Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 95, Ayat: 4-5)

Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } هذا جواب القسم ، وأراد بالإنسان : الكافر . قيل : هو الوليد بن المُغيرة . وقيل : كَلَدَة بن أَسيد . فعلى هذا نزلت في مُنكري البعث . وقيل : المراد بالإنسان آدم وذريته . { فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } وهو اعتداله واستواء شبابه كذا قال عامة المفسرين . وهو أحسن ما يكون لأنه خلق كل شيء مُنْكَباً على وجهه ، وخلقه هو مستوياً ، وله لسان ذَلِق ، ويد وأصابع يقبض بها . وقال أبو بكر بن طاهر : مزينا بالعقل ، مؤدِّيا للأمر ، مَهْديًّا بالتمييز ، مديد القامة يتناول مأكوله بيده . ابن العربيّ : « ليس لله تعالى خلق أحسنُ من الإنسان ، فإن الله خلقه حياً عالِما ، قادراً مريداً متكلماً ، سميعاً بصيراً ، مدبراً حكيما . وهذه صفات الرب سبحانه ، وعنها عبَّر بعض العلماء ، ووقع البيان بقوله : " إن الله خلق آدم على صُورته " يعني على صفاته التي قدمنا ذكرها . وفي رواية " على صورة الرحمن " ومن أين تكون للرحمن صورة متشخصة ، فلم يبق إلا أن تكون معاني » . وقد أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الأزديّ قال : أخبرنا القاضي أبو القاسم عليّ بن أبي علي القاضي المحسِّن عن أبيه قال : كان عيسى بن موسى الهاشمي يحب زوجته حباً شديداً فقال لها يوماً : أنت طالق ثلاثاً إن لم تكوني أحسن من القمر فنهضت واحتجبت عنه ، وقالت : طلقتني ! . وبات بليلة عظيمة ، فلما أصبح غدا إلى دار المنصور ، فأخبره الخبر ، وأظهر للمنصور جزعاً عظيماً فاستحضر الفقهاء واستفتاهم . فقال جميع من حضر : قد طلقت إلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة ، فإنه كان ساكتاً . فقال له المنصور : ما لك لا تتكلم ؟ فقال له الرجل : بسم الله الرحمن الرحيم { وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } . يا أمير المؤمنين ، فالإنسان أحسن الأشياء ، ولا شيء أحسن منه . فقال المنصور لعيسى بن موسى : الأمر كما قال الرجل ، فأقبلْ على زوجتك . وأرسل أبو جعفر المنصور إلى زوجة الرجل : أن أطيعي زوجك ولا تعصيه ، فما طلقك . فهذا يدلك على أنّ الإنسان أحسن خلق الله باطناً وظاهراً ، جمال هيئة ، وبديع تركيب : الرأس بما فيه ، والصدر بما جمعه ، والبطن بما حواه ، والفرج وما طواه ، واليدان وما بطشتاه ، والرجلان وما احتملتاه . ولذلك قالت الفلاسفة : إنه العالَم الأصغر إذ كل ما في المخلوقات جمع فيه . الثانية : قوله تعالى : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أي إلى أرذل العمر ، وهو الهَرَم بعد الشباب ، والضعف بعد القوّة ، حتى يصير كالصبيّ في الحال الأوّل قاله الضحاك والكلبيّ وغيرهما . وروى ابن أبي نَجيح عن مجاهد : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } إلى النار ، يعني الكافر ، وقاله أبو العالية . وقيل : لما وصفه الله بتلك الصفات الجليلة التي رُكِّب الإنسان عليها ، طغى وعلا ، حتى قال : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] وحين علم الله هذا من عبده ، وقضاؤه صادر من عنده ، رَدَّه أسفل سافلين بأن جعله مملوءاً قَذَراً ، مشحوناً نجاسة ، وأخرجها على ظاهره إخراجاً منكرا ، على وجه الاختيار تارة ، وعلى وجه الغَلَبة أخرى ، حتى إذا شاهد ذلك من أمره ، رجع إلى قدره . وقرأ عبد الله « أسفلَ السَّافلِينَ » . وقال : « أسفل سافِلِين » على الجمع لأن الإنسان في معنى جمع ، ولو قال : أسفل سافلٍ جاز لأن لفظ الإنسان واحد . وتقول : هذا أفضل قائم . ولا تقول أفضل قائمين لأنك تضمر لواحد ، فإن كان الواحد غير مُضْمَر له ، رجع اسمه بالتوحيد والجمع كقوله تعالى : { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [ الزمر : 33 ] . وقوله تعالى : { وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } [ الشورى : 48 ] . وقد قيل : إن معنى { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } أي رددناه إلى الضلال كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ العصر : 2 - 3 ] أي إلا هؤلاء ، فلا يردون إلى ذلك . والاستثناء على قول من قال « أسفلَ سافلينَ » : النار ، متصل . ومن قال : إنه الهرَم فهو منقطع .