Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 6-6)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه أربع مسائل : الأُولى قوله تعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي من الذين أمرتُك بقتالهم . { ٱسْتَجَارَكَ } أي سأل جِوارك أي أمانك وذمامك ، فأعطه إيّاه ليسمع القرآن أي يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه . فإن قَبِل أمراً فحسن ، وإن أبَى فردّه إلى مَأْمنه . وهذا ما لا خلاف فيه ، والله أعلم . قال مالك : إذا وُجد الحربِيّ في طريق بلاد المسلمين فقال : جئت أطلب الأمان . قال مالك : هذه أُمور مشتبهة ، وأرى أن يُردّ إلى مأمنه . وقال ابن القاسم : وكذلك الذي يوجد وقد نزل تاجراً بساحلنا فيقول : ظننت ألاّ تَعرضوا لمن جاء تاجراً حتى يبيع . وظاهر الآية إنما هي فيمن يريد سماع القرآن والنظر في الإسلام فأما الإجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين والنّظر فيما تعود عليهم به منفعته . الثانية ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز لأنه مقدَّم للنظر والمصلحة ، نائبٌ عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضارّ . وٱختلفوا في أمان غير الخليفة فالحرّ يمضي أمانه عند كافة العلماء . إلا أن ٱبن حبيب قال : ينظر الإمام فيه . وأما العبد فله الأمان في مشهور المذهب وبه قال الشافعيّ وأصحابه وأحمد وإسحاق والأُوزاعيّ والثوريّ وأبو ثور وداود ومحمد بن الحسن . وقال أبو حنيفة : لا أمان له وهو القول الثاني لعلمائنا . والأوّل أصح لقوله صلى الله عليه وسلم : " المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم " قالوا : فلما قال « أدناهم » جاز أمان العبد ، وكانت المرأة الحُرّة أحْرَى بذلك ، ولا اعتبار بعلّة « لا يسهم له » . وقال عبد الملك بن الماجِشُون : لا يجوز أمان المرأة إلا أن يجيزه الإمام ، فشذّ بقوله عن الجمهور . وأما الصبيّ فإذا أطاق القتال جاز أمانُه لأنه من جملة المقاتِلة ، ودخل في الفئة الحامية . وقد ذهب الضّحاك والسُّدّيّ إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } . وقال الحسن : هي مُحْكَمة سُنّة إلى يوم القيامة وقاله مجاهد . وقيل : هذه الآية إنما كان حكمها باقياً مدّة الأربعة الأشهر التي ضُربت لهم أجلاً ، وليس بشيء . وقال سعيد بن جُبير : جاء رجل من المشركين إلى عليّ بن أبي طالب فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتي محمداً بعد انقضاء الأربعة الأشهر فيسمع كلام الله أو يأتيه بحاجة قُتل ! فقال عليّ بن أبي طالب : لا ، لأن الله تبارك وتعالى يقول : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } . وهذا هو الصحيح . والآية مُحْكمة . الثالثة قوله تعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ } « أَحَدٌ » مرفوع بإضمار فعل كالذي بعده . وهذا حَسَن في « إنْ » وقبيح في أخواتها . ومذهب سيبويه في الفرق بين « إن » وأخواتها ، أنها لما كانت أُمّ حروف الشرط خُصّت بهذا ، ولأنها لا تكون في غيره . وقال محمد بن يزيد : أما قوله : « لأنها لا تكون في غيره » فغلط لأنها تكون بمعنى ما ومخففة من الثقيلة ولكنها مبهمة ، وليس كذا غيرها . وأنشد سيبويه : @ لا تَجْزِعي إن مُنْفِساً أهلكْتُه وإذا هلكتُ فعند ذلك فاجْزَعي @@ الرابعة قال العلماء : في قوله تعالى : { حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } دليلٌ على أن كلام الله عز وجل مسموع عند قراءة القارىء قاله الشيخ أبو الحسن والقاضي أبو بكر وأبو العباس القلانسي وابن مجاهد وأبو إسحاق الإسْفرايني وغيرهم لقوله تعالى : { حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } . فنصّ على أن كلامه مسموع عند قراءة القارىء لكلامه . ويدلّ عليه إجماع المسلمين على أن القارىء إذا قرأ فاتحة الكتاب أو سورة قالوا : سمعنا كلام الله . وفرّقوا بين أن يُقرأ كلام الله تعالى وبين أن يُقرأ شعر ٱمرىء القيس . وقد مضى في سورة « البقرة » معنى كلام الله تعالى ، وأنه ليس بحرف ولا صوت ، والحمد لله .