Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 17-17)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَنْزَل مِنَ السَّمَاءِ } من السحاب ، أَو من جهة السماءِ ، فإِن السحاب من جهتها أَو من نفس السماءِ أَو السموات تحقيقاً ، والله قادر ، أَو المرد أَن مبادئَه منها ، والأَول أَولى ؛ لأَن بعض الأَمطار من ماءِ البحور أَو العيون { مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ } جمع واد ، جمع فاعل على أَفعلة على غير قياس كما يجمع فعيل على أَفعلة قياساً ، وذلك لتوارد فعيل وفاعل على الشىءِ الواحد ، كعالم وعليم وشاهد وشهيد ، وهو المنفرج بين الجبلين ، وليس ما بين الجبلين كله يسيل فيه الماءُ ، بل يسيل فى جانبه ، مما يلى الجيل ، ويسمى كله واديا ؛ لأَن فيه موضع جريان الماءِ ، وهو من ودى يدى بمعنى وصل إِليه ، والماءُ يصل منه إِلى غيره ، وأَسند السيلان إِلى الموضع مع أَنه للماءِ للعلاقة الحالية والمحلية ، أَو سمى الماءُ باسم الوادى لتلك العلاقة ، وهذا أَولى من تقدير مضاف هكذا : سال ماءُ أَودية ، ونكر الأَودية لأَنها لا تسيل الأَودية كلها إِذا نزل الماءُ بل بعضها { بِقَدَرِهَا } بمقدارها الذى يسبق به القضاء من كثرة وقلة وامتلاءٍ وغير امتلاءٍ ، وضر ونفع ، فأَرض طيبة تتأَثر بالماءِ فتنب وتثمر كالمؤْمن يتأَثر بالوحى ينتفع وينفع الناس به ، وأَرض تمسك الماءَ للناس والدواب ، ولا تتأَثر به كمؤْمن وغيره يحفظ الوحى وينتفع به الناس ولا ينتفع به ، وكحافظ وحى ينساه فيؤَديه فى غيره قبل النسيان ، وأَرض لا تمسك الماءَ ولا تتأََثر بالمطر ، كالمشرك والفاسق يسمعان الوحى ولا ينفعان به ولا ينتفعان به ، { فْاحتَمَلَ } فحمل من الخماسى بالزيادة الجائِى بمعنى الثلاثى ، أَو هو للمبالغة { السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً } السيل : الماءُ الجارى ولو من غير المطر ، والمراد هنا ؛ المطر ، والزبد ما على وجه الماء لجريانه أَو اضطرابه من وسخ ، وقيل : ما على وجهه ولو من غير اضطراب ، أَو جرى كما يكون ماءٌ فى إِناءٍ ، ويقال : هو ما على الماءِ من العشب اليابس ، ورابيا عالياً ، وعرف السيل ؛ لأَنه قد تقدم وما يتضمنه فى قوله : فسالت وهو المصدر الذى فى ضمن الفعل ، والسيل مصدر أَى فاحتمل جريان الماءِ زبدا ، أَو الوصف ، فإِن الضرب يدل على ضارب ، وسالت على سائِل ، والسيل بمعنى الماءِ السائِل ، وكأَنه ذكر فى سالت ، وهو نكرة ، وأُعيد معرفة فى فاحتمل السيل ، أَلا ترى كيف يجوز رد الضمير إِلى ما يفهم من الفعل ، والضمير معرفة كمعرفة العهد نحو : { وإن تشكروا يرضه لكم } [ الزمر : 7 ] و { اعدلوا هو أَقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] ومن كذب فهو شر له ، أَى يرض الشكر والعدل أَقرب ، والكذب شر له ، وأَولى من ذلك أَن تكون أَل للحقيقة { وَمِمَّا يُوقِدُونَ } خبر مقدم ومن للابتداءِ وزبد مبتدأٌ أَى زبد مثل زبد السيل ، وما واقعة على الجواهر الأَرضية كالذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص ، ومن للابتداءِ لأَن زبداً مثل زبد السيل ينشأُ مما يوقدون ، والمعنى ثابت مما توقدون بالتولد منه ، وإِن شئْت قدرت الخبر كونا خاصاً أَى ناشىٌْ أَو متولد مما إلخ ، أَو للتبعيض بمعنى وبعضه زبد ، وحاصل المعنى أَن الموقد عليه من الجواهر المعدنية له زبد مثل الزبد الذى يعلو الماءَ إِذا أَذيب ، فالصافى ينتفع به كما ينتفع بالماءَ ، وزبده يبطل كما يبطل زبد الماءِ ، ووجه الشبه أَن كلا ناشىءٌ من الأَكدار وصاعد وعال ، والآية تهاون بما يستعظمون من نحو الذهب والفضة ، إِذ ذكرها بلفظ ما لا بلفظ الذهب والفضة ونحوهما مع لفظ الإِيقاد عليها فى النار كما قال يُوقدون { علَيْهِ فِى النَّارِ } على عادة الملوك فى الاحتقار بالشىءِ كقوله : { فأَوقد لى يا هامان على الطين } [ القصص : 38 ] فى تحصيل الأَجر ، أَى هذه الجواهر التى تعدونها أَنفس الجواهر وتفتخرون بها وتتخذونها حلياً تتزينون بها فى مجالسكم هى التى توقدون عليها كقوله تعالى : { فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماءٍ دافق } [ الطارق : 5 ] وقوله : { من أَى شىءٍ خلقه * من نطفة خلقه فقدره } [ عبس : 18 - 19 ] أَى شىءٌ حقير ، وللاحتقار لم يذكرها باسم الذهب والفضة والنحاس ، فى النار حال من الهاءِ أَو متعلق بتوقد { ابْتِغَآءَ } طلب مفعول من أَجله { حِلْيَةٍ } ما يتزين به فى البدن أَو فى اللباس { أَوْ مَتَاعٍ } ما يتمتع به كأَوانى النحاس وآلات الحرب وآلات الحرث والدنانير والدراهم والفلوس { زَبَدٌ مِثلُهُ } زبد مثل زبد الماءِ ، هو خبث تلك الجواهر ورديئها ، أَو الوسخ { كَذَلِكَ يَضرِبُ اللهُ الحَقَّ وَالْبَاطِلَ } كما ذكر من الماءِ والموقد عليه والزبدين ، يضرب الله مثل الحق والباطل على العموم ، أَو التوحيد والشرك ، فالحق فى الثبات والنفع كالماءِ من السماءِ يحرث به ويجمع فى الأَحواض والإِضاآت ويمكث فوق الجبال السفلية وتحتها ، وكالجواهر المنتفع بها مع الطول والباطل فى سرعة الذهاب وعدم النفع أَو قلته كزبد الماءِ وزبد الموقد عليه { فَأَمَّا الزَّبدُ } زبد الماءِ وزبد الموقد عليه وهما مثلان للباطل { فيَذْهَبُ جُفَاءً } حال بمعنى ذا جفاءٍ ، أَو مجفوا أَى غير معتنى به بل يرمى أَو لا يتعرض له ، أَو مفعول مطلق أَى ذهاب جفاءٍ { وأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ } من الماءِ والجواهر الموقد عليها { فيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ } زمانا للانتفاع به ، والعرب توضح الشىءَ بالمثال فميز الله الحق بالمثل ، كما أَوضح المشرك بالجاهل والأَعمى { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهَ الأَمْثَالَ } لزيادة البيان مثل ذلك الضرب العجيب يضرب الله الأَمثال فى كل باب يليق إِظهارا للطف والعناية فى الهداية ، وهذا تأْكيد لقوله تعالى : { كذلك يضرب الله الحق والباطل } إِذ الظاهر أَن ذلك إِشارة إِليهما بتأَويل ما ذكر ، أَو إِلى ضرب المثل لهما كما هو الظاهر ، وهذا مبنى على التمثيل الأَول ، أَو نجعل ذلك إِشارة إِليهما معا والأَمثال المثلان .