Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 42-43)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهِى تَجْرِى بِهِمْ } حال حذف عامله وصاحبه ، أى فركبوا وهى تجرى بهم ، وهى حال مقدرة ، وشهر أَن الجملة لا تكون حالا مقدرة ، وإِنما قلت لأَنها وقت إِيقاع الركوب قارة { فِى مَوْجٍ } متعلق بتجرى وهو مياه مضطربة مترافعة كل موجة كالجبل كما قال { كَالْجِبَالِ } نعت موج ولا يثبت ما قيل أن الماءَ طبق بين السماءِ والأَرض وجرت فى وسطه وعلى تقدير صحته ، الله قادر أَن يكون الموج داخل الماءِ وأَن يجريها فيه أَو ذلك قبل التطبق ، والمشهور أَن الماءَ علا على كل جبل أَربعين ذراعا ، وقيل خمسة عشر ذراعا ، وروى أَن الله عز وجل أَرسل الماءَ أَربعين يوما وليلة نصف الماءِ من الأَرض ونصف من السماءِ ، ففتحنا أَبواب السماءِ بماءٍ منهمر وفجرنا الأَرض عيونا ، وروى أَن امرأَة أَحبت صبيا لها حبا شديدا . فارتفعت به إلى الجبل ، فما زال يرتفع فترتفع هى حتى بلغ الماءُ أَعلى الجبل ، فلما بلغ الماءُ رقبتها رفعته بيديها فأَغرقهما الماءُ . فلو رحم الله أَحدا منهم لرحمها وصبيها ، وهذا ينافى ما شهر أَن الله أَعقم أَرحام نسائِهم أَربعين عاما ، ليغرقوا على أَبلغ العقل كافرين . ولعله لم يصح هذا ، أَو لم يصح شأْن الصبى أَو خصت بالولادة وأَلغز بعضهم فى السفينة : @ مكسحة تجرى ومكفوفة ترى وفى بطنها حمل على ظهرها يعلو فإِن عطشت عاشت وعاش جنينها وإِن شربت ماتت وفارقها الحمل @@ أَى إِن دخلها الماءُ غرقت ومات من فيها { وَنَادَى نُوحٌ } قبل أَن ينقطع الطريق إِلى الفلك أَو مطلقا كقدرة الله أَن يحمله على الماءِ إِليها والأَول أَولى وهذا قبل الركوب فيها { ابْنَهُ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ } وهو ابنه كنعان ابن امرأَته الخائِنة فى دينه ، وقيل ربيبه سماه ابنا وهو ضعيف ، ومعزل اسم مكان ميمى ، أَى فى موضع عزل عن السفينة ، وذلك حقيقة ، وقيل فى موضع عزل عن دين نوح ، وذلك الموضع هو دين الكفر سماه موضعا مجازا أَو هو مصدر ميمى ، أَى فى عزل عن دين نوح وقيل كان فى موضع عزل لم يتناوله الخطاب باركبوا على أَنه لم يكن عند أَبيهِ وإِخوته وقومه ، وكان ينافق بإِظهار الإِسلام فظنه مؤمنا وإِلا فإِنه لا يجب نجاته ، ومعنى لم يتناوله الخطاب أَنه لا يسمعه ، وقيل كان يجانب الكفار ولا يكون معهم ليظن أَبوه أَنه مؤمن ، أَو طمع أَن لا يدخل فى إِجمال من سبق عليه القول . وقد يمكن أَن يناديه لغلبة الشفقة على الولد وحبه بحيث لا يملك نفسه ، أَو ظن أَنه يسلم حين رأَى الغرق والهول ، أَو معنى اركب معنا اسلم لأَن الإِسلام سبب للكون وملزوم له { يَا بُنَىَّ } الأَصل بنيوى قلبت الواو وهى لام الكلمة ياءً وأُدغمت فيها ياءُ التصغير وحذفت ياءُ الإِضافة ودلت عليها الكسرة { ارْكَب مَّعَنَا } معشر المسلمين فى الفلك ، ولم يذكره لحضوره ولأَنه لا مركب حينئِذ إِلا هو { وَلاَ تكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ } فى الدين والانعزال عن السفينة ، وكأَنه قيل فبم أَجاب فقال : { قَالَ سَآوِى } أَلتجىءُ { إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَاءِ } لعلوه فلا أَغرق