Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 9-11)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ } أي لا تَسَلَّطْ عليه بالظلم ، ادفع إليه حقه ، واذكر يتمك قاله الأخفش . وقيل : هما لغتان بمعنى . وعن مجاهد « فلا تقهر » فلا تَحْتَقِرْ . وقرأ النخَعِيّ والأشهب العُقَيليّ « تَكْهر » بالكاف ، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود . فعلى هذا يحتمل أن يكون نهياً عن قهره ، بظلمه وأخذ ماله . وخص اليتيم لأنه لا ناصر له غير الله تعالى فغلَّظ في أمره ، بتغليظ العقوبة على ظالمه . والعرب تعاقب بين الكاف والقاف . النحاس : وهذا غلط ، إنما يقال كَهَره : إذا اشتدّ عليه وغَلَّظ . وفي صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمِي ، حين تكلم في الصلاة بردّ السلام ، قال : فبأبي هو وأمي ! ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما كَهَرَني ، ولا ضربني ، ولا شتمني … الحديث . وقيل : القهر الغلبة . والكَهْر : الزجر . الثانية : ودلت الآية على اللطف باليتيم ، وبِره والإحسان إليه حتى قال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم . وروِي عن أبي هريرة : " أن رجلاً شكا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال : « إن أردت أن يلين ، فامسح رأس اليتيم ، وأطعم المسكين » " وفي الصحيح عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين » وأشار بالسبابة والوُسطى " ومن حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن ، فيقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي ، من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيبت أباه في التراب ، فتقول الملائكة ربنا أنت أعلم ، فيقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي ، اشهدوا أن من أَسْكَتَه وأرضاه ؟ أن أرضِيه يوم القيامة " فكان ابن عمر إذا رأى يتيماً مسح برأسه ، وأعطاه شيئاً . وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ضم يتيماً فكان في نفقته ، وكفاه مؤونته ، كان له حجاباً من النار يوم القيامة ، ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة " وقال أكثم بن صَيفِيّ : الأذلاّء أربعة : النمام ، والكذاب ، والمديون ، واليتيم . الثالثة : قوله تعالى : { وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } أي لا تزجره فهو نهي عن إغلاظ القول . ولكن رُدَّه ببذل يسير ، أو ردّ جميل ، واذكر فقرك قاله قتادة وغيره . وروي عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يمنعن أحدُكم السائلَ ، وأن يعطِيه إذا سأل ، ولو رأى في يده قُلْبين من ذهب " وقال إبراهيم بن أدهم : نعم القوم السُّؤَّال : يحملون زادنا إلى الآخرة . وقال إبراهيم النخعي : السائل يريد الآخرة ، يجيء إلى باب أحدكم فيقول : هل تبعثون إلى أهليكم بشيء . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رُدُّوا السائل ببذل يسير ، أو ردّ جميل ، فإنه يأتيكم من ليس من الإنس ولا من الجن ، ينظر كيف صنيعكم فيما خوّلكم الله " وقيل : المراد بالسائل هنا ، الذي يسأل عن الدِّين أي فلا تنهره بالغِلظة والجَفْوة ، وأجبه برفق ولين قاله سفيان . قال ابن العربيّ : وأما السائل عن الدين فجوابه فرض على العالِم ، على الكفاية كإعطاء سائل البِرّ سواء . وقد كان أبو الدرداء ينظر إلى أصحاب الحديث ، ويبسط رداءه لهم ، ويقول : مرحباً بأحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي حديث أبي هارون العَبْديّ ، عن أبي سعيد الخُدْرِي ، قال : كنا إذا أتينا أبا سعيد يقول : مَرْحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الناس لكم تَبَع وإن رجالاً يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً " وفي رواية " يأتيكم رجال مِن قِبل المشرق " … فذكره . و « اليتيم » و « السائل » منصوبان بالفعل الذي بعده وحق المنصوب أن يكون بعد الفاء ، والتقدير : مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم ، ولا تنهر السائل . وروي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " سألت ربي مسألة ودِدت أني لم أسألها : قلت : يا رب اتخذت إبراهيم خليلاً ، وكلمت موسى تكليما ، وسخرت مع داود الجبال يسبحن ، وأعطيت فلاناً كذا فقال عز وجل : ألم أجدك يتيماً فآويتك ؟ ألم أجدك ضالاً فهديتك ؟ ألم أجدك عائلاً فأغنيتك ؟ ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أوتِك ما لم أُوتِ أحداً قبلك : خواتيمَ سورة البقرة ، ألم أتخذك خليلاً ، كما اتخذت إبراهيم خليلاً ؟ قلت : بلى يا رب " . الرابعة : قوله تعالى : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } أي انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء . والتحدث بنعم الله ، والاعتراف بها شكر . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد « وأما بنعمة ربك » قال بالقرآن . وعنه قال : بالنبوّة أي بلغ ما أرسلت به . والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، والحكم عام له ولغيره . وعن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما قال : إذا أصبت خيراً ، أو عملت خيراً ، فحدّث به الثقة من إخوانك . وعن عمرو بن ميمون قال : إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به ، يقول له : رزقني الله من الصلاة البارحة كذا وكذا . وكان أبو فراس عبد الله بن غالب إذا أصبح يقول : لقد رزقني الله البارحة كذا ، قرأت كذا ، وصليت كذا ، وذكرت الله كذا ، وفعلت كذا . فقلنا له : يا أبا فراس ، إن مثلك لا يقول هذا ! قال يقول الله تعالى : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } وتقولون أنتم : لا تَحَدَّث بنعمة الله ! ونحوه عن أيوب السختِيانيّ وأبي رجاء العُطارِدِيّ رضي الله عنهم . وقال بكر بن عبد الله المَزُنِيّ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " من أُعطِي خيراً فلم يُرَ عليه ، سمي بغيض الله ، معادياً لنعم الله " وروى الشعبيّ عن النعمان بن بشير قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " من لم يشكر القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس ، لم يشكر الله ، والتحدّث بالنعم شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب " وروى النسائي " عن مالك بن نضلة الجُشَمِيّ قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ، فرآني رَثَّ الثياب فقال : « ألك مال ؟ » قلت : نعم ، يا رسول الله ، من كل المال . قال : « إذا آتاك الله مالاً فلْيُرَ أثره عليك » " وروى أبو سعيد الخدريّ : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله جميل يحب الجمال ، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده " . فصل : يكبّر القارىء في رواية البزيّ عن ابن كثير وقد رواه مجاهد عن ابن عباس ، عن أبيّ بن كعب : " عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بلغ آخر « والضحى » كَبَّر بين كل سورة تكبيرة ، إلى أن يختم القرآن ، ولا يصل آخر السورة بتكبيره بل يفصل بينهما بسكتة ، وكأنّ المعنى في ذلك أن الوحي تأخر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أياماً ، فقال ناس من المشركين : قد ودعه صاحبه وقلاه فنزلت هذه السورة فقال : « الله أكبر » " قال مجاهد : قرأت على ابن عباس ، فأمرني به ، وأخبرني به عن أبيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . ولا يكبّر في قراءة الباقين لأنها ذرِيعة إلى الزيادة في القرآن . قلت : القرآن ثبت نقلاً متواتراً سوره وآياته وحروفه لا زيادة فيه ولا نقصان فالتكبير على هذا ليس بقرآن . فإذا كان بسم الله الرحمن الرحيم المكتوب في المصحف بخط المصحف ليس بقرآن ، فكيف بالتكبير الذي هو ليس بمكتوب . أما أَنه ثبت سنة بنقل الآحاد ، فاستحبه ابن كثير ، لا أنه أوجبه فخطأ من تركه . ذكر الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ في كتاب « المستدرك » له على البخارِيّ ومسلم : حدثنا أبو يحيـى محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد ، المقرىء الإمام بمكة ، في المسجد الحرام ، قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن زيد الصائغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة : سمعت عكرمة بن سليمان يقول : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين ، فلما بلغت « والضحى » قال لي كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، فإني قرأت على عبد الله بن كثير فلما بلغت « والضحى » قال : كبر حتى تختم . وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد ، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أُبَيَّ بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أُبَيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك . هذا حديث صحيح ولم يخرجاه .