Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 111-111)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr li-l-qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَوْمَ } يوم القيامة { تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا } يوم متعلق برحيم ، أو يقدر لذكر يوم الخ لنفسك لتتسلى ، ولهم ليرتدعوا عن الشر ، ومعنى خصام النفس عن نفسها خصام المعنى القائم بالجسم من الروح والإدراك عن بدنه ، ولا يحسن أن يقال النفس الأولى للذات ، فإِن البدن لا يجادل ، بل المعنى الحى الناطق ، وعبارة بعض النفس الأولى مجموع الذات ، وصاحبها يوم يأتى كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيرها من ولد أو والد أو قريب أو صاحب ، تزفر جهنم فيخر كل حى على الأرض حتى الملائكة على ركبهم ، ويقول الخليل وغيره : رب لا أسألك إِلا نفسى . ويروى إِلا سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم فإنه يقول : أمتى أمتى ، وعبارة بعض : النفس الأولى ذات الإنسان وحقيقته ، والثانية بدنه ، وعبارة بعض أن الأولى الشخص بأجزائه ، فالأجزاء فيه ملحوظة ، والثانية ما يؤكد به ، ويدل على حقيقة الشئ وهويته ، والأجزاء فيها غير ملحوظة ، فمعنى كل نفس كل أحد ، والتحقيق ما ذكرته أولا ، ثم رأيت بعضاً أشار إليه إذ قال : الأولى الروح ، والثانية البدن ، والمجادل المدرك وهو الروح لا البدن ، وقيل : الثانية الأولى أعيدت لئلا يعمل عامل فى ضميرين لواحد ؛ والأصل تجادل عنها ، وأنت خبير أن ذلك العمل غير ممنوع إذا كان أحد الضميرين بالحرف نحو : { وهُزِّى إِليكِ } [ مريم : 25 ] والمفاعلة هنا للمبالغة أى تخاصم عن نفسها خصامًا شديدًا إلا للمبالغة ، وعن المجاوزة ، لأنها تميل عمن يضرها ، وتعرض عنه ، لا كما قيل إنها للابتداء . أما جدال الكفار فمثل قولهم : هؤلاء أضلونا وما كنا مشركين ، ربنا أطعنا سادتنا ، وأما جدال الأبرار فمثل ابتليتنا بالمرض والفقر ، ويا ربنا منعونا عن الخير ، وقيل : إنما يعتذر الكفار ، ورد بعموم كل نفس ، والأصل حمل اللفظ على ظاهره ما لم يتعين التأويل بدليل . وكذا فى قوله : { وَتُوَفَّى كَلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ } من شر أو خير ، والمقصود الجزاء ، فسمى باسم سببه وهو العمل ، وهو ملزومه ، وذلك لكمال الاتصال بين الجزاء والعمل ، وأظهر ولم يقل : وتوفى ما عملت بالإضمار لزيادة التقرير للإيذان باختلاف وقتى المجادلة والتوجيه إذ لا خصوصية للظاهر ، ولا للضمير بذلك الاختلاف . { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } لا ينقص من ثواب المؤمن ، ولا يزاد على الكافر ما لم يعمل ، ومن عمله ما أمر به غيره من شر ، أو نهى عنه من خير ، ويناسب العموم أنه ذكر قبل ذلك المؤمنين والكافرين ، فلا حاجة إِلى دعوى أن المؤمن لا يعتذر ، والاعتذار فى موطن من مواطن القيامة ، والمنع منه فى موطن آخر ، فلا منافاة بين آية إِثبات الاعتذار من الكفار مثلا ، وآية نفيه قال عكرمة : وهو عبد من سبى المغرب اشتراه ابن عباس أو أهدى إليه فأعتقه . قال ابن عباس : لا تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد ، فتقول الروح : يا رب لم تكن لى يد أبطش بها ، ولا رجل أمشى بها ، ولا عين أبصر بها ، فضعِّف عليه العذاب . ويقول الجسد : يا رب أنت خلقتنى كالخشبة ليس لى يد أبطش بها ، ولا رجل أمشى بها ، ولا عين أبصر بها ، فجاءت هذه الروح كشعاع الشمس ، فيها نطق لسانى ، وبها أبصرت عيناى ، وبها مشت رجلاى ، فيضرب الله لهما مثلا أعمى ومقعدًا فى بستان ثمار ، والأعمى لا يبصر الثمر ، والمقعد لا يتناوله ، فحمل الأعمى المقعد فأصابا الثمر ، فغشيهما العذاب ، بمعنى تناولا المعاصى الشبيهة بالثمار فى الميل إِليها ، أو تناولا الطاعة الشبيهة بها فَنَجَوَا . والروح والجسد لم يتناولا معًا بل ناول بعض بعضا فهلكا ، والمتبادر هو الأول ، وكذا فى قول القرطبى : أن المقعد نادى الأعمى احملنى آكل وأطعمك ففعل ، فأصابا من الثمر ، فعلى مَن يكون العذاب ؟ قالا : أى الروح والجسد : عليهما أى على الأعمى والمقعد . قال أى الله : عليكما جيمعًا العذاب أى الروح والجسد ، وهذا الحديث كالنص فيما فسرت به النفس أولا .