Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 48-49)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قِيلَ } قال الله بخلق الكلام فى السفينة ، أَو حيث ما شاءَ الله قال جبريل أَو الملائِكة عن الله { يَا نُوح اهْبِطْ } من السفينة على الجبل الجودى لأَنها رست عليه ، وقيل : اهبط من الجبل إِلى الأَرض على أَنه استوت على الجودى فى عاشر ذى الحجة وأَقام بمن معه شهراً عليه ، ثم قيل له اهبط إِلى الأَرض ، وخطابه دليل له على أَن الله قد غفر له إِذ خاطبه بما ليس عقاباً ولا سوءًا ولا سيما الخطاب بسلام وبركات ، فإِن السلطان إِذا غضب على إِنسان لا يكلمه . وإِن كلمه فبسوءٍ { بِسَلاَمٍ مِّنَّا } مصاحبا لسلام منا عليكم . وهو التحية كما قال الله عز وجل { سلام على نوح فى العالمين } [ الصافات : 79 ] أَو بسلامة جاءَتكم منا إِذ سلمتم من الغرق ومن أَن تغرقوا فى الأَرض ومن أَن تموتوا فيها جوعاً أَو عطشاً أَو بغير ذلك كالعراءِ والبرد والحر ، ومنا نعت سلام أَو متعلق به على معنى سلامة من ضرنا { وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّنْ مَعَكَ } على متعلق ببركات أَو بمحذوف نعت لبركات ، وهى الحياة فى الإِسلام ، والرزق وانتشار ذريته ، أَو المراد أَنه يدعو عليك بالبركات بأَن يقال : بارك الله فيك . وهو مناسب للسلام بمعنى التسليم كقول الله تعالى : السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته ، قال كعب القرظى : دخل فى ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، وفيما بعد ذلك من المتاع والعقاب كل كافر ، والمراد بأمم من يتولد من المؤْمنين من سام وحام ويافث ، والمراد بمن معك أَولاده الثلاثة لأَن غيرهم لم يكونوا معه فمن معك المجموع لا الجميع والبركات والسلام فى ظاهر الآية على نوح ومن يتولد من أَولاده مؤمنا ، وَأَما أَولاده ومن معهم فى السفينة فبالبركات والسلام لهم ضمنا إِذ كانوا مع نوح فى الإِسلام والسفينة ومن متعلق بمحذوف أَى متولدة ممن معك ، فمن للابتداءِ أَو المراد أُمم من ذرية معك أَو للبيان أَى أُمم هم من معك فتكون البركات والسلام على من معه فى السفينة من بنى آدم ، وسماهم أُمماً لأنهم من قبائِل أَو لتشعب الأُمم من مجموعه ، وروى أَن جميع من فى السفينة من بنى آدم هم من صلبه ومن صلب ذريته وأَنه لا يختص النسل بعد بأَولاده الثلاثة ، وهو غير مشهور مع أَنه نسب لأَكثر المفسرين فيتحصل أَن من معه ولدوا وتناسلوا ، وكذا من لم ينله الغرق فى أَى موضع ، وعلى كل حال جميع من فى الدنيا من نسل نوح أَو من نسله ونسل غيره على ما مر ، وقد سمى آدم الأَصغر وآدم الثانى لذلك ، وبينه وبين آدم ألف سنة وثمانية أَجداد { وَأُمَمٌ } كثيرة عظيمة { سَنُمَتِّعُهُمْ } خبر أُمم أَو نعته على أَن يكون أُمم خبرا لمحذوف تقديره ومن معك أُمم نمتعهم فى الدنيا ، وقدر بعض ومنهم أُمم بمعنى أَنه يتشعب منهم من يكفر ، وقدر بعض وأُمم منهم سنمتعهم على أَن الخبر سنمتعهم ومنهم نعت ، وعطف بعضهم أُمم على ضمير اهبط ويرده أَن من فى الفلك مؤْمنون ، اللهم إِلا أَن يقال يكفر بعض بعد الهبوط وهو بعيد ، وخلاف الظاهر وهو عام للأُمم الأَشقياءِ . وقيل : المراد قوم هود وقوم صالح وقوم شعيب ، والعموم أَولى لعدم داع إِلى التخصيص ، ثم إِذا صير إِلى التخصيص فلم لا يذكر فرعون ومن معه مع أَنه فى القرآن صريح ، وأَما قوم نمرود معه فلم يذكر هلاكهم فى القرآن ، وعمم بعض حتى قال شمول الآية أُمم من الحيوانات التى معكم { ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } فى الآخرة لكفرهم أَو فى الدنيا ، قيل الآخرة ، كما ذكر الله هلاك تلك الأُمم بالعذاب الدنيوى . { تِلْكَ } القصة ، وهى قصة نوح المشتملة عليها هذه الآيات ، وقيل الإِشارة إِلى آيات القرآن المخبرة بالغيوب أَو غيب قصة نوح وهو مبتدأٌ خبره قوله { مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ } أَخبار الخفاءِ أَو أَخبار الأُمور الغائِبة ، ومن للتبعيض ، وقيل غيب من غير أَهل الكتاب ، كما قال { ما كنت تعلمها } { نُوحِيها إِلَيْكَ } خبر ثان وضمير النصب لتلك فالموحى هنا قصة نوح أَو حال من الأَنباءِ فضمير النصب للأَنباءِ ، فالموحى هنا مطلق الأَنباءِ لا خصوص قصة نوح أَو هو الخبر ، ومن أَنباء حال من ضمير النصب أَو متعلق بنوحى ومن للابتداءِ أَى نوردها من أَخبار الغيب وقوله { مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا } خبر ثالث أَو ثان ، الضمير لقصة نوح أَو حال من ضمير النصب أَو من كاف إِليك ، وهذا إِشارة إِلى الإِيمان أَو إِلى المنزل فى شأْنها . والمعنى واحد ، لا علم لك ولقومك ، ولست ممن يخالط من يعلمها وهم مع كثرتهم لم يعلموها فكيف أَنت لولا الوحى ، وقيل الإِشارة إِلى العلم ، وقيل إِلى القرآن ، وقيل إِلى العلم بالوحى { فَاصْبِرْ } على أَذى قومك فى التبليغ كما صبر نوح على أذى قومه على التبليغ { إِنَّ الْعَاقِبَةَ } المحمودة وهى الظفر فى الدنيا والفوز فى الآخرة { لِلْمُتَّقِينَ } للشرك والكبائِر ، فالمراد الدرجة الأُولى من التقوى فيدخل ما بعدها بالأَولى ، وقيل الدرجة الثالثة على أَن المراد عدم الحصر فيها والجملة تعليل لا صبر .