Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 63-65)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } عقاب الله بامتثال الأَوامر واجتناب النواهى ، الاتقاءُ حذر المعاصى إِجلالا لله تعالى أَو خوفا من عقابه ، ومن يعصى ويتوب من قلبه لم يخرج عن اسم الاتقاءِ والتقوى لأَن ذلك مراتب منها ترك المعاصى إِلا نادرا يعاجل بالتوبة ومنها ترك المعاصى أَلبتة كالأَنبياءِ والملائِكة ، قيل : يا رسول الله من أَولياءُ الله ؟ قال : " الذين إِذا رُءُوا ذكر الله تعالى " ، أَى تدعو حالهم إِلى طاعة الله وتقواه ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لله قوم تحابوا في الله بلا قرابة هم على منابر من نور يوم القيامة ، يغبطهم الأَنبياءُ والشهداءُ لا فزع عليهم وهم أَولياءُ الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ، ونقول الأَنبياءَ أَفضل إِنما يتمنون حالهم لشدة الجمع بينهم وبين أَممهم لشأْن التبليغ ثم رأَيته والحمد لله تعالى لغيرى ، وقال عيسى عليه السلام : أَولياءُ الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين رفضوا الدنيا ولم يغرهم ظاهرها ، وهدموها وبنوا بها الآخرة ، مبتدأ وخبره . { لَهُمُ الْبُشْرَى فِى الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ } أَو خبر ثان لأَن أَو خبر لمحذوف كأَنه قيل من هم ؟ فقال : هم الذين قيل ، أَو منصوب على المدح أَو نعت لأَولياءَ ، وفيه الفصل بالخبر ، وإِذا لم يجعل لهم البشرى خبرا فهو مستأْنف كأَنه قيل : ماذا لهم ؟ فقيل : لهم البشرى إِلخ ، وفى الحياة متعلق بالبشرى أَو بلهم أَو بمتعلقه أَو حال من ضمير الاستقرار ، عن عبادة بن الصامت قال صلى الله عليه وسلم : " البشرى فى الدنيا الرؤيا الصالحة يراها الرجل أَو ترى له " ، رواه الحاكم . قال صلى الله عليه وسلم : " ذهبت النبوة وبقيت المبشرات " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الرؤيا الصالحة التى يتبشر بها المؤمن جزءٌ من ستة وأَربعين جزءاً من النبوة " كما هو المشهور ، وعن ابن عمر وأَبى هريرة : جزءٌ من سبعين جزءاً من النبوة ، ولا يختص التبشير بها بمن فى غاية درجات الولاية ، بل السعيد مطلقا ، ويجوز أَن يراها أَو ترى له ، ولو فى حال المعصية لأَنه يختم له بالسعادة فلا تهم ، ويجوز أَن تفسر بالرؤيا الصالحة وما يبشر به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما يكون بالمكاشفة وما يبشره به الملائِكة عند النزع ، ويكون حديث عبادة تمثيلا لا حصرا ، ويدل على أَنه تمثيل ما روى مسلم أَن أَبا ذر رضى الله عنه قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أَرأَيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه ، قال : " تلك عاجلة بشرى المؤمن " فإِن هذا ليس حصراً أَيضاً ، وذلك بلا قصد منه للثناءِ بل يشتغل قلبه بالله فيفيض النور على ظاهره ، وينادى الملك للملائكة : إِن الله أَحب فلاناً فأَحبوه ويوضع له القبول فى الأَرض ، والبشرى فى الآخرة بعد الموت ويوم القيامة وقوله تعالى : { تتنزل عليهم الملائكة أَلاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأَبشروا بالجنة التى كنتم توعدون } [ فصلت : 30 ] قيل عند الموت ، وقيل بعده ، قال جل وعلا { بشراكم اليوم } [ الحديد : 12 ] { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ } لوعده ولا لوعيده ولا لشىءٍ مما قضى ، وهذا لعمومه وكونه برهانا على عدم خلفه البشرى أَولى من التفسير بخصوص عدم خلفها { ذَلِكَ } إِشارة إِلى البشرى ، وإِنما ذكر بتأْويل التبشير أَو إِشارة إِلى ثبوتها إِذ قال لهم البشرى { هُوَ الْفَوْزُ } أَى المفوز به { الْعَظِيمُ } فتسل بذلك عن إِيذائهم وأَيقن كما قال : { وَلاَ يَحْزُنْك قَوْلُهُمْ } لست مرسلا ولا نبياً وإِنك مجنون أَو شاعر أَو ساحر أَو ما تأْتى به أَساطير الأَولين أَو يعلمك بشر . وفى هذا تهديد لهم { إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } لا شىءَ منها لغيره فهو ينصرك عليهم ولا تنفعهم قوتهم بالمال والكثرة ، وهو تعليل جملى لقوله لا يحزنك ، كأَنه قيل لأَن العزة لله جميعاً كما قرأَ أَبو حيوة بفتح الهمزة ، وهذا أَولى من أَن يكون استئنافاً بيانياً ، كأَنه قيل لم لا يحزنه ؟ فقال : إِن العزة لله جميعاً ، لأَن الأَول هو المتبادر ، ولأَن يحزنك نهى لا إِخبار ، والاستئناف البيانى إِنما يحسن بعد الإِخبار وأَما بعد الطلب فيحتاج لتأْويل كأْنه قيل : لم نهى عن الحزن المتأَثر بأَحزانهم فقال إِن العزة إِلخ ، وهى على ظاهر ما يعطيكها الله أَو بمعنى القوة . وقد يقال على بعد أَن الجملة محكية بالقول على فرض أَن المشركين يقولون : العزة لله بلسانهم واعتقادهم لأَنها أَمر واضح لا محيد عنه ، والحزن يتصور منه صلى الله عليه وسلم لمخالفتهم مضمون ذلك ، وكذلك يبعد أَن يكون بدلا من القول ، كأَنه قيل لا يحزنك أَن العزة لله بفتح الهمزة على حد لا تكونن ظهيراً للكافرين ، ولا تدع مع الله إِلهاً آخر ، إِلهاماً وتهييجاً ، والمراد النهى عن التأَثر به ، وذلك أَنه السبب ، وجميعاً حال من الضمير فى الخبر ولم يؤَنث لأَن فعيلا من صيغ المصدر ، وهو يصلح بلفظ واحد لكل ما أُريد به ، ولو كان هذا وصفاً أَو توكيداً ، أَى إِن العزة جميعها لله ، وما تقدم أَولى { هُوَ السَّمِيعُ } العليم بالأَصوات { الْعَلِيمُ } بالأَفعال والاعتقادات وكل شىءٍ ، فهو يعاقبهم على أَفعالهم وأَقوالهم واعتقاداتهم كبيرها وصغيرها ، ويجازيكم خيراً كذلك وينصركم ، وصغائِرِهم كبائِر لأَنهم أَصروا عليها وبالإِشراك .