Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 4-4)
Tafsir: al-Ǧāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } يعني الخط والكتابة أي علم الإنسان الخط بالقلم . ورَوى سعيد عن قتادة قال : القلم نعمة من الله تعالى عظيمة ، لولا ذلك لم يقم دِين ، ولم يصلُح عيش . فدل على كمال كرمه سبحانه ، بأنه عَلَّم عباده ما لم يعلموا ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ونَبَّه على فضل علم الكتابة ، لما فيه من المنافع العظيمة ، التي لا يحيط بها إلا هو . وما دُوِّنت العلوم ، ولا قُيِّدت الحِكم ، ولا ضبطت أخبار الأوّلِين ومقالاتهم ، ولا كتبُ الله المُنْزَلة إلا بالكتابة ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا . وسُمِّي قلماً لأنه يُقْلَم أي يقطع ، ومنه تقليم الظفر . وقال بعض الشعراء المُحْدَثِين يصف القلم : @ فكأنه والحِبْرُ يخضِبُ رأسَهُ شيخٌ لوصل خرِيدةٍ يَتَصَنَّعُ لِمَ لا أُلاحظه بعين جَلالة وبه إلى الله الصحائفُ ترفعُ @@ " وعن عبد الله بن عمر قال : يا رسول الله ، أأكتب ما أسمع منك من الحديث ؟ قال : « نعم فاكتب ، فإن الله عَلَّم بالقلم » " وروى مجاهد عن ابن عمر قال : خلق الله عز وجل أربعة أشياء بيده ، ثم قال لسائر الحيوان : كن فكان : القلم ، والعَرْش ، وجنة عَدْن ، وآدم عليه السلام . وفيمن علمه بالقلم ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه آدم عليه السلام لأنه أوّل من كتب ، قاله كعب الأحبار . الثاني : أنه إدريس ، وهو أول من كتب . قاله الضحاك . الثالث : أنه أدخل كل من كتب بالقلم لأنه ما عَلِم إلا بتعليم الله سبحانه ، وجمع بذلك نعمته عليه في خَلْقه ، وبين نعمته عليه في تعليمه استكمالاً للنعمة عليه . الثانية : صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هُريرة ، قال : " لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش ـ : « إن رحمتي تغلِب غضبي » " وثبت عنه عليه السلام أنه قال : " أوّلُ ما خلق الله : القلم ، فقال له اكتب ، فكتب ما يكون إلى يوم القيامة ، فهو عنده في الذكر فوق عرشه " وفي الصحيح من حديث ابن مسعود : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة ، بعث الله إليها ملكاً فصوّرها ، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ، ثم يقول ، يا رب ، أذكر أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب المَلَك ثم يقول : يا رب أَجَلَه ، فيقول ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يقول يا رب رزقَه ، ليقضي ربك ما شاء ، ويكتب المَلَك ، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده ، فلا يزيد على ما أُمر ولا ينقص ، وقال تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ } [ الانفطار : 10 11 ] " قال علماؤنا : فالأقلام في الأصل ثلاثة : القلم الأوّل : الذي خلقه الله بيده ، وأمره أن يكتب . والقلم الثاني : أقلام الملائكة ، جعلها الله بأيديهم يكتبون بها المقادير والكوائن والأعمال . والقلم الثالث : أقلام الناس ، جعلها الله بأيديهم ، يكتبون بها كلامهم ، ويصلون بها مآربهم . وفي الكتابة فضائل جمة . والكتابة من جملة البيان ، والبيان مما اختص به الآدميّ . الثالثة : قال علماؤنا : كانت العرب أقل الخلق معرفة بالكتاب ، وأقل العرب معرفة به المصطفى صلى الله عليه وسلم صُرِف عن علمه ، ليكون ذلك أثبت لمعجزته ، وأقوى في حجته ، وقد مضى هذا مبيناً في سورة « العنكبوت » . وروى حَمَّاد بن سَلَمة عن الزبير بن عبد السلام ، عن أيوب بن عبد الله الفهري ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تُسْكِنوا نساءكم الغُرف ، ولا تعلموهن الكتابة " قال علماؤنا : وإنما حذرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك ، لأن في إسكانهن الغُرَف تطلعاً إلى الرجل وليس في ذلك تحصين لهنّ ولا تستر . وذلك أنهنّ لا يملكن أنفسهنّ حتى يشرفن على الرجل فتَحدثَ الفتنة والبلاء فحذرهم أن يجعلوا لهن غُرَفاً ذريعة إلى الفتنة . وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس للنساء خيرٌ لهنّ من ألا يراهنّ الرجال ، ولا يرين الرجال " وذلك أنها خُلقت من الرجل ، فنهْمتُها في الرجل ، والرجل خلقت فيه الشهوة ، وجُعلت سكناً له ، فغير مأمون كل واحد منهما في صاحبه . وكذلك تعليم الكتابة ربما كانت سبباً للفتنة ، وذلك إذا عُلِّمَتِ الكتابة كتبت إلى من تَهوَى . والكتابة عين من العيون ، بها يبصر الشاهد الغائب ، والخط هو آثار يده . وفي ذلك تعبير عن الضمير بما لا ينطلق به اللسان ، فهو أبلغ من اللسان . فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينقطع عنهنّ أسباب الفتنة تحصيناً لهنّ ، وطهارة لقلوبهنّ .