وذلك إِسناد إِلى السبب ، والأَصل أَعتصم به من الماءِ ، ولا يدرى أَن ذلك ماءُ الغضب لا ينجو منه المغضوب عليه بالصعود فى الجبل ، ولم يستحضر أَنه إِن نجا من الغرق فما يأْكل فى الجبل حتى يزول الماءُ مع أَن ذلك الماءَ ماءُ غضب لا ينجو من العطش وهو كافر إِجماعا ، لكن صعوده إِلى الجبل لا يلزم أَن يكون صريع عناد لاحتمال أَنه أَراد الجبل لتوهمه أَنه أَنجى من السفينة أَو لكراهة الاحتباس فى السفينة . { قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ } بمعنى أَن اليوم يوم شدة لا تجاوز فيه ، فليس قيدا يحترز به عن أَن يكون راحم غير الله فى غير اليوم ، ولا أَن يرحمهم الله بعد ذلك اليوم ، وأَمر الله إِهلاكه بالإِغراق وهو الأَمر فى قوله تعالى { حتى إِذا جاءَ أَمرنا } [ هود : 40 ] ، واليوم خبر وجاز ولو كان إِخبار بزمان عن جثة ولا سيما لأَنه أَفاد أَن عاصم لا نسلم أَنه جثة بل أَعم منها ، ومن أَمر متعلق به أَو متعلقه ، ولقد قدر الخبر محذوفا أَى موجود وعلق اليوم ومن بعاصم لنون عاصم ونصب وقيل يتعلقان به وبناؤه باق ، وقيل معرب ولم ينون للتخفيف ولشبه الإِضافة والخبر مقدر ، كما رأَيت وأُجيز كون اليوم نعتا لعاصم على حد ما مر فى الإِخبار به { إِلاَّ مَنْ رَّحِمَ } الله والاستثناءُ منقطع لأَن من رحم الله ليس من جنس العاصم . بل معصوم أَى لكن من رحمه الله يعصمه الله ، وذلك بالإِسلام كأَنه قيل : لا عاصم إِلا مرحوم والمرحوم ليس عاصما ، وكذا يكون الاستثناءُ منقطعا إِن قلنا عاصما بمعنى معصوم ، فإِن من رحم هو الله ولا يتصور أَن يكون معصوما فإِنه العاصم ، ويجوز أَن يكون الاستثناءُ متصلا بأَن يكون عاصم للنسب ، أَى لا ذا عصمة إِلا الله الراحم ، أَو على أَصله أَى لا عاصم إِلا الله الراحم ، وهو أَولى ، أَو لا عاصم بمعنى معصوم فكأَنه قيل لا معصوم إِلا المرحوم الذى رحمه الله ، ويدل له قراءَة بتاءِ رحم للمفعول كدافق بمعنى مدفوق ، أَو لا مكان عاصم إِلا مكان من رحمة الله وهو السفينة ، فيكون ردا لقول ابنه لى مكانا عاصما غير السفينة وهو الجبل رد إِفراد ، وحاصل ذلك أَن عاصم على أَصله أَو للنسب أَو بمعنى مفعول ، ومن رحم هو الله أَى الله الراحم لغيره ، أَو من رحم هو المخلوق أَى إِلا المخلوق الذى رحمه الله ، وضمير رحم عائِد إِلى الله ، والهاءُ المحذوفة الرابطة تعود إِلى المخلوق والحاصل والزيادة لا عاصم لكن من رحم الله معصوم بالله ، ولا ذا عصمة أَى معصوم إِلا من رحمه الله أَو معصوم إِلا الراحم ، أَى لكن الراحم يعصم ولا عاصم إِلا مكان من عصمه الله تعالى وهو السفينة ، أَو لا معصوم إِلا مكان من رحمه الله ، وهو الفلك فينجو من فيه أَو لا عاصم اليوم أَحدا أَو لأَحد إِلا من رحمه الله أَو لمن رحمه الله . { وَحَالَ بَيْنَهُمَا } بين نوح وابنه ، وهذا لقربه أَولى من أَن يرجح الضمير لابنه والسفينة ، ووجه هذا أَنها محل الامتناع فساغ اعتبارها ، وكذا يجوز أَن يراد بين ابنه وبين الجبل بأَن لم يتصل الجبل بل غرق قبل صعوده ، كما روى أَنه على فرس معجبا بنفسه بطرا فجاءَته موجة فأَغرقته قبل تمام جوابه كما قال الله عز وجل ، وحال بينهما { الْمَوْجُ فَكَانَ مِن الْمُغْرَقِينَ } بالماءِ .