Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 93, Ayat: 7-7)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي غافلاً عما يراد بك من أمر النبوّة ، فهداك : أي أرشدك . والضلال هنا بمعنى الغفلة كقوله جل ثناؤه : { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } [ طه : 52 ] أي لا يغفل . وقال في حق نبيه : { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } [ يوسف : 3 ] . وقال قوم : { ضَآلاًّ } لم تكن تدري القرآن والشرائع ، فهداك الله إلى القرآن ، وشرائع الإسلام عن الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما . وهو معنى قوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] على ما بينا في سورة الشورى . وقال قوم : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ } أي في قوم ضلال ، فهداهم الله بك . هذا قول الكلبي والفرّاء . وعن السدي نحوه أي ووجد قومك في ضلال ، فهداك إلى إرشادهم . وقيل : « ووجدك ضالاً » عن الهجرة ، فهداك إليها . وقيل : « ضالاً » أي ناسياً شأن الاستثناء حين سُئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ، فأذكرك كما قال تعالى : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] . وقيل : ووجدك طالباً للقِبلة فهداك إليها بيانه : { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [ البقرة : 144 ] الآية . ويكون الضلال بمعنى الطلب لأن الضال طالب . وقيل : ووجدك متحيراً عن بيان ما نزل عليك ، فهداك إليه فيكون الضلال بمعنى التحير لأن الضال متحير . وقيل : ووجدك ضائعاً في قومك فهداك إليه ويكون الضلال بمعنى الضياع . وقيل : ووجدك محِباً للهداية ، فهداك إليها ويكون الضلال بمعنى المحبة . ومنه قوله تعالى : { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] أي في محبتك . قال الشاعر : @ هذا الضلالُ أشاب مني المفرِقا والعارِضَيْنِ ولم أكن متحققا عجباً لعزةَ في اختيار قطيعتي بعد الضلال فحبلها قد أخلقا @@ وقيل : « ضالا » في شِعاب مكة ، فهداك وردّك إلى جدّك عبد المطلب . قال ابن عباس : ضل النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو صغير في شِعاب مكة ، فرآه أبو جهل منصرفاً عن أغنامه ، فردّه إلى جده عبد المطلب فمنّ الله عليه بذلك ، حين ردّه إلى جده على يدي عدوّه . وقال سعيد بن جبير : خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في سفر ، فأخذ إبليس بزمام الناقة في ليلة ظَلْماء ، فعدل بها عن الطريق ، فجاء جبريل عليه السلام ، فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الهند ، وردّه إلى القافلة فمنّ الله عليه بذلك . وقال كعب : إن حليمة لما قضت حق الرضاع ، جاءت برسول الله صلى الله عليه وسلم لتردّه على عبد المطلب ، فسمعت عند باب مكة : هنيئاً لك يا بطحاء مكة ، اليوم يرد إليك النور والدين والبهاء والجمال . قالت : فوضعته لأُصلِح ثيابي ، فسمعت هدّة شديدة ، فالتفت فلم أره ، فقلت : مَعْشَرَ الناس ، أين الصبيّ ؟ فقالوا : لم نر شيئاً فصحت : وامحمداه ! فإذا شيخ فانٍ يتوكأ على عصاه ، فقال : اذهبي إلى الصنم الأعظم فإن شاء أن يردّه عليك فعل . ثم طاف الشيخ بالصنم ، وقبل رأسه وقال : يا رب ، لم تزل مِنتك على قريش ، وهذه السعدية تزعم أن ابنها قد ضل ، فردّه إن شئت . فانكب هُبَلُ على وجهه ، وتساقطت الأصنام ، وقالت : إليك عنا أيها الشيخ ، فهلاكنا على يدي محمد . فألقى الشيخ عصاه ، وارتعد وقال : إن لابنكِ رباً لا يضيعه ، فاطلبيه على مَهَل . فانحشرت قريش إلى عبد المطلب ، وطلبوه في جميع مكة ، فلم يجدوه . فطاف عبد المطلب بالكعبة سبعاً ، وتضرع إلى الله أن يردّه ، وقال : @ يا ربِّ رُدَّ ولدي محمدَا اردده ربي واتخذ عندي يدا يا رب إنْ محمدٌ لم يُوجدا فشمل قومي كلهم تبدّدا @@ فسمعوا منادياً ينادي من السماء : معاشر الناس لا تضِجوا ، فإن لمحمد رباً لا يخذله ولا يضيعه ، وإن محمداً بوادي تِهامة ، عند شجرة السَّمُر . فسار عبد المطلب هو وورقة بن نوفل ، فإذا النبيّ صلى الله عليه وسلم قائم تحت شجرة ، يلعب بالأغصان وبالورق . وقيل : « ووجدك ضالاً » ليلة المِعراج ، حين انصرف عنك جبريل وأنت لا تعرف الطريق ، فهداك إلى ساق العرش . وقال أبو بكر الورّاق وغيره : « ووجدك ضالاً » : تحب أبا طالب ، فهداك إلى محبة ربك . وقال بسام بن عبد الله : « ووجدك ضالاً » بنفسك لا تدري من أنت ، فعرفك بنفسِك وحالك . وقال الجنيدي : ووجدك متحيراً في بيان الكتاب ، فعلمك البيان بيانه : { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [ النحل : 44 ] … الآية . { لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } [ النحل : 64 ] . وقال بعض المتكلمين : إذا وجدت العرب شجرة منفردة في فلاة من الأرض ، لا شجر معها ، سموها ضالة ، فيهتدي بها إلى الطريق فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ } أي لا أحد على دينك ، وأنت وحيد ليس معك أحد فَهدَيتُ بك الخلقَ إليّ . قلت : هذه الأقوال كلها حِسان ، ثم منها ما هو معنويّ ، ومنها ما هو حِسيّ . والقول الأخير أعجب إليّ لأنه يجمع الأقوال المعنوية . وقال قوم : إنه كان على جملة ما كان القوم عليه ، لا يُظهر لهم خلافاً على ظاهر الحال فأما الشرك فلا يُظَنُّ به بل كان على مراسم القوم في الظاهر أربعين سنة . وقال الكلبيّ والسدّيّ : هذا على ظاهره أي وجدك كافراً والقوم كفار فهداك . وقد مضى هذا القول والردّ عليه في سورة « الشورى » . وقيل : وجدك مغموراً بأهل الشرك ، فميزك عنهم . يقال : ضل الماء في اللبن ومنه { أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } [ السجدة : 10 ] أي لحقنا بالتراب عند الدفن ، حتى كأنا لا نتميز من جملته . وفي قراءة الحسن « ووجدك ضالٌّ فهدى » أي وجدك الضال فاهتدى بك وهذه قراءة على التفسير . وقيل : « ووجدك ضالاً » لا يهتدي إليك قومك ، ولا يعرفون قدرك فهدى المسلمين إليك ، حتى آمنوا بك .