Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 42-43)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ } فى اليوم الثالث عند الباب وقت خروج الساقى { لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنهُمْا } وهو الساقى ، وهو أَحدهما ، فمن للتبعيض ، ومن الابتدائِية محذوفة أَى ناج من القتل ، والظن بمعنى اليقين مثل : { وظنوا أَن لا ملجأَ من الله إِلا إِليه } [ التوبة : 118 ] ونجاة الساقى وقتل الخباز علمهما بالوحى أَو بأَمر من الله له لا يتخلف كإِلهام ، وعلى كل حال هو قطعى ، وعبر بالظن إِرخاءً للعنان وتأَدباً مع الله تعالى ، ولا بأْس بهذا التأْدب مع أَنه جازم لأَن السامع لا يعلم أَنه وحى من الله ، فيقول له : كيف لا تجزم مع أَنه من الله - عز وجل - وأَما بحسب الاجتهاد فى التعبير فالظن على بابه وضمير ظن ليوسف ، وكنت أَستدل به على عدم وجوب الأَمر أَو إِذا جرت الصلة أَو الصفة أَو الحال أَو الخبر على غير ما هو له ، وحكم هؤُلاءِ واحد ، وإِن رددنا الضمير إِلى أَحدهما وهو الساقى جرت الصلة على ما هى له ، ووجهه ظن الساقى أَنه ناج وأَنه لم يخن وأَنه هو الساقى قبل مع قول يوسف فيسقى ربه خمرا { اذْكُرْنِى } اذكر حالى { عِنْدَ ربِّكَ } سيدك الريان الملك ، وقل له إِن فى السجن رجلا مظلوماً اسمه يوسف { فَأَنْسَاهُ } أَى أَنسى الساقى الناجى { الشَّيْطَانُ } تسبب له فى النسيان أَو فى الترك بأَن زين له عدم ذكر يوسف للملك ، والمنسى حقيقة هو الله - عز وجل - { ذِْكْرَ ربِّهِ } ذكر يوسف لربه أَى لسيده وهو الريان ، والهاءُ للناجى ، وأَضاف الذكر إِلى ربه للملابسة ، فإِن المراد أَنساه الشيطان ذكر يوسف إِلى ربه الريان وهو رب الساقى أَى سيده ، فالمعرفة عين الأُولى كما هو الغالب ، أَو الهاءَان ليوسف وهو قول الجمهور ، فالمعرفة غير الأولى ، فالرب فى ذكر ربه هو الله ، ومعنى إِنساء الشيطان يوسف ذكر الله تسببه فى ذهوله عن ذكر الله إِلى ذكر الوليد حتى ابتغى الفرج من مخلوق ، ذهولا وغفلةً فى تلك الحال المهولة من السجن ، وليس فى قلبه أَن يكون شىءٌ بغير الله ، فنقول ركن إِلى الله وحده وتسبب بالمخلوق وذكره الله منه ذلك لعلو مقامه ، وأَطال حبسه فى السجن لذلك ، وذلك قضاء أزلى ، ولكنه خالق الأَسباب والمسببات { فَلَبِثَ } الفاء للسببية ، لأَن توصيته عليه السلام المتضمنة للاستعانة بغيره - سبحانه وتعالى - باعته لإنسائه قال الله - عز وجل - من استنقذك من قتل إِخوتك ؟ ؟ قال : أَنت يا رب ، قال : فمن استنقذك من الجب ؟ قال : أَنت يا رب ، قال : فمن استنقذك من المرأَة إذ همت بك ؟ قال : أَنت يا رب ، قال : فما بالك نسيتنى وذكرت آدمياً ؟ قال : يا رب كلمة تكلم بها لسانى ، قال - عز وجل - وعزتى لأَدخلنك فى السجن بضع سنين { فِى السِّجْنِ بِضعَ سِنِين } قطعة من السنين ، يقال : بضعت الشىءَ قطعته ، قيل عن ابن عباس : لبث اثنتى عشرة سنةً ، ويرده أَن البضع كالنيف ما لم يستكمل عقداً ، وقد شهر أَنه من الثلاث إِلى التسع ، وقيل إِلى السبع ، ونسب إِلى مجاهد ، وقيل إِلى العشر ؛ إِلآَّ أَنه روى عبد الله بن راشد البصرى عن سعيد بن أَبى عروبة : أَن البضع ما بين الخمس إِلى الاثنى عشر ، وقيل لبث سبع سنين ، خمساً منها قبل قوله : " اذكرنى عند ربك " واثنتان بعد ذلك ، وصحح ، وتقدم أَنهما دخلا مع يوسف السجن فى وقت واحد ، فيكون الحلم أَو التحالم آخر الخمس أو أَول الاثنتين ، فقوله لهما تخرجان بعد ثلاث بمعنى بعد ثلاث من حين التعبير ، وعلى قول الاثنتى عشرة يكون اللبث قبل قوله : اذكرنى خمساً وبعده سبعاً ، وفى رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اذكرنى عند ربك لم يلبث فى السجن سبعاً بعد الخمس " وهو حجة للقول بأنه لبث اثنتى عشرة ؛ إِلآ أَن الحديث لم يصح ، وروى أَنه صلى الله عليه وسلم لم يأْخذه النوم لنملة وكان يطلب من يحرسه حتى جاءَ سعد فسمع غطيطه وأَقام الحرس حتى نزلت آية الأَمن : { والله يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] فقال : انصرفوا ، وأَقام الرماة يوم بدر ويوم أَحد وليس من ذلك شىءٌ كقول يوسف : اذكرنى عند ربك ، والمشهور أَنه لبث سبعاً وأَن الرؤيا من أَول السبع ، وبه قال ابن جريج وقتادة ، قال وهب بن منبه : حبس يوسف فى السجن سبع سنين وهو أَكثر الأَقوال ، ومكث أَيوب فى البلاءِ سبع سنين ، وعذب بختنصر بالمسخ سبع سنين ، ويزاد ابتلاءً بسنى يوسف السبع ، والمشهور أَن الممسوخ لا يبقى أَكثر من ثلاثة أَيام ، وقيل لبث فى السجن أَربع عشرة سنة ، وبه قال الضحاك فقد لبث بعد الخمسة تسعا ، كما لبث بعدها سبعاً ، فى قول اللبث اثنتى عشرة ، قال بعض : البضع مدة العقوبة لا مدة الحبس كله { وَقَالَ الْمَلِكُ } ملك مصر الريان ابن الوليد العمليقى حين قرب خروج يوسف من السجن بتمام العدد المذكور ، فى الآية جواز تسمية المشرك ملكاً وهو المذكور فى أَخبار ، وليس فى كتبه صلى الله عليه وسلم إِلى هرقل بلفظ عظيم الروم دون ملك الروم ما يمنع من ذلك ، وإِلا فلا أَكثر من أَنه تنزيه لا تحريم ، قيل : ووجه أَنه لا يتوهم استحقاقه للملك ، ويعارض بأَنه يلزم استحقاق اسم العظمة وما تسميته ملكهم إِلآ معنى أَنه كبيرهم { إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ } بلحم وشحم والواحدة سمينة ككريمة وكرام { يَأْكُلُهُنَّ } المضارع لحكاية الحال { سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ } وأَرى سبع { سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخرَ } سبعا أَخر { يابِسَاتٍ } رأَى فى منامه سبع بقرات خرجن من البحر سمانا وخرج بعدهن سبع بقرات فى غاية من الهزال فابتلعت العجاف السمان ولم تسمن العجاف بهن ، ولا انتفخن ورأَى سبع سنبلات خضر الممتلئات ورأَى سبعا يابسات مدركات التوين على الخضر فزالت خضرتهن ولم تخضر اليابسات ، فخاف مما رأى من تغلب الضعيف على القوى فجمع المنجمين والكهان والسحرة لذلك فقال ما ذكره الله عنه { يَا أَيُّهَا المْلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْياىَ إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤيَا تَعْبُرُونَ } هذا أَفصح من لغة التشديد ، فلم يوفقهم الله إِلى العبر فيعبرها يوسف ، وعبره سبب لخروجه من السجن بإٍذن الله مسبب الأَسباب ، وأَخر نعت لسبع محذوفاً فهو منصوب أَى وسبعاً أَخر يابسات ، وإِن عطف على سنبلات فالفتح جر وكونهن سبعاً يعلم من كون المعطوف عليه أُضيف إِليه سبع ، وأَما أَن يعطف على سبعاً ويعلم أَنهن سبع بدليل لفظ سبع فتكلف لا فائدة فيه إِذ لا دليل فى كون العجاف سبعاً على كون السنبلات سبعاً ، نعم يأْكلهن دلالة على أَن اليابسات مسلطة على الخضر بالالتواء عليهن ، وإِزالة خضرتهن ، كما سلطت السبع العجاف على السمان بالأَكل ، والعجف الهزال ، وقياسه عجف بالضم فإِسكان جمع عجفاءَ كحمراءَ وحمر ، ولكن جيىءَ به مشاكلة لوزن سمان ، وفيه أَنه جاءَ بعد هذا اللفظ بلا مجاوزة سمان ، ويجاب بأَنه تبع للأَول مفعول لتعبرون جر باللام لضعف تعبرون فى العمل بتقديم المعمول ، أَو ضمن تعبر معنى فعل لازم مثل : لا تنهض ، والعبرة التنقل عن شىءٍ لشىءٍ أَى تنقلون من صورة الرؤْيا إِلى ما هو المقصود بها فتخبرونى به ، وجواب أَن أَغنى عنه أَفتوتى فلا حاجة إلى تقدير إِن كنتم للرؤيا تعبرون ، فاعبروها .