Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 19-21)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } أي ليس يتصدق ليجازِيَ على نعمة ، إنما يبتغي وجه ربه الأعلى ، أي المتعالي { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } أي بالجزاء . فروى عطاء والضحاك عن ابن عباس قال : " عَذَّب المشركون بلالاً ، وبلال يقول أَحَد أَحَد فمرّ به النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : « أحد يعني الله تعالى ينجيك » ثم قال لأبي بكر : « يا أبا بكر إنّ بلالاً يعذب في الله » فعرف أبو بكر الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانصرف إلى منزله ، فأخذ رطلاً من ذهب ، ومضى به إلى أمية بن خلف ، فقال له : أتبيعني بلالاً ؟ قال : نعم ، فاشتراه فأعتقه . فقال المشركون : ما أعتقه أبو بكر إلا ليدٍ كانت له عنده " فنزلت { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ } أي عند أبي بكر { مِن نِّعْمَةٍ } ، أي من يدٍ ومِنَّة ، { تُجْزَىٰ } بل { ٱبْتِغَآءَ } بما فعل { وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } . وقيل : اشترى أبو بكر من أمية وأبيّ بن خلف بِلالاً ، ببردة وعشر أواق ، فأعتقه لله ، فنزلت : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 4 ] . وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له أبو بكر : أَتَبِيعُنِيه ؟ فقال : نعم ، أبيعه بنِسطاس ، وكان نِسْطاس عبداً لأبي بكر ، صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوارٍ ومواشٍ ، وكان مشركاً ، فحمله أبو بكر على الإسلام ، على أن يكون له مالُه ، فأبى ، فباعه أبو بكر به . فقال المشركون : ما فعل أبو بكر ببلال هذا إلا ليد كانت لبلال عنده فنزلت : { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ } أي لكن ابتغاء فهو استثناء منقطع فلذلك نصبت . كقولك : ما في الدار أحد إلا حماراً . ويجوز الرفع . وقرأ يحيـى بن وثاب « إلا ابتغاءُ وجهِ ربه » بالرفع ، على لغة من يقول : يجوز الرفع في المستثنى . وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي خازم : @ أضحتْ خَلاءً قِفاراً لا أنيسَ بها إلا الجآذرَ والظلمانَ تختلفُ @@ وقول القائل : @ وبلدةٍ ليسَ بها أنيسُ إلا اليعافيرُ وإلا العِيسُ @@ وفي التنزيل : { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } [ النساء : 66 ] وقد تقدم . { وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } أي مَرْضاته وما يقرّب منه . و « الأعلى » من نعت الرب الذي استحق صفات العلو . ويجوز أن يكون « ابتغاء وجهِ ربه » مفعولاً له على المعنى لأن معنى الكلام : لا يؤتِي ماله إلا ابتغاء وجهِ ربه ، لا لمكافأة نعمته . { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } أي سوف يعطيه في الجنة ما يرْضى وذلك أن يعطيه أضعاف ما أنفق . وروى أبو حَيّان التيميّ عن أبيه عن عليّ رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رَحِم الله أبا بكر ! زوجنِي ابنته ، وحملني إلى دار الهِجرة ، وأعتق بلالاً من ماله " ولما اشتراه أبو بكر قال له بلال : هل اشتريتني لعملك أو لعمل الله ؟ قال : بل لعمل الله قال : فذرني وعمل الله ، فأعتقه . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالاً رضي الله عنه . وقال عطاء وروي عن ابن عباس ـ : إن السورة نزلت في أبي الدَّحداح في النخلة التي اشتراها بحائط له فيما ذكر الثعلبيّ عن عطاء . وقال القشيريّ عن ابن عباس : بأربعين نخلة ولم يسم الرجل . قال عطاء : " كان لرجل من الأنصار نخلة ، يسقط من بلحِها في دار جارٍ له ، فيتناوله صبيانه ، فشكا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : « تبيعها بنخلة في الجنة » ؟ فأبى فخرج فلقِيه أبو الدَّحداح فقال : هل لك أن تبِيعنِيها بـ « ـحُسْنَى » : حائط له . فقال : هي لك . فأتى أبو الدَّحداح إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله ، اشترها مني بنخلة في الجنة . قال : « نعم ، والذي نفسي بيده » فقال : هي لك يا رسول الله فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم جار الأنصاريّ ، فقال : « خذها » فنزلت { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } إلى آخر السورة في بستان أبي الدحداح وصاحب النخلة " { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } يعني أبا الدحداح . { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي بالثواب . { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } : يعني الجنة . { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } يعني الأنصاريّ . { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي بالثواب . { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } [ الليل : 10 ] ، يعني جهنم . { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } أي مات . إلى قوله : { لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى } يعني بذلك الخزرجِيّ وكان منافقاً ، فمات على نفاقه . { وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى } يعني أبا الدحداح . { ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } في ثمن تلك النخلة . { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } يكافئه عليها يعني أبا الدحداح . { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } إذا أدخله الله الجنة . والأكثر أن السورة نزلت في أبي بكر رضي الله عنه . وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن الزبير وغيرهم . وقد ذكرنا خبراً آخر لأبي الدحداح في سورة « البقرة » ، عند قوله : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] . والله تعالى أعلم .