Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 1-2)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم * المر } اسم للسورة ، أَو حروف من أَوائل أَسماءِ الله ، وقد قيل : المعنى أَنا الله أَعلم وأَرى . { تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ } الإِشارة إِلى آيات السورة هذه ، أَو آيات القرآن ، أو إلى أَخبار الرسل المذكورة فى سورة يوسف المشار إليها إجمالا فى آخرها ، وحضورها باعتبار تلاوة بعض لبعض فى التلاوة أو فى اللوح المحفوظ أو مع الملك ، والكتاب القرآن ، وهو الكتاب العجيب المغنى عن الوصف المعروف من بين الكتب ، أَو السورة أَو اللوح المحفوظ أَى آيات ، هن الكتاب أَو هن السورة أًو بعض من الكتاب ، أَو هن السورة ، وأَل للكمال أَو للعهد الحضورى أَو الاستغراق مبالغة ، والمراد بالكمال كمال السورة فى نفسها لا الفضل على غيرها لأَن قوله : { تلك آيات } مذكورة فى أَوائل سور متعددة فكل واحدة آية كاملة فى ذاتها { وَالَّذِى أُنْزِلَ إِليْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ } نعت آيات ، والعطف عطف عام على خاص ، أَو عطف صفة على أُخرى لموصوف ، أَى تلك آيات الكتاب الجامع بين كونه كتابا ، وكونه منزلا من ربك ، والكتاب بمعنى المكتوب فى اللوح المحفوظ ، أَو فى صحف الملائِكة ، والحق خبر لمحذوف أَى هو الحق ، أًو الذى مبتدأُ والحق خبره ، على هذا فالذى القرآن ، أو مع سائِر الوحى إليه صلى الله عليه وسلم ، والجملة كالحجة للجملة قبلها فإِن ما هو منزل من الله حقا يكون كاملا لا محالة ، وإِذا جعلنا الذى مبتدأً حصل الحصر بتعريف الطرفين مع أَن القياس أَيضا حق ، والإِجماع حق والسنة حق ، والجواب أَنهن دخلت فى المنزل ضمنا السنة لقوله : - عز وجل - { وما آتاكم الرسول } [ الحشر : 7 ] إلخ ، والإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تجتمع أُمتى على الضلالة " الثابت { وأُولى الأَمر منكم } [ النساء : 59 ] أَى المجتهدين ، وأَما الكتب المتقدمة فلأَن القرآن مصدق لها { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } بأَنه من الله لإِخلالهم بالنظر فى بلاغته الخارجة عن طوق البشر والخلق ، وشرع فى ذكر دلائِل السماوات فى أَوائِل السورة بقوله : { اللهُ الَّذِى رفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمدٍ تَرَوْنَهَا } إلخ وفى ذكر دلائِل الأَرض بقوله : { وهو الذى مد الأَرض } [ الرعد : 3 ] إلخ ، وكذلك قوله تعالى فى أَواخر السورة قبلها : { وكأََين من آية فى السماوات والأَرض } [ يوسف : 105 ] ومعنى رفعها نقلها من الجهة السفلى ، إِذ كانت على الماءِ ، أَو خلقها فى علو ، ودلت الآية على أَن لا علاقة للسموات أَيضاً لأَن الآية فى دلائِل قدرة الله ، ولو رفعها بلا عمد مع علاقة لم يستعظموا قدرته ، ولو كانت بعمد لاحتاجت تلك العمد إلى أُخرى فيتسلسل ذلك وهو محال ، ولو كانت بعلاقة لاحتاجت العلاقة لأُخرى ، وحاصل الآية أَنه أَمسك السماوات بقدرته حيث هى ، ورفعها إِمساكها حيث هى بلا علاقة ولا عمد ، وعمد جمع عماد أَو عمود على غير قياس والقياس أَعمدة أَو أَعمد ، أَو اسم جمع وذلك كإِهاب وأُهُب وأَديم وأُدم ، وأَفيق وأُفق ، قيل : ولا خامس لها ، وذلك كله رباعى ثالثه مدة جمع على فعل ، ويدل على أَنه غير مفرد التأْنيث فى قوله : - عز وجل { فى عمد ممددة } [ الهمزة : 9 ] وقيل : هو مفرد مؤنث ، والمنفى العمد والرؤية معا ، وحاصله أَن لا عمد فضلا عن أَن ترى ، وقال مجاهد وعكرمة : نفيت الصفة فقط فالعمد ثابتة لا ترى وهى جبل قاف محيط بالدنيا بعد المحيط من زمرد أَخضر عليه أَطراف السماءِ ، وهو كلام غير كاف إذ تبقى السموات ، أَو يدعى أَن أَطرافهن كلهن على جبل قاف ، ولا ندرى أَصح أم لا ، والصواب : أَن العمد على فرض ثبوتها هى القدرة ، والقدرة لا ترى وإنما يرى أَثرها فالعمد هى قدرة الله - عز وجل - وهى واحدة ذاتية ، وأَما جمعها فتمثيل أو باعتبار تعدد متعلقاتها والجملة نعت لعمد وها لها ، ويجوز كونها للسماوات ، فالجملة مستأنفة أَو حال من السماوات ، ورؤيتنا السماوات برؤية نجومهن وما تقدم أَظهر { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } ملك الأُمور كلها ، والأَجسام كلها أَو حفظها ودبرها ، أَو خلق الجسم العظيم المسمى عرشاً ، وثم للترتيب الذكرى أَو لمجرد العطف ، وكل موجود سوى الله متناه لأَنه لو وجد جسم لا يتناهى لزم أَنه قديم غير مخلوق ، واعتقاد هذا إشراك ، والعرش والسماوات دليل على وجود الصانع ووحدته ، وكمال قدرته وعموم علمه فإِن إِمساكهن فى مجالها دليل على أَن لها فاعلا يختار ما شاءَ ، من الجائز اختار موضعهن ، ولسائِر الأَجسام أَيضاً مجالها فليس بجسم ولا عرض لعجزهما ، وعلى ذلك الأُسلوب تغيير الشمس والقمر فى قوله { وسَخَّر الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } ذللهما لما أَراد منهما من حركة سريعة واستدارة فى منازل لو شاءَ لزاد فى سرعتهما أَو نقص ، أَو سكنتا أَو دارتا على غير دورانهما ، فاختار ما هما عليه على غيره ، وجعل حركتهما نافعة فى حصول الفصول الأَربعة وما يترتب عليها من حر وبرد ونبات وثمار { كُلٌّ } منهما { يَجْرِى } فى فلكه { لأَِجَلٍ مُسَمَّى } وهو يوم القيامة ، أو دور الحول للشمس والشهر للقمر لا يختلف ذلك واختاره بعض ، وبعضهم الأَول كما اختلف فى قوله { والشمس تجرى لمستقر لها } [ يس : 38 ] وعندى أَن المراد فى الآيتين الثانى ، أَلا ترى إلى قوله : { ذلك تقدير العزيز العليم } [ يس : 38 ] مع قوله : { والقمر قدرناه } [ يس : 39 ] واستدل الأَول بقوله عز وجل : { إِذا الشمس كورت * وإِذا النجوم انكدرت } [ التكوير : 1 - 2 ] ويناسب الثانى أَن التسخير لمنافع العباد ، وهى بالفصول لا بيوم القيامة ، واللام على كل حال بمعنى إلى { يُدَبِّرُ الأَمْرَ } يقضى أَمر ملكه بإِبقاءٍ وإِحياءٍ وإِماتة وإٍفناءٍ ورزق وإِنزال الوحى والكتب والتكليف والإِغناءِ بعد الفقر والعكس ، وكون الأَحمق فى أَهنإِ عيش العاقل الذكى فى عسر وضيق قيل : @ كم عاقل عاقل أًعيت مذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذى ترك الأَوهام حائِرة وصيَّر العالم النحرير زنديقا @@ أَى شاكَّا فى وجود الصانع تعالى وأَخطأَ ، بل ذلك دليل على وجوده تعالى كما قيل : @ كم عاقل عاقل قد كان ذا عسر وجاهل جاهل قد كان ذا يسر تحير الناس فى هذا فقلت لهم هذا الذى أَوجب الإِيمان بالقدر @@ وكما قيل : @ كم من أَديب فهم قلبه مستكمل العقل فقل عديم ومن جهول مكثر ماله ذلك تقدير العزيز العليم @@ { يُفَصِّلُ الآياتِ } يبين دلائِل قدرته أَو تنوعها ، أَو الآيات المتلوَّة أَو يحدث الدلائِل شيئاً بعد شىءٍ { لَعَلَّكُمْ } أَيها الناس عموما ، أَو يا أهل مكة ، الترجى هنا بمعنى الاختيار ، أَو لعل للتعليل { بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } توقنون بلقائِه بالبعث ، وكأَنه يفصل آياته فى كتابه أَو كتبه المنزلة لعلكم توقنون بالجزاءِ ، وأن هذا المدبر المفصل لا بد لكم من الرجوع إليه فإٍنه لا يخلقكم عبثا ، وبأَن القادر على خلق السموات ، والأَرض والشمس والقمر وسائِر الحوادث قادر أَن يبعثكم .