Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 5-10)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ } قال ابن مسعود : يعني أبا بكر رضي الله عنه وقاله عامة المفسرين . فروِي عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر يُعْتق على الإسلام عجائز ونساء ، قال : فقال له أبوه قحافة : أي بني ! لو أنك أعتقت رجالاً جُلْداً يمنعونك ويقومون معك ؟ فقال : يا أبت إنما أريد ما أريد . وعن ابن عباس في قوله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } أي بذل . { وَٱتَّقَىٰ } أي محارم الله التي نَهَى عنها . { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي بالخَلَف من الله تعالى على عطائه . { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ومَلَكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعطِ منفقاً خَلَفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تَلَفاً " وروي من حديث أبي الدرداء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم غَرَبَت شمسه إلا بُعِث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثَّقَلين : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، وأَعطِ ممسِكاً تلفاً " فأنزل الله تعالى في ذلك في القرآن { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } … الآيات . وقال أهل التفسير : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } المُعْسِرين . وقال قتادة : أعطى حق الله تعالى الذي عليه . وقال الحسن : أعطى الصدق من قلبه . { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي بلا إله إلا الله قاله الضحاك والسلمي وابن عباس أيضاً . وقال مجاهد : بالجنة دليله قوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] … الآية . وقال قتادة : بموعود الله الذي وعده أن يثيبه . زيد بن أسلم : بالصلاة والزكاة والصوم . الحسن : بالخَلَف من عطائه وهو اختيار الطبريّ . وتقدم عن ابن عباس ، وكله متقارب المعنى إذ كله يرجع إلى الثواب الذي هو الجنة . الثانية : قوله تعالى : { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } أي نرشده لأسباب الخير والصلاح ، حتى يسهل عليه فعلها . وقال زيد بن أسلم : « لليسرى » للجنة . وفي الصحيحين والترمذي " عن عليّ رضي الله عنه قال : كنا في جنازة بالبقِيع ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجلس وجلسنا معه ، ومعه عود ينكُتُ به في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : « ما مِن نفسٍ منفوسةٍ إلا قد كتِب مدخلها » فقال القوم : يا رسول الله ، أفلا نتكِل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء . قال : « بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه يُيَسَّر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء ثم قرأ { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } » " لفظ الترمذيّ . وقال فيه : حديث حسن صحيح . " وسأل غلامان شابان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ؟ أم في شيء يستأنف ؟ فقال عليه السلام : « بل فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير » قالا : ففيم العمل ؟ قال : « اعملوا ، فكل ميسر لعمل الذي خلق له » " قالا : فالآن نجِد ونعمل . الثالثة : قوله تعالى : { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } أي ضنّ بما عنده ، فلم يبذل خيراً . وقد تقدّم بيانه وثمرته في الدنيا في سورة « آل عمران » . وفي الآخرة مآله النار ، كما في هذه الآية . روى الضحاك عن ابن عباس { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } قال : سوف أحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله . وعنه عن ابن عباس قال : نزلت في أمية بن خلف وروى عكرمة عن ابن عباس : « وأما من بخِل واستغنى » يقول : بخِل بمالِه ، واستغنى عن ربه . { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي بالخلف . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد : « وكذب بِالحسنى » قال : بالجنة . وبإسناد عنه آخر قال : « بالحسنى » أي بلا إلٰه إلا الله . { فَسَنُيَسِّرُهُ } أي نسهل طريقه . { لِلْعُسْرَىٰ } أي للشر . وعن ابن مسعود : للنار . وقيل : أي فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها . وقد تقدّم : أن الملك ينادي صباحاً ومساءً : " اللهم أعطِ منفِقاً خلفاً ، وأعط ممسِكاً تلفاً " رواه أبو الدرداء . مسألة : قال العلماء : ثبت بهذه الآية وبقوله : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ البقرة : 3 ] ، وقوله : { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } [ البقرة : 274 ] إلى غير ذلك من الآيات أن الجود من مكارم الأخلاق ، والبخل من أرذلها . وليس الجواد الذي يعطي في غير موضع العطاء ، ولا البخيل الذي يمنع في موضع المنع ، لكن الجواد الذي يعطي في موضع العطاء ، والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء ، فكل من استفاد بما يعطي أجراً وحمداً فهو الجواد . وكل من استحق بالمنع ذماً أو عقاباً فهو البخيل . ومن لم يستفد بالعطاء أجراً ولا حمداً ، وإنما استوجب به ذماً فليس بجواد ، وإنما هو مسرف مذموم ، وهو من المبذِّرين الذين جعلهم الله إخوان الشياطين ، وأوجب الحجْر عليهم . ومن لم يستوجب بالمنع عقاباً ولا ذماً ، واستوجب به حمداً ، فهو من أهل الرشد ، الذين يستحقون القيام على أموال غيرهم ، بحسن تدبيرهم وسداد رأيهم . الرابعة : قال الفراء : يقول القائل : كيف قال : « فسنيسره للعسرى » ؟ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله عز وجل : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] ، والبِشارة في الأصل على المفرح والسارّ ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاءت البشارة فيهما . وكذلك التيسير في الأصل على المفرح ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاء التيسير فيهما جميعاً . قال الفراء : وقوله تعالى : { فَسَنُيَسِّرُهُ } : سنهيئه . والعرب تقول : قد يَسَّرَتِ الغنم : إذا ولدت أو تهيأت للولادة . قال :