Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 107-108)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ خالِدِين فِيهَا مَا دامَتِ السَّمَاواتُ وَالأَرْضُ } المراد الخلود بلا غاية ، والسماوات والأَرض منقطعة ، ولكن مثل بدوامهما على طريقة العرب فى التمثيل لما لا انقطاع له بما له انقطاع بعيد كما يمثلون لا إِياس بالسبعين ، ويقولون لا أَكلمك ما دامت السماءُ والأَرض حاضت البنت وما أَطت الإِبل ، وما أَورق الشجر وما أَينع الثمر ، وما سال سائِل وما جن ليل وما طلع فجر وما لاح كوكب وما طرق طارق وما نطق الحق وما غنت حمامة ، ومرادهم أَنه لا يكون كذا أبدا ، ومعلوم أَنهم لا يعيشون مدة بقاءِ السماءِ والأَرض ولا مدة ما ذكر ولو أُريد ظاهر الآية لم يبق إِلا المفهوم ، إِذ يفهم أَنه إِذا زالت السماوات والأَرض خرجوا منها بل يبقون فيها إِلى زوالهما وبعد زوالهما لا يخرجون للنصوص الدالة على الأَبدية المبطلة لهذا المفهوم ، فليس هذا المفهوم مرادا فى الآية ، ثم إن السماوات والأَرض تفنيان يوم القيامة فكيف يدومون فى النار ما دامتا فالمراد والله أَعلم التمثيل لخلودهم فيها بمقدار بقائِها ، وقيل المراد سماوات النار وأَرضها وهما أَبديتان وسماواتها سقوفها كما قال الله جل وعلا : { يوم تبدل الأَرض غير الأَرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] وفى هذه أَيضاً أَن المخاطبين لا يعرفون ثبوت هذا ولا قيام الساعة ، ويجاب عن هذا والذى قبله أَنه لا مانع من خطابهم بما لم يعرفوا لفائِدتين إِحداهما الاحتجاج مثلا والأُخرى الإِخبار بذلك الشىءِ ، وقيل ما دامت السماوات والأَرض قبل زوالهن فإِذا زالت أَبدلهم الله خلودا { إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّك } من مدة ، وهى ما بين قيام الساعة إِلى دخول النار فإِنهم يعذبون فى قبورهم بنار تارة ، وتعذب أَرواحهم فى سجين تارة بها ، والمستثنى منه هو المصدر الظرفى وهو دوام السماوات والأَرض ، لكن يبقى من يموت بقيام الساعة ، فإِنه لم يعذب قبله ، فإِِما أَن يحمل الكلام على الغالب لأَن من مات وعذب قبل قيامها أَكثر أَو يحمل الاستثناءُ فى بابه على الاستثناءِ من أَول ولا مانع من اختلاف أَحوال المستثنى ، أَو المدة المستثناة هى مدة كونهم فى الزمهرير فإِنهم تارة فى النار ، وتارة فى الزمهرير ، أَو المراد إِلا ما شاءَ ربك من الزيادة على قدر مدة دوام السماوات والأَرض ، وهى زيادة لا منتهى لها وإِلا فى هذا الوجه كالنعت أَو البدل ، أَى مدة دوام السماوات والأَرض التى هى غير ما يزداد بعدها ، كقولك : لى عليك أَلف غير الأَلف السابق أَو غير الأَلف الذى سيكون من جهة كذا ، ذكر أَولا ما يعرف من المدة وزاد بعدها ما لا ينتهى ، ويجوز أَن يكون المستثنى مدة لبثهم فى الدنيا وبرازخهم والموقف ، وبرزخ كل أَحد ما بين موته إِلى بعثه كأَنه قيل نعم أَصحاب النار ، لا يخلون عنها إِلا ما سبق من المدة قبل وقت دخولها ، ويجوز الاستثناءُ من الزفير والشهيق والمعنى لهم فيها زفير وشهيق فى جميع أَوقاتها إِلا بعض الأَحيان فينقطع فيها زفيرهم وشهيقهم ، إِلا أَن هذا يشكل بأَنه ليس استثناءً تاما لعدم ذكر المستثنى منه ، ولا مفرغا لعدم السلب ، وبعض النحاة يكتفى بالمقدر فى ذلك كما رأيت ، والأَولى فى هذا جعل الاستثناءِ منقطعا ، وقيل المعنى : إِلا ما شاءَ ربك لو فرض أَنه تعالى وعز وجل يشاءُ إِخراجهم فهو تعليق بالحال فيكون ذلك برهانا على الأَبدية كقوله تعالى عز وجل : { حتى يلج الجمل فى سم الخياط } [ الأَعراف : 40 ] أَو كقوله : لأَضربنك إِلا أَن أَرى غير ذلك ، وأَنت لا ترى إِلا ضربه ، وكأَنه قيل لا يخرجهم ولو شاءَ لأَخرجهم ، وقيل الاستثناءُ تعليم للاستثناءِ لمشيئة الله عز وجل وفى الكلام والتبرك به وهو فى حكم الشرط كقوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إِن شاءَ الله } [ الفتح : 27 ] . { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } لا راد لفعله ولا معارض ، ذكر الله وعيدهم إِنذارا لقومه صلى الله عليه وسلم وتسلية له صلى الله عليه وسلم ، وذكر السعادة لهم ولمن اتبعهم تنشيطا لهم وإِرغاما للكفرة بقوله { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِى الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غيْرَ مَجْذُوذٍ } غير مقطوع عنهم بفنائِهم ، أَو مرضهم أَو خروجهم ، أَو عدم الانتفاع ، كل ذلك لا يكون ونصب عطاءِ على أَنه مفعول مطلق ، أَى أُعطوا ذلك عطاءً ، ومعنى جذ العطاءِ إِبطاله والرجوع فيه فالاستثناءُ فيه بالنقص كما استثنى فى الكفار بالزيادة ، وما شاءَ ربك مدة برزخ قيام الساعة وما بعدها إِلى دخولها أَو ما شاءَ ربك من الزيادة ، أَى خالدين فيها قدر مدة الدنيا غير ما يزداد عليها ولا ينتهى أَو إِلا فى الموضعين كما قيل فى قوله تعالى : { إِلا من ظلم } [ النساء : 148 ] بمعنى الواو العاطفة فهى عاطفة وهو وجه ضعيف أَو الاستثناءُ تبريك فليس متصلا ولا منفصلا كقوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إٍن شاءَ الله } [ الفتح : 27 ] .