك فقتلتها فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « ألاَ أشهدوا إن دمها هَدَرَ » " . السادسة واختلفوا إذا سَبّه ثم أسلم تَقِيّة من القتل فقيل : يُسقط إسلامُه قتلَه وهو المشهور من المذهب لأن الإسلام يَجُبّ ما قبله . بخلاف المسلم إذا سَبّه ثم تاب قال الله عزّ وجل : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] . وقيل : لا يُسقط الإسلامُ قتلَه قاله في العُتْبِية لأنه حقٌّ للنبيّ صلى الله عليه وسلم وجب لانتهاكه حرمته وقصدِه إلحاق النّقِيصة والمعرّة به ، فلم يكن رجوعه إلى الإسلام بالذي يسقطه ، ولا يكون أحسنَ حالاً من المسلم . السابعة قوله تعالىٰ : { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } « أئمّة » جمع إمام ، والمراد صناديد قريش في قول بعض العلماء كأبي جهل وعتبة وشيبة وأُمية بن خلف . وهذا بعيد فإن الآية في سورة « براءة » وحين نزلت وقُرئت على الناس كان الله قد استأصل شَأْفة قريش فلم يبق إلاَّ مسلم أو مسالم فيحتمل أن يكون المراد { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } . أي من أقدم على نكث العهد والطعنِ في الدين يكون أصلاً ورأساً في الكفر فهو من أئمة الكفر على هذا . ويحتمل أن يعني به المتقدِمون والرؤساء منهم ، وأن قتالهم قتالٌ لأتباعهم وأنهم لا حُرْمة لهم . والأصل أَأْمِمَة كمثال وأمثلة ، ثم أدغمت الميم في الميم وقُلبت الحركة على الهمزة فٱجتمعت همزتان ، فأبدلت من الثانية ياء . وزعم الأخفش أنك تقول : هذا أيمّ من هذا بالياء . وقال المازنيّ : أَوَمّ من هذا ، بالواو . وقرأ حمزة « أئمة » . وأكثر النحويين يذهب إلى أن هذا لحن لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة . { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } أي لا عهود لهم أي ليست عهودهم صادقةً يُوفون بها . وقرأ ابن عامر « لا إيمان لهم » بكسر الهمزة من الإيمان أي لا إسلام لهم . ويحتمل أن يكون مصدر آمنته إيماناً ، من الأمن الذي ضدّه الخوف ، أي لا يؤمنون من آمنته إيماناً أي أجرته فلهذا قال : { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } . { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } أي عن الشرك . قال الكَلْبِيّ : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وادع أهل مكة سنةً وهو بالحُدَيْبِيَة فحبسوه عن البيت ، ثم صالحوه على أن يرجع فمكثوا ما شاء الله ، ثم قاتل حلفاءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خُزاعة حلفاءَ بني أُميّة من كِنَانة ، فأمدّت بنو أُمية حلفاءهم بالسلاح والطعام . فٱستعانت خُزاعة برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعين حلفاءه كما سبق . وفي البخاريّ عن زيد ابن وهب قال : كنا عند حُذيفة فقال ما بقي من أصحاب هذه الآية يعني { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } إلاَّ ثلاثة ، ولا بقي من المنافقين إلاَّ أربعة . فقال أعرابيّ : إنكم أصحابَ محمد تخبرون أخباراً لا ندري ما هي ! تزعمون ألاّ منافق إلاَّ أربعة ، فما بال هؤلاء الذين يبْقُرُون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا . قال : أُولئك الفسّاق . أجل لم يبق منهم إلاَّ أربعة أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده . قوله تعالىٰ : { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } أي عن كفرهم وباطلهم وأذيتهم للمسلمين . وذلك يقتضي أن يكون الغرض من قتالهم دفْع ضررهم لينتهوا عن مقاتلتنا ويدخلوا في ديننا